Voice of Preaching the Gospel

vopg

أذار March 2011

"وَلكِنْ لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ ِللهِ لاَ مِنَّا" (2كورنثوس 7:4).

إن من يدرس معاملات الله مع الإنسان ولا سيما مع المؤمنين يندهش أمام الحكمة الإلهية، كما جاء في إشعياء 8:55-9 "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ".

وهذا نراه في اختيار الرب للآنية البشرية التي يستخدمها في تتميم إرادته. فمثلاً، من كان يظن أن طفلاً وُضع في سلة من ورق البردي بجوار النهر في مصر، وهو ابن ثلاثة شهور، يصبح قائدًا عظيمًا يتحدّى فرعون حاكم أعظم دولة في ذلك الوقت؟ إن موسى نفسه اندهش وقال لله: "مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟" (خروج 11:3).

من كان يظن أن رجلاً متعصّبًا يضطهد المسيحيين يصبح رسولاً ليسوع المسيح؛ يحتمل من أجله المشقات الكثيرة، لكي يحوّل شعوبًا وثنية إلى الإيمان بالمسيح؟ ولكنه هو نفسه الذي قال هذه الافتتاحية لهذا المقال معترفًا بأنه إناء خزفي، كما قال أيضًا: "لَسْتُ أَهْلاً لأَنْ أُدْعَى رَسُولاً... وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أَنَا مَا أَنَا" (1كورنثوس 9:15-10). الكتاب المقدس يدوّن لنا حالات كثيرة استخدم الله فيها آنية ضئيلة ليتمم أعمالاً عظيمة. وهنا لا بد أن نقرر حقيقة وهي أنه ليس عند الله مانع من أن يستخدم أصغر وأضعف إناء، ما دام إناء طاهرًا "إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا (أي مكرّسًا ومخصّصًا)، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (2تيموثاوس 21:2).

والآن سنتأمل باختصار في ثلاثة أوانٍ استخدمها الرب بالرغم من ضآلتها في نظر البشر.

 

أولاً: فتاة صغيرة سباها الأعداء

في أيام أليشع النبي كان هناك رجل اسمه نعمان "وَكَانَ نُعْمَانُ رَئِيسُ جَيْشِ مَلِكِ أَرَامَ رَجُلاً عَظِيمًا عِنْدَ سَيِّدِهِ مَرْفُوعَ الْوَجْهِ، لأَنَّهُ عَنْ يَدِهِ أَعْطَى الرَّبُّ خَلاَصًا لأَرَامَ. وَكَانَ الرَّجُلُ جَبَّارَ بَأْسٍ، أَبْرَصَ. وَكَانَ الأَرَامِيُّونَ قَدْ خَرَجُوا غُزَاةً فَسَبَوْا مِنْ أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فَتَاةً صَغِيرَةً، فَكَانَتْ (تخدم) بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةِ نُعْمَانَ. فَقَالَتْ لِمَوْلاَتِهَا: يَا لَيْتَ سَيِّدِي أَمَامَ النَّبِيِّ الَّذِي فِي السَّامِرَةِ (أي أليشع)، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْفِيهِ مِنْ بَرَصِهِ" (2ملوك 1:5-3).

يا لها من فتاة عجيبة! هي فتاة صغيرة، لا نعرف اسمها أو عمرها أو من أي سبط هي. نعرف فقط أنها فتاة صغيرة، أُخذت من بيت والديها أسيرة في بلاد غريبة، بلاد وثنية، حُرمت من حنان وعطف أبيها وأمها وذويها. فتاة صغيرة ووظيفتها حقيرة، ولكنها كانت فتاة مؤمنة. بينما كان معظم بني إسرائيل قد انحرفوا عن عبادة الرب، كان إيمانها إيمانًا حيًّا قويًّا، حتى أنها تجرّأت وقالت بكل يقين أنه لو ذهب سيدها نعمان إلى أليشع النبي (الذي معنى اسمه "الله المخلّص)، فإنه يُشفى من برصه. لم يساورها أي شك وإلا لما تجرّأت أن تقول هذا الكلام. لم تكن ذات نفوذ أو سلطة، ولكنها كانت تؤمن بالإله الحي الحقيقي صاحب السلطة والنفوذ في السماء وعلى الأرض. لا شك أن نعمان وزوجته رأوا في حياتها الصدق والأمانة. كانت إناء خزفيًا صغيرًا ولكنها كانت إناء نقيًا طاهرًا. لذلك ذهب نعمان وأخبر ملك أرام (أي سوريا) بهذا الكلام، فأرسله ملك سوريا ومعه هدايا كثيرة إلى ملك إسرائيل لكي يشفيه. ولكن الفتاة لم تقل أن ملك إسرائيل يشفيه، بل قالت أن يذهب إلى أليشع لكي يُشفى من مرضه - أي أن الرب إله إسرائيل يشفيه. فهي مع صغرها كان عندها إدراك روحي وإيمان أكثر من الملكَين. ومن الجميل أن نتذكر أن نعمان لم يُشفَ من برصه فقط، بل أصبح مؤمنًا بالإله الحي الحقيقي وحده. وكم سيكون لقاؤه مع هذه الفتاة لقاء جميلاً مفرحًا، حين لن تكون فيما خادمة في بيته، بل أختًا له في الرب.

 

ثانيًا: أرملة فقيرة على وشك أن تموت هي وابنها من الجوع

في أيام إيليا النبي انغمس بنو إسرائيل في العبادة الوثنية - عبادة البعل - فأرسل الرب إيليا إلى الملك أخآب، فقال له إيليا: "حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ الَّذِي وَقَفْتُ أَمَامَهُ، إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي" (1ملوك 1:17). نتيجة لامتناع المطر اشتدّ الجوع في إسرائيل وما حولها حتى إلى صيدون، فكان كلام الرب إلى إيليا قائلاً:

"قُمِ اذْهَبْ إِلَى صِرْفَةَ الَّتِي لِصِيدُونَ وَأَقِمْ هُنَاكَ. هُوَذَا قَدْ أَمَرْتُ هُنَاكَ أَرْمَلَةً أَنْ تَعُولَكَ. فَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى صِرْفَةَ. وَجَاءَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَإِذَا بِامْرَأَةٍ أَرْمَلَةٍ هُنَاكَ تَقُشُّ عِيدَانًا، فَنَادَاهَا وَقَالَ: هَاتِي لِي قَلِيلَ مَاءٍ فِي إِنَاءٍ فَأَشْرَبَ. وَفِيمَا هِيَ ذَاهِبَةٌ لِتَأْتِيَ بِهِ، نَادَاهَا وَقَالَ: هَاتِي لِي كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِكِ. فَقَالَتْ: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ، إِنَّهُ لَيْسَتْ عِنْدِي كَعْكَةٌ، وَلكِنْ مِلْءُ كَفّ مِنَ الدَّقِيقِ فِي الْكُوَّارِ، وَقَلِيلٌ مِنَ الزَّيْتِ فِي الْكُوزِ، وَهأَنَذَا أَقُشُّ عُودَيْنِ لآتِيَ وَأَعْمَلَهُ لِي وَلابْنِي لِنَأْكُلَهُ ثُمَّ نَمُوتُ" (عدد 8-12).

نرى هنا أمرًا عجيبًا: أرملة فقيرة ليس عندها سوى ملء كف من الدقيق وقليل من الزيت. هل يستخدم الرب إناء مثل هذا ليعول نبيه إيليا؟ نعم، هذا هو إلهنا. يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة. كان بينها وبين الموت وقت قصير. لم يكن عند إيليا شك في قدرة الله، ولكن كان لا بد أن يوجد هذا الإيمان أيضًا في هذه المرأة المسكينة. لذلك قال لها إيليا:

"لاَ تَخَافِي. ادْخُلِي وَاعْمَلِي كَقَوْلِكِ، وَلكِنِ اعْمَلِي لِي مِنْهَا كَعْكَةً صَغِيرَةً أَوَّلاً وَاخْرُجِي بِهَا إِلَيَّ، ثُمَّ اعْمَلِي لَكِ وَلابْنِكِ أَخِيرًا. لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنَّ كُوَّارَ الدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ، وَكُوزَ الزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُعْطِي الرَّبُّ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. فَذَهَبَتْ وَفَعَلَتْ حَسَبَ قَوْلِ إِيلِيَّا، وَأَكَلَتْ هِيَ وَهُوَ وَبَيْتُهَا أَيَّامًا. كُوَّارُ الدَّقِيقِ لَمْ يَفْرُغْ، وَكُوزُ الزَّيْتِ لَمْ يَنْقُصْ، حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ إِيلِيَّا" (عدد 13-16). آمنت تلك الأرملة الفقيرة بكلام الرب وتمّ لها القول: "إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ". فقد رأت بعد ذلك ابنها يُقام من الأموات. "فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لإِيلِيَّا: هذَا الْوَقْتَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللهِ، وَأَنَّ كَلاَمَ الرَّبِّ فِي فَمِكَ حَقٌّ" (عدد 24).

 

ثالثًا: غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان

كان الموقف حرجًا بالنسبة لتلاميذ المسيح إذ بعدما عبروا مع الرب يسوع المسيح بحر طبرية (أي بحر الجليل) تبعهم جمع كثير لأنهم أبصروا الآيات التي كان يصنعها في المرضى. فقال المسيح لفيلبس: "مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ؟". فأجابه فيلبس: "لاَ يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يَسِيرًا". ولكن أندراوس أضاف قائلاً: "هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟". وطبعًا بحسب الفكر البشري، ما هي قيمة خمسة أرغفة وسمكتين لخمسة آلاف رجل بالإضافة إلى النساء والصغار؟ ولكن يسوع المسيح (له كل المجد) أمكنه أن يستخدم القليل الذي كان مع الغلام لكي يطعم الآلاف حتى يأكلوا "بِقَدْرِ مَا شَاءُوا". ليس ذلك فقط بل بقي من الخبز ما يملأ اثنتي عشرة قفة. هذا الغلام كان واثقًا من قدرة يسوع المسيح، ولذلك لم يتردّد في أن يضع القليل الذي معه في يدي الرب. وبذلك شاهد معجزة جليلة، وهي مدوّنة لنا في الأناجيل الأربعة (متى 14:14-21؛ مرقس 34:6-44؛ لوقا 12:9-17؛ يوحنا 1:6-15). يا ترى، ماذا ستكون مكافأته في السماء؟ وكم سيكون فرحه في السماء حين يرى يسوع مرة أخرى؟ يراه مكلّلاً بالمجد والكرامة!

أيها القارئ العزيز وأيتها القارئة العزيزة: تأملوا معي في هذه الأمثلة الثلاثة:

فتاة صغيرة سباها الأعداء، أرملة فقيرة على وشك أن تموت هي وابنها من الجوع، وغلام أراد أن يتبع يسوع ليراه ويسمعه. كل منهم يعلمنا درسًا مهمًا، أنه "لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (زكريا 6:4). حقًا قال الرب: "لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ" (إرميا 23:9)؛ "مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ" (2كورنثوس 17:10).

المجموعة: 201103

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

500 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577654