تتنوّع الدساتير بحسب المصادر المستقاة منها كالعرف، والشرائع الدينية، والمنحى الفلسفي، والنضج الثقافي، والاتجاه السياسي؛ وأسلوب الحكم سواء كان ديمقراطيًا، أو جمهوريًا، أو ديكاتوريًا جامدًا أو مرنًا. والدستور يبين أهداف الدولة، ويرسم إطارها النظامي الهرمي، والشكل الاجتماعي، والوضع الإقتصادي والثقل الدولي.

أولاً: المواد الأولية
بدأ القانون في فكر الله منذ جنة عدن في صورة وصية واحدة، ثم تطوّر إلى شرائع متواترة أو مكتوبة. ويعتبر دستور أثينا اليونانية من أقدم النظم السياسية التي أقرت الحريات واعترفت بمساهمة الإنسان في الحياة السياسية بفضل حرية الفكر الفلسفي والتعبير. وقد ظهر تأثير هذه النهضة على اتجاهات الدول الأوربية. وكلمة "دستور" هي لفظة فارسية ترجمها البعض بكلمة "أساس" لتعبر عن دلالة القواعد الدستورية وفاعليتها، لكن أول دستور مدوّن هو دستور الولايات المتحدة الأمريكية 1787 وتم إقراره بعد سنتين. وتلاه الدستور الفرنسي 1791. أما الدستور الإنجليزي فقد تدرّج من وثائق وأعراف مثل قانون العهد الأعظم وميثاقي الحقوق، وقانون البرلمان، وأخيرًا قانون 1958 الذي سمح بدخول المرأة البريطانية الى مجلس اللوردات إلى أن وصل إلى صيغته الحالية. ويعدّ الدستور الإيطالي 1848 دستورًا لا يفرّق بين قوة مواده والقوانين العادية من الناحية الشكلية. وقد سمح دستور فرنسا عام 1814 للسلطة التنفيذية بوضع لوائح الضبط التي هي أصلاً من اختصاص البرلمان. واتجهت شعوب العالم نحو الديمقراطية بكل أشكالها في الوقت الحاضر نتيجة لوقوع الثورات ضد الديكتاتورية والتعسف وسوء استخدام السلطة أو كإجراءات نحو الاتحاد الفيدرالي ووضع شروط تعديل الدستور حتى يتاح للشعب الحق في انتخاب ممثليه.

إن الدستور في سيره كالنهر الذي يتسع تارة ويضيق طورًا، وذلك بالنسبة لنوع طبقات الأرض التي يجتازها النهر ويمر فيها، لكن فوائده متعددة حسب حاجات كل المواطنين. قال فيثاغورس: "إنه لو أراد الله أن يجعل نفسه منظورًا للناس، لكان اختار النور لجسده والحق لروحه". وهذا ما تم في "الإله المتجسّد". لذلك في دستور الكتاب المقدس رسم الله، وفي المسيح الله نفسه "الكلمة".

ثانيًا: النظم السياسية
والدستور هو عقد يحدد بنود ونظم ممارسة الحكم وواجبات الحكام، ويبين مدى ثقافة الشعب وعلاقة الحاكم بالمحكومين، وتشكيل المنظمات والأحزاب، والقضاء، والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. إنه القانون الأعلى لضمان الحقوق والواجبات والحريات والحصانات، والقاعدة التي تُبنى عليها الأنظمة والهيئات والسلطات والمبادئ التي تعمل الدولة بمقتضاها. وهنا يلزم أن يتنازل الأفراد والحكام عن جزء من حرياتهم وحقوقهم لصالح المجتمع والعمل على استرداد الحقوق المسلوبة وتحقيق الرقابة الشعبية على الدساتير.

كان أحد المصوّرين يلتقط صورة لفتاة عمياء وأصبعها يتحسس كتابها البارز. وفي تلك اللحظة حركت إصبعها، فغضب المصور وسألها عن السبب، فأجابته: في تلك اللحظة وقع إصبعي على كلمة يسوع، فتابعت القراءة لأعرف ماذا فعل، لأني واثقة أنه حيث يوجد يسوع فلا بد من خير يفعله.

قالت العذراء المطوبة مريم: "أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لوقا 53:1).

انشغل مايكل أنجلو الشهير بإتقان تماثيله. وإذ كان مرة منصبًا في عمل ملاك، مر به رجل ورآه يعمل بكل جد. ورجع بعد مدة فرأى أنه لم ينهِ العمل في تمثاله، فسأله عن السبب، فأجابه: لقد انشغلت في تقليل حجمه وإصلاح هذا الشريان وتحسين ذقنه وتجميل هيئة الوجه. قال له الصديق: ما هذه إلا أمور جزئية، فأوضح له إن ملاحظة الجزئيات هي التي تساعدني في إتقان عملي.

ويرى البعض أن للدستور أربعة مجالات تستمد من: المدلول اللغوي الذي يشير الى القواعد التنظيمية، والتاريخي الذي يتجه نحو الديمقراطية، والشكلي الذي يركز على أمور الحكم والقوانين العادية واللوائح والقرارات الإدارية، وأخيرًا الموضوعي الذي يشدد على نظم الحكم ومدى تطبيقه وأهدافه وطموحاته.

قال جونيه الفيلسوف الألماني: "أجد في نفسي طبيعتين تتصارعان". وقال الفيلسوف الإنجليزي وليم جونس: "هذه الحياة منقسمة ولا يمكن أن تتحد ما لم يؤسس إتحادها على الحقائق الدينية. نعم! إن الحياة قصة صراع هائل في قلوب البشر، صراع للرغبة في السمو وآخر رغبة في الشر "فاختر الحياة لكي تحيا".

ثالثًا: المصادر الأخلاقية
هناك مصادر عدة للقواعد الدستورية، لكنها تشترك في ضرورة تصحيح الخلل الدستوري من حين الى آخر لتأكيد العيش المشترك، وتحقيق مصالح الأفراد وسيادة إرادة الشعب، وقيام الدولة بوظيفتها وتحقيق العدالة، والمحافظة على السلامة الداخلية والخارجية، وحفظ السلام وفض المنازعات ومراعاة أمن الأقليات والحد من التطرف، وتأمين مرافق الدولة والملكيات الخاصة.

لاحظ الشاعر هوراس كيف أفسدت روح الرفاهية والطراوة الإمبراطورية، فأدت بها الى الانحلال، فكتب: "إذا لم يعوِّد الإنسان نفسه على الحرمان، حرمه الله من رعايته".

لكن ما هي العلاقة الصحيحة بين القانون والشرائع السماوية؟ إن الدساتير هي مرجعية الجميع، وحتى العائلة يحكمها دستور في صورة عقد وسلوكيات اجتماعية يتفق عليها الجميع وطرفي العقد. والمهم هو أن الدين يزود الأمم بالأخلاق من عدل وحق وجمال وخير،

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت           فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وقد علمنا التاريخ أن "البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية".

فما هو الدين؟

قال دكتور و هـ كلارك: إن الدين هو الانسجام مع الأعلى. وفي كلمة أخرى، الدين هو التوافق مع الله، والتفكير القويم، والشعور السوي السليم.

وما هي الديمقراطية؟ إنها تعدد الآراء وقبول الرأي الآخر بعد فحص وتمحيص. إنها تتضمن حق كل شخص في إبداء الرأي. ولكن هناك آراء هدّامة يجب الاحتراس منها.

والدين الصحيح يحضّ على مراعاة الضمير، فالضمير هو صوت أعلى من صوت القانون لذلك ترك للقاضي حقّ إبداء ما يملي عليه ضميره في القضايا المعقدة.

إن البعض يتخذون طريق الزواج المدني بدلاً من الارتباط والتزوج عن طريق الكنيسة، وهو عبارة عن اتفاق بين ذكر وأنثى قد وصلا الى السن القانوني للزواج. إن هذا ما هو إلا تجاهل لأصل الزواج عندما خلق الله حواء لآدم وربطهما معًا، فكان الله هو المقيم لأول زواج مقدس في تاريخ البشر.

قال الله: "شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماء" (إرميا 13:2). نعم! عملوا شرين: شر ترك ماء الحياة المضمون، والشر الثاني شر مركّب: تعب الحفائر والتراب الثائر والماء الفائر. يا لها من رعونة!

قال كونفوشيوس: أنا لا أبالي بمن يضع للناس قوانينهم، ولكني أبالي ألف مرة بمن يضع لهم أغانيهم.

في سنة 1984 كتبت ترنيمة أبهجت قلبي وأثلجت صدري ومنها:

في الإيمان أحيا
في المسيح أفنى
في الطريق أرضى
لأوجد فيه

الوراء أنسى
للأمام أسعى
للكمال أرقى
لأوجد فيه

للصليب أدنو
للخلاص أدعو
للسماء أرنو
لأوجد فيه
 

إنه نموذج نفسي، وقانون حياتي. فهل تعرفه؟

• السابق