Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان April 2011

يحتوي العهد الجديد على أربع شهادات أو بشائر لأربعة رجال قدِّيسين تحدَّثوا عن سيرة حياة المسيح من لحظة ميلاده مرورًا بمعجزاته وخطاباته وتعاليمه ولقاءاته بالناس إلى أن خُتِمت بحدث الصلب والقيامة وصعوده إلى السماء متمِّمًا ما جاء من أجله!

 

هذه الشهادات أو البشائر الأربعة هي متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا. وهي أجزاء من الإنجيل الكامل المسمّى بالعهد الجديد. فالبشائر الأربعة تقدِّم ما يكفي لإيضاح حقيقة من هو المسيح ولماذا جاء، وإلى أين انتهى به المطاف، وما هي الرسالة التي جاء لينجزها.

نتحدث هنا عن مشهدٍ جرى بينما كان المسيح معلقًا على خشبة الصليب ينزف دمًا، والأناجيل الأربعة شاركت في تصوير المشهد من جوانب متعددة، فأشارت إلى عباراتٍ سبع نطق بها المسيح وهو على الصليب سنتوقَّف عند اثنتين منها.

العبارة الأولى: "يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"

هذه العبارة قالها المسيح طالبًا الغفران لصالبيه وهو في شدة الألم. المسامير في يديه ورجليه وإكليل من الشوك مغروس في رأسه، وجبينه ينزف دمًا، وجموع من اليهود حوله يَتَشفَّون ويسخرون به، وآخرون يَتحدّونه قائلين: إن كنت أنت المسيح ابن العلي انزل عن الصليب لنؤمن بك. وكان المسيح أثناء كل هذا يجول بعينيه، يرى ويسمع كل ما يجري حوله وهو في صمت، ولما حان الوقت ليقول كلمة، أو ينطق بشيء، وإذا بها صلاة، حيث قال: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا ٣٤:23). إنها صلاة رغم شدة المعاناة. وهي صلاة لا لأجل نفسه بل لأجل مُعذِّبيه.

ولكي يبرِّر المسيح صلاته لصالح صالبيه، أوجد لهم العذر فقال: "لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". فهم لم يُدركوا هوية من يصلبون! ولم يعلموا أنهم يطلبون الموت لمن جاء لهم بالحياة والغفران.

هذا الموقف الأخلاقي من المسيح المصلوب يدفعنا للتأمل! أليس هو من نادى وعلَّم بين أتباعه فقال: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسِنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطرودنكم!" (متى ٥:44)؟ هل طبّق المسيح على نفسه ما نادى به وعلَّم؟! أم أن المسيح استثنى نفسه بحجة ما يقال بأن زعيم الأمة يحقّ له ما لا يحقّ لغيره؟! في هذا الامتحان يسقط الكثيرون من العظماء، ويبقى المسيح دونهم مميَّزًا لا يشابهه أحد!

وعادًة ما تكون الكلمات الأخيرة للإنسان التي ينطق بها وهو يعاني سكرات الموت مهِمّة جدًا، لأنه وهو يصارع الموت لا مجال للنفاق أو المجاملة، فتأتي الكلمات لتعبّر عن حقيقة ما في نفسه. ونحن في هذا المشهد لا نرى في المسيح إلا ما عرفناه عنه:

عرفناه محبًا، متسامحًا، غفورًا، لا يعادي، لا يحقد، لا يطلب النقمة لمن عاداه حتى وهو هنا في قلب الألم الذي سبّبه له الآخرون.

يغمرنا الاعتزاز بالانتماء لمسيحٍ تجلَّت فيه هذه الصفات. والكتاب المقدس محقّ وهو يصفه بالطهر المطلق والقدسية المطلقة وكمال الإنسانية التي لا مثيل لها.

ونقولها صراحةً: لا شيء في المسيح ما نخجل به، ولا شيء فيه، يحمِّلنا وزر الدفاع عن طهره وقدسيّته وخُلقه وتصرفاته!

ونأتي الآن إلى العبارة الثانية: "اليوم تكون معي في الفردوس"

وهذه قالها لأحد اللصين المصلوبين معه. وقصة هذا اللص أنه كان مجرمًا استحق مع زميله الآخر حكم العدالة. والإنجيل يخبرنا بأن هذا في البداية شارك زميله بالسخرية من المسيح المصلوب بينهما، لكنه ندم أخيرًا ووبّخ زميله على ذلك. والسر في تراجعه أنه لاحظ ملامح ربوبية المسيح في ردود فعله مقابل صالبيه، فهو صلّى لأجلهم وطلب أن لا تسجَّل عليهم هذه الخطية. وعندما أدرك هذا الرجل حقيقة المسيح قال متوسّلاً: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لوقا 42:23). فكانت منه صلاة، وصلاة قصيرة، لكنها مكثَّفة حوت الكثير من العمق في ما ترمي إليه؛ فهو اعترف بربوبية المسيح، وأقر أن للمسيح ملكوتًا سماويًا يملك عليه. ثم عبّر عن ثقته بحتميّةِ عودة المسيح إلى الحياة بعد الموت، فرجاه أن يذكره برحمته آنذاك! فكان ردّ المسيح له: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس"، والفردوس هو الجّنة السماوية.

ولنا هنا الملاحظات التالية:

أولاً: إيمان هذا اللص كان إيمانًا فجائيًا، فالمشهد أمامه كان قصيرًا، وهو من خلال ما سمعه وشاهده، لاحظ ملامح الحقيقة، فانتهز فرصتها ولم يهملها، فكان أن تفجرت ينابيع الرحمة عليه ومنحته تأشيرة الدخول للجنَّة السماوية بدون إبطاء، فقال المسيح له: "اليوم تكون معي في الفردوس.

ثانيًا: لم يحضر هذا اللص كنيسة، ولم يسمع عظة، ولم يقدّم قرابين ولم يطعم جياعًا، بل عاش حتى اللحظة التي سبقت توبته كلصٍّ سالبٍ لحقوق الغير، واستحق القصاص.

ثالثًا: لم يعتمد هذا اللص بالماء، وهذا استثناء بسبب ظروف الحال، فالمعمودية مع أنها لازمة لكنها لا تخّلص. ما يخلِّص هو الإيمان بالمسيح والتوبة من قلب صادق. وهذا ما فعله، فاستحق الغفران وأخذ الوعد من رب الفردوس لدخول الفردوس في اليوم ذاته، فكان هو أول من استفاد من فداء المسيح بينما كان المسيح ما زال ينزف دمًا لفداء الخطاة. وبعد دقائق معدودات مات اللص، ومات المسيح، وتحقَّق الوعد ونال الحياة الأبدية، رغم أنه لم يقدّم شيئًا لخلاص نفسه سوى أنه ندم واسترحم طالبًا الغفران بكلمات موجزة، لكنها معبّرة، فنال ما طلب ودخل الفردوس حيث لا حزن، ولا دموع، ولا آلام في صحبة المسيح في فردوس الله. وهذا غاية ما جاء المسيح لأجله، إذ جاء ليخلص الخطاة، وكان ثمن خلاصهم دم الصليب!

المجموعة: 201104

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

119 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10557730