أذار March 2011
الدكتور ميلاد فيلبس
نستنتج من أقدم المعاجم اللغوية أن الأسطورة هي الحدث الذي لا أصل له أو ما سطره الأولين من أعاجيب أحاديثهم. وقد يشير إلى أباطيل لا صحة لها، وهذا هو الفكر التقليدي. أما الأسطورة في المفهوم المعاصر فهي حكايات عن أحداث خارقة للعادة حدثت خلال التاريخ أخضعها البشر لمنطق العقل وتأثير العاطفة وإدراك الحس. وينطبق ذلك على العلوم ومسلماتها، والتصوّرات الدينية ومتعلقاتها وتفسير الظواهر ومدلولاتها. وكأن الله أعد الإنسان بقوة خارقة لتعليل الظواهر، وتفسير الأسرار، وتعريف المجهول، وتشخيص الغوامض.
أولاً: الحكايات الخرافية
والخرافات تقوم على الخيال، وقد كانت تلك هي الوسيلة التي استخدمها الإنسان سبيلاً للمعرفة وتفسير العلم وفكّ الألغاز حوله. ومع ذلك انتقد طاليس الفيلسوف الأساطير الأغريقية، واعتبرها أرسطو قصصًا وهمية لا تقدّم أي حقيقة فلسفية. أما أفلاطون فاستخدمها كوسيلة فلسفية لكشف الحقائق. ويرى كارل ماركس Materialism أن الأساطير هي رؤية العالم في أقدم مراحل التطوّر، وقد ساعدت على السيطرة على قوى الطبيعة والإنتاج. لذلك يحذرنا الله من اتباع الخرافات العجائزية التي هي قصص وحكايات فارغة وآراء سخيفة تستبدل حق الله بالكذب "وأما الخرافات العجائزية [أي التي تشبه خرافات العجائز مثل المنع عن الزواج وأوامر الممنوعات] فأرفضها وروِّض نفسك للتقوى"
(1تيموثاوس 7:4). إن لائحة الأساطير تضم جنون الآباء في تعذيب أولادهم، وجنوح الأزواج ضد شركاء حياتهم، وتعذيب الأبرياء باسم الدين، وتجبّر الأغنياء على الفقراء، وعقاب الزمن لمن خانوا عهد الإخوة والمحبة بسبب المال، وإزعاج المسالمين بالخبث والدهاء وغباء الحكام.
إن الفرق بين الخرافات والدين هو أن الخرافة ظهرت بعد الوثنية، أما الدين فينبع من كيان الإنسان وضميره وعقله. يحذّر الكتاب من الخرافات بأنه لا يجب الإصغاء إليها "لاَ يُصْغُونَ إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ (أي أفكار الغنوسية Gnosticism المبنية على كتابات العهد القديم بلا تاريخ أو أساس)، وَوَصَايَا أُنَاسٍ مُرْتَدِّينَ عَنِ الْحَقِّ" (تيطس 14:1)، أما الدين فيحمل طابع القداسة، والتعايش، وتحقيق المثالية، ويقود الإنسان الى معايير وأبعاد حياتية وأبدية. إنه يشكل صورة عن الإنسانية والمثالية كما قصد الله. إن الخرافات تخسِّر الإنسان حياته بأن يكون "رَاغِبًا فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلاً فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ". إن لها حكاية حكمة بعبادة نافلة وتواضع وقهر الجسد، أما الإيمان بالله فهو سر المعرفة وقبول المسيح الذي يحضر كل إنسان كاملاً في شخصه (كولوسي 2). لكن، هل نرفض قبول ورقة مالية صحيحة لأن هناك أوراقًا مزيفة في العالم؟ إن المجروح المسحوق في إشعياء 53: 5 كان هو سبب سلامنا مع الله. إنه المسيح الطريق والحق والحياة.
ثانيًا: التجربة الحياتية
إن الأساطير بصفة عامة هي انطباعات شعبية Folklore تختص بعادات شعب ما، وتقاليده، وحكاياته، وأقواله المأثورة المحفوظة شفهيًا. لكنها تكون فلسفة العلوم، وتراث الشعوب، وضوابط المجتمع. فمحتوياتها تؤول إلى الحقائق الغيبية، وقد آلت إلى حلّ معادلات كونية. فهي خليط من المنهج العقلي، والتحليل النفسي، والرغبات الغريزية والمكوّنات الفطرية. ويستخدم رجال الاجتماع البحث في الخرافات واللامعقول أحيانًا للتوصل الى معايير موضوعية لا تتقيد بزمان أو مكان. وتتأثر الأساطير بمستوى ثقافة المجتمع ومدى نضجه الفكري. ففي الألواح السومرية والبابلية نجد أن النصوص الأسطورية جزء من الأساطير الطقسية أو الدينية. ومن أهم الأساطير في بلاد الرافدين أسطورة جلجاميش التي تتناول موضوع الخلود، وتحتوي قصة الطوفان في طياتها. إن الحكايات الشعبية تقتصر على العلاقات الاجتماعية والأسرية ولها رسالة تعليمية وتهذيبية. والمهم هو تحويل الفكر إلى واقع الحياة. هذا ما ردّده روبرتس سميث في تعريف الأسطورة بأنها تفسير للعرف الديني، ويؤكده برونيسلاف مالينوفيسكي قائلاً: الأسطورة هي بعث روائي لحقيقة أزلية تاريخية في صورة متنكرة. إن الخرافات المعاصرة تختصّ بالصحة، وكتابة الأحجبة، وتسخير الشياطين، وخرافات التفاؤل والتشاؤم، والجنوح إلى المبالغات والكذب. ولكن "عِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ" (2بطرس 19:1). "وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ".
ثالثًا: الأحداث التاريخية
يقول "بروس" من جامعة مانشستر: قد يلهو بعض الكتاب بالقول إن يسوع أسطوري دون أن يعتمدوا على أدلة تاريخية. إننا نتفق مع المؤرخين على أن المسيح أسطورة التاريخ؛ أي أعجوبة التاريخ بل وموضوع إعجاب الحكماء والعظماء وسادة العالم. إن كلمة أسطوري في السياق العلمي تعني قصة مقدسة، لذلك قال الفيلسوف الإنجليزي سي إس لويس عن المسيح: إنه أسطورة لكنها حدثت. تساءل جون مونتجمري: ماذا يعرف المؤرخ عن يسوع المسيح؟ ويجيب: إن تقديم صورة تاريخية عن المسيح لا يمكن رفضها. إن يسوع المسيح عند المؤرخ المنصف شخص تاريخي، كما أن يوليوس قيصر شخص تاريخي. إن المؤرخين لا ينكرون أبدًا تاريخية المسيح. يقول بطرس الرسول: "لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ" (2بطرس 16:1).
إن النظريات النفسية والفلسفية تؤكد أن الأساطير تخفي وراءها الرهبة من عناصر الطبيعة، وانفعالات نفسية غريزية، أو حقائق أدبية ودينية في شكل خيالي، أو وقائع حية بشرية عالجتها الكتب المقدسة. والمهم أنها أصبحت مقياسًا للظواهر الفكرية والثقافية والاجتماعية كإحدى المسلَّمات الفلسفية والمنطقية المتقدمة التي ما زال لها تأثيرها على العالم والعلم. إن الأسطورة إذن تحمل في طياتها وقائع فوق طبيعية Supernatural تؤكد وجود قوة أو نفوذ أو ظاهرة طبيعية.
وهنا نسأل: من هو المسيح الذي تكلمت عنه الأديان الكبرى، ودُعي بأسماء مختلفة، ونُسبت إليه أعمالاً عجيبة ومعجزات فائقة، واختلفت في تفاصيل حياته وموته وقيامته ومجيئه الثاني، وأشاد الشعراء والكتّاب في مدحه وسمو رسالته وعلو شأنه؟
يتفق الجميع على أنه روح الله، والطبيب العظيم، ووحي الأنبياء أو موضوع النبوة، ومخلص الضعفاء، وديان اليوم الآخر.
لكن ما هو المقصود باللقب "كلمة الله"؟
إنه تعبير عن أن الله تكلم من خلاله، وتكلم فيه وبه، وأوضح مقاصده السنية وفسّر أسرار الأزل. إن الله فيه جسّد طبيعته كالمتسلط في مملكة الناس وخالق الكون. وسجّل التاريخ، تاريخ الأمم والشعوب أحداث حياته إذ غيّر مسار الزمن، وبدأ ميلاده حقبة زمنية مميّزة تحمل اسمه. وهذا ما جعل المؤمنون بالنبوة والظهورات الإلهية أن يكتبوا عنه أنه "كلمة الله" منذ البدء، "والكلمة صار جسدًا".
ظلت ممرضة بعد انتهاء عملها بضع دقائق لكي تساعد مريضًا على تناول الدواء فسألها شاكرًا:
لماذا تجودين عليّ بهذا الوقت الإضافي؟
فأجابت: لأن شخصًا عمل معي مرة إحسانًا مماثلاً دون مقابل.
وفي اليوم التالي سألها: يا أخت من هو هذا الشخص؟ فقالت: إنه يسوع المسيح عندما ستر خطاياي على الصليب!