Voice of Preaching the Gospel

vopg

أذار March 2011

مقدمة

كتبتُ هذه السلسلة من الدراسات حول سفر الأمثال في حلقات إذاعية. بُثّت من بعض الإذاعات المسيحية الموجّهة إلى العالم العربي. وسأحاول صياغةَ بعضٍ منها في سلسلة مقالات متتالية.

تأملنا في الحلقة الأولى بمقدمة سفر الأمثال. وسنبدأ اليوم بدراسة القسم الأول من سفر الأمثال والذي هو حكمة للشباب، ويتضمن ثلاثة عشر درساً للحكمة. يبدأ كل درس منها ما عدا الأخير، بكلمة يا ابني. وكأن الخطاب هنا موجّه من معلّم إلى تلميذه، أو من أب إلى أولاده.

يحتوي الدرس الأول من دروس الحكمة هذه على فقرتين هما: تجنّب أصدقاء السوء، وعدم المبالاة بنداء الحكمة.

 

أولاً: تجنّب أصدقاء السوء

كان المجتمع في فلسطين أيام الملك سليمان يعاني من التفكك الاجتماعي، والانحلال الخلقي، والابتعاد عن شريعة الله، وانتشار أعمال السلب المنظَّم بالعنف. وهو ما يشابه الكثير من مجتمعات اليوم. فجاء نداءُ سليمان الحكيم للشباب في سفر الأمثال، إذ قال:

"يَا ابْنِي، إِنْ تَمَلَّقَكَ الْخُطَاةُ فَلاَ تَرْضَ. إِنْ قَالُوا: «هَلُمَّ مَعَنَا لِنَكْمُنْ لِلدَّمِ. لِنَخْتَفِ لِلْبَرِيءِ بَاطِلاً. لِنَبْتَلِعْهُمْ أَحْيَاءً كَالْهَاوِيَةِ، وَصِحَاحًا كَالْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ، فَنَجِدَ كُلَّ قِنْيَةٍ فَاخِرَةٍ، نَمْلأَ بُيُوتَنَا غَنِيمَةً. تُلْقِي قُرْعَتَكَ وَسْطَنَا. يَكُونُ لَنَا جَمِيعًا كِيسٌ وَاحِدٌ». يَا ابْنِي، لاَ تَسْلُكْ فِي الطَّرِيقِ مَعَهُمْ. اِمْنَعْ رِجْلَكَ عَنْ مَسَالِكِهِمْ. لأَنَّ أَرْجُلَهُمْ تَجْرِي إِلَى الشَّرِّ وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. لأَنَّهُ بَاطِلاً تُنْصَبُ الشَّبَكَةُ فِي عَيْنَيْ كُلِّ ذِي جَنَاحٍ. أَمَّا هُمْ فَيَكْمُنُونَ لِدَمِ أَنْفُسِهِمْ. يَخْتَفُونَ لأَنْفُسِهِمْ. هكَذَا طُرُقُ كُلِّ مُولَعٍ بِكَسْبٍ. يَأْخُذُ نَفْسَ مُقْتَنِيهِ" (أمثال10:1-19).

يقول المثل العربي: "قل لي من تعاشر فأقول لك من أنت". وهذا ما بدا واضحًا من نصائح أو تحذيرات سليمان الحكيم إلى الأحداث، وكأنه يتكلم إلى الأحداث في مجتمعات اليوم. فهو يحذّرهم من تملُّق أصدقاء السوء لهم، ومحاولة إغرائهم.

أليس هذا ما يحصل بالنسبة لشباب اليوم؟ فكم من شاب كان لأصدقاء السوء الأثر السلبي الكبير على حياته، فانجرف في طريق الشر والفساد. ولو اقتصر الأمر على هذا الحد لهان الأمر، لكننا مع الأسف نجد انخراط شباب اليوم في عصابات الإجرام، وهو ما حذّر منه سليمان الحكيم.

بدأ سليمان الحكيم بتحذير الشاب من تملّق أصدقاء السوء له، ودعاه لكي يرفض تملقهم. وكشف له أسلوب إغرائهم له وهو تشجيعه القيام بالاعتداء على الناس الأبرياء، طمعًا بالثروة والربح الوفير، وبادعائهم أن هذه الثروة الجزيلة ستُقسّم بالتساوي بينهم.

ثم دعا سليمان الحكيم الشاب لكي لا يسلك في الطريق معهم، ويبعد رجليه عن مسالكهم. والسبب لأنَّ أرجلهم تجري نحو الشر، وتُسرع إلى سفك الدم. والحقيقة هي أن أصدقاء السوء هؤلاء يكونون كالذين يكمنون لنهاية أنفسهم. لأن نتائج الشر والجريمة معروفة. إن نهاية المجرمين الأشرار لا بد أن تكون وبالاً عليهم، فهم إما أن ينتهوا في قضاء معظم حياتهم بالسجون، أو بخسارة حياتهم. فهل هذا هو ما يريده الشاب؟ وهل هذا هو المستقبل الذي يخطط له؟ قد تكون إغراءات الشر في البداية كثيرة، لكن نتائجها وخيمة. فهل تراه يتعظ؟

فإذا كنت يا قارئي شابًا أو شابة، نرجوك الابتعاد قدر الإمكان عن أصدقاء السوء، والارتباط بأصدقاء صالحين. وهذا بدوره يضع مسؤولية كبيرة على الأهل والمربّين، لكي يعرفوا من يصادق أولادهم، ومع من يقضون معظم أوقاتهم. وليس هذا فحسب، بل ليحذّروهم من مرافقة أولاد السوء، ويشجعوهم لكي يصادقوا ذوي الأخلاق الجيدة.

 

ثانيًا: عدم المبالاة بنداء الحكمة

هل تعلم قارئي أنَّ سِمةَ العصر الذي نعيش فيه هي عدم المبالاة؟ فعندما يوجّه إنسان ما، رسالة أخلاقية إلى الناس الآخرين، نادرًا ما يجد تجاوبًا منهم. والسبب غالبًا ما يكون هو عدم المبالاة.

كتب سليمان الحكيم قائلاً: "اَلْحِكْمَةُ تُنَادِي فِي الْخَارِجِ. فِي الشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا. تَدْعُو فِي رُؤُوسِ الأَسْوَاقِ، فِي مَدَاخِلِ الأَبْوَابِ. فِي الْمَدِينَةِ تُبْدِي كَلاَمَهَا. قَائِلَةً: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا الْجُهَّالُ تُحِبُّونَ الْجَهْلَ، وَالْمُسْتَهْزِئُونَ يُسَرُّونَ بِالاسْتِهْزَاءِ، وَالْحَمْقَى يُبْغِضُونَ الْعِلْمَ؟ اِرْجِعُوا عِنْدَ تَوْبِيخِي. هأَنَذَا أُفِيضُ لَكُمْ رُوحِي. أُعَلِّمُكُمْ كَلِمَاتِي»".

لقد قسّم سليمان الحكيم البشر في موقفهم الرافض هذا إلى ثلاثة أنواع وهم: الجهّال، المستهزئون، والحمقى. فالجهّال هم الذين كما ذكرنا سابقًًا يتشبّثون بأفكارهم، ولا يريدون الاستماع لأي شيء جديد، ولهذا قال عنهم سليمان الحكيم إنهم يحبّون الجهل. والمستهزئون هم الناس الذين يسخرون من نداء الحكمة أو بشارة الخلاص المعروضة أمامهم. فهي بالنسبة لهم ليست أمرًا يمس حياتهم أو يؤثر على مستقبلها، ولهذا يسرُّون بالاستهزاء. أما الحمقى فهم الناس الذين يبغضون العلم، أو رسالة الخلاص، ولا يريدون البحث فيها.

لهذا دعت الحكمة هؤلاء الناس جميعًا، لكي يرجعوا أي يتوبوا، حتى يفيض الله عليهم بروحه ويعلّمهم كلماته. لكن هل استجاب هؤلاء الناس لهذه الدعوة الصادقة؟ يبدو من الأعداد التالية أنهم استمروا في عنادهم، فحذّرهم الحكيم من النتائج الوخيمة التي ستقع عليهم.

"لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ. حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي. لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ. لَمْ يَرْضَوْا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ تَوْبِيخِي. فَلِذلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ، وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ" (أمثال24:1-33).

لقد حذّرت هذه الآيات في سفر الأمثال الإنسان من النهاية الوخيمة، لرفض نداء الحكمة وعدم التوبة عن طرق الشر. وكشفت في نفس الوقت عن رد فعل الله عند وقوع الكارثة على هؤلاء الأشرار. فأوضحت أن الله لن يأتي لنجدتهم، بل على العكس سيستهزئ بهم، ويشمت بمصيبتهم.

إن رسالة الحكمة في العهد الجديد أي بعد مجيء المخلص يسوع المسيح، هي بشارة الخلاص المفرحة بإن المخلص المسيح قد أتى، وتمَّم عمل الفداء بموته الكفاري على الصليب. وهو يحرر كل من يؤمن به، من عبودية الخطية وإبليس، ويهبه الحياة الروحية الجديدة، والخلود.

لكن ما هو موقف غالبية الناس تجاه بشارة الإنجيل المفرحة؟ إنه مع الأسف، نفس الموقف الذي اتخذه معظم الناس تجاه نداء الحكمة في أيام سليمان الحكيم. أي موقف عدم المبالاة، وعدم الاكتراث برسالة الخلاص هذه، وعدم الرغبة بالإصغاء. بينما الذي يقبل بشارة الخلاص، ويتوب عن خطاياه، ينتقل من الموت إلى الحياة، وتُغفر خطاياه، ولا يأتي إلى دينونة. وهو ما كشفه أيضًا ذلك المقطع في سفر الأمثال، إذ ختم بهذه الآية الجميلة: "أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ". حتى في العهد القديم، كانت بركة الله تأتي على الإنسان عندما يتوب، وهكذا يسكن آمنًا، وينجو من عواقب الخطية.

فما هو رد فعلك قارئي العزيز إزاء بشارة الخلاص المفرحة المقدمة لك اليوم؟ ومن أي فئة من الناس أنت؟ أرجو أن تأتي إلى الله تائبًا ومؤمنًا بالمخلص المسيح، وعندها ستنال الغفران عن خطاياك وتصبح من أولاد الله، وليس هذا فحسب بل ستتمتع بالسلام القلبي الأكيد

المجموعة: 201103

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

148 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10576458