أذار March 2011
في ظل ظروف العالم المعقدة والضغوط المستمرة التي تحيط بنا، نحتاج إلى قوة ترفعنا؛ هذه القوة التي لن نجدها إلا في شخص الرب يسوع المحب وكلمته المشجعة لنا.
يتحدث هذا الجزء الكتابي من سفر يشوع عن دخول الشعب القديم أرض كنعان تحت قيادة يشوع بعد خروجه من مصر وقضائه أربعين عامًا في البرية. ومن خلال هذه الأحداث وكيفية دخول الشعب الأرض يمكننا أن نتعلم ونختبر دروسًا روحية وكيف نحطّم الأسوار المحيطة بنا ونعيش حياة النصرة على أسوار الخوف، والقلق، والفشل، والاحباط، والقهر، والظلم، والفساد، والتعصب الديني، والتمييز الطائفي والعرقي.
الصورة في العهد القديم صورة رمزية لرحلة وحياة المؤمن في هذا العالم. تبدأ هذه الرحلة من مصر حيث بدأ الشعب بالخروج من مصر. وهنا صورة للعالم الذي فيه عوائق وأسوار تحجب عنا البركة والنصرة الروحية.
لقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الأسوار الثلاثة التي واجهت الشعب في تلك الفترة وهي: مصر وترمز إلى العبودية والعناء، والبرية وفيها ازدواجية الولاء، ومدينة أريحا وترمز للشهوة والأهواء.
وأشرنا إلى الخطوات الروحية التي تساعدنا على ذلك وهي: ارفع عينيك إلى مصدر كل معونة، واحنِ ركبتيك وسلّمه جميع أمورك، ثمّ اخلع نعليك؛ أي أن تخلع كل تصرف فاسد في حياتك وكل ما لا يرضي الرب. وهذا يحتاج إلى الإيمان الخاضع والإيمان الطائع والإيمان الجامع
أ- الإيمان الخاضع
يقول الكتاب: "فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ" (يعقوب 7:4). الإيمان الخاضع هو الإيمان الذي لا يُجادل، لأن الإيمان هو الثقة المطلقة في الرب.
هل تعرف كم مرة دار يشوع وشعبه حول مدينة أريحا؟ ١٣ مرة. لقد داروا مرة واحدة في اليوم ولستة أيام، وفي اليوم السابع داروا سبعة مرات. فالرقم 13 هو صورة للاثني عشر سبط ومعهم الرب، وصورة للاثني عشر تلميذ ومعهم المسيح. الإيمان يتطلب الخضوع! ففي اليوم السابع داروا سبعة مرات وهذا شيء مجهد جدًا، لكنهم لم يتذمّروا على يشوع بل خضعوا له.
الإيمان الحقيقي هو الإيمان الذي يُسلِّم وليس فقط يُصدّق. فالشياطين يؤمنون ويقشعرون!
كان هناك شخص اسمه "بلون دون"، كان يمشي على الحبل الرفيع فوق الأودية ويصفق له الناس. جاء مرة إلى شلالات نياجرا في أواخر القرن التاسع عشر ووضعوا له حبلاً فوق الشلالات ليمشي عليه. وفعلاً مشى على الحبل. وبعد أن قطع مسافة أكثر من ٢٠٠ متر، صفق له الناس!
بعد ذلك قال لهم: هل تؤمنون أنني أستطيع أن أمشي على الحبل فوق الشلالات ومعي كيس فيه حجارة زنته 80 كغ؟
قالوا له: نعم.
وفعلاً حمل الكيس ومشى على الحبل وصفّق له الناس!
ثم رجع إليهم ثانية وقال لهم: هل تؤمنون أنني أقدر أن أحمل أحدكم على كتفيَّ وأمشي به على الحبل فوق الشلالات؟
قالوا له: نعم، نؤمن أنكَ تستطيع أن تفعل هذا.
هنا قال لهم: مَن منكم يُحب أن يُجرّب؟
هُنا لم يَجبه أحد!
الرب يدعوك لمثل هذا الإيمان الخاضع المعجزي. فهو قادر أن يحملك وسط ظروف العالم المضطربة مهما كان وزنك، ومهما كان وزن أحمالك الثقيلة. كما هو مكتوب: "لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا" (1يوحنا 4:5).
ب– الإيمان الطائع
لا بد أن يكون الإيمان مطيعًا أيضًا. يقول الرب يسوع: "وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟" (لوقا 46:6).
الرب يدعونا لإيمان الطاعة، لا إيمان الكلام فقط. فلننظر إلى المسيح الذي أطاع حتى الموت موت الصليب.
ولكي يكون الإيمان حيًّا، لا بد أن يكون مقرونًا بأعمال الطاعة كما هو مكتوب: "هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ؟" (يعقوب 20:2). فإذا لم تطع فإيمانك ليس حيًّا.
الله يُعطي الروح القدس للذين يُطيعونه. فعندما تتوب وتُطيع يملؤك الروح القدس. فمشكلتنا هي أننا أغفلنا الإيمان الطائع وصار لدينا إيمان لفظي فقط، نقول: "يا رب" فقط ولا نطيع ما يقول.
في نورث كارولينا، كان هناك جندي اسمه "جورج جيف لويس" يعمل في الجيش عملاً مكتبيًا في قسم المحاسبة والتسجيل. وفي يوم من الأيام طلب إليه قادته أن يلقي بنفسه من الطائرة كمظلّي، مع أنه لم يكن من قسم المظليين، لكنهم خلطوا بين اسمه وبين جندي آخر اسمه "جيف جون لويس". وعندما طلبوا من جورج الذي لم يكن من قسم المظليين أن يلقي بنفسه من الطائرة، ألقى بنفسه فعلاً منها، وبعد أن نزل للأرض نادوه باسمه: "جيف جون لويس".
قال لهم: لا! أنا اسمي "جورج جيف لويس".
قالوا له: نحن نعتذر! لقد أخطأنا بينك وبين شخص آخر. ولكن، كيف ألقيت بنفسك من الطائرة وأنت ليس بمظلي؟
قال لهم: أنا جندي، وعليّ أن اُطيع الأوامر!
هكذا يريدنا الرب جنودًا طائعين!
أطع الرب ولا تجادله. لا تفعل ما يحسن في عينيك ولا تكن طاعتك طاعة مجزّأة بل كاملة.
ج – الإيمان الجامع
عندما ذهب الشعب القديم ليدور حول مدينة أريحا، أخذ الأعداء يستهزئون بهم ويسخرون منهم، لكنهم كانوا بقلب واحد ولم يهمّهم تصرّف الأعداء، بل هتف الشعب هتافًا عظيمًا بقلب واحد وصوت واحد.
لا يمكن أن تختبر قوة الرب إن كنت بعيدًا عن شعب الرب أي أولاده. فلا نصرة وأنت بمفردك. يجب على المؤمن الحقيقي أن يكون مع المؤمنين، ينمو معهم ويتحد معهم.
"مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ... إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ" (أفسس 3:4-13).
يقول الكتاب: "وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (أعمال 1:2)، لذلك سكب الله عليهم قوته.
ليتنا نكون قلبًا واحدًا وفكرًا واحدًا! تأمل في صلاة المسيح: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يوحنا 21:17).
هناك قوة عظيمة عندما نكون معًا بقلب واحد، لأن هذه هي إرادة المسيح ومحور صلاته.
لم يُزِل الرب الضيق عن أيوب إلا عندما صلى لأجل أصدقائه.
كان "إف. ب. ماير" يعظ في كنيسته في إنجلترا، وكانت كنيسته صغيرة وكان يعاصره في ذلك الوقت اثنان من أشهر الوعاظ هم "تشالز سبرجن وكامبل مورجان"، وكانت كنائسهم كبيرة وتنموا في ذلك الوقت الذي كانت فيه خدمة "إف. ب. ماير" تضعف. وهنا شعر بالغيرة من أصدقائه، لكنه عندما جاء إلى الرب وصلى، قال له الرب: صلِّ من أجلهم حتى تزداد خدمتهم أكثر وبشكل أفضل. فعندما صلى لأجل "سبرجن ومورجان"، بدأ الرب فعلاً يبارك خدماتهم، وصارت كنائسهم تنموا أكثر وتمتلئ حيث لم يبقَ فيها أماكن لتستوعب عددًا أكبر، فابتدأ الناس يذهبون إلى كنيسة ماير، وهكذا امتلأت كنيسته بالنفوس العطشانة لمعرفة الحق.
ما أحلى أن نكون معًا، ويكون إيماننا خاضعًا وطائعًا وجامعًا... هناك أمر الرب بالبركة.