Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول October 2011

Admaهؤلاء هم الثلاثة... يدورون حولي، ويسلطون الأضواء على ذاتي، ويتمحورون في دائرة شخصي. فمن سواي الذكي والموهوب والمبدع؟ ومن مثلي مثير للإعجاب؟ ومن هو غيري آية في الجمال والكمال؟!

هؤلاء هم الثلاثة... يدورون حولي، ويسلطون الأضواء على ذاتي، ويتمحورون في دائرة شخصي. فمن سواي الذكي والموهوب والمبدع؟ ومن مثلي مثير للإعجاب؟ ومن هو غيري آية في الجمال والكمال؟! أعشق الإطراء والمديح والكلمات المعسولة، ويهمّني كثيرًا كيف أبدو في عيون الآخرين، وكيف يراني الناس، وأنا متألّقٌ بمظهري وأناقتي. وأكره النقد وأحنق على الناقد، ولا أريد أن أسمع البتة كلمات القدح والذم، بل إنه لم يوجد بعد ذاك الذي يريد أن يهجوَني أو حتى أن يوجه إصبع الاتهام إليَّ. لكن وعلى الرغم من ذلك كله فإن ما يستفزُّني في العمق أيََّما استفزاز هو التجاهلُ من قبل الآخرين . أستنبط من كل هذا الوصف الجمالي للذات والأنا والنفس بأن هذا الشخص يظنّنَّ بنفسه بأنَّه الشمس بعينها في مجموعته الشمسية والكواكب كلُّها تدور من حوله. ولا مكانَ لنجم آخر غيرُ الشمس طبعًا لأنها المحور الأساس. نعم، هكذا يفكر البعض بأناهُم وأنفسهم وذواتهم، ويُفرطون في تقديرها، وينسون الناس من حولهم لأنهم يدورون في فلَكِ الذات. وسرعان ما يتصلّفون، ويرتفعون، ويتعجرفون، ويتعظّمون، ويسمحون لأنفسهم بأن ينظروا نظراتٍ دونيةً إلى حد السخرية ممَّن حولهم والاستهزاء بالآخرين، فيبتعد عنهم الناس، ويهرب من دربهم الأصحاب، ويبدأ بتجاهُلهم حتى الأحبابُ والأقرباء. ولا يستفيقون إلاَّ وهم قد أضحوا وحيدين يعيشون في دوَّامة جديدة هي دوامة الرثاء على النفس والذات من جديد! أجل، فهؤلاء يا قارئي هم الأنانيون الذين إذا ما أفرطوا في أنانيتهم انحرفوا إلى "النرجسية". والنرجسية تعني حب النفس، وهذه الكلمة نسبة إلى الأسطورة اليونانية التي ورد فيها أن نرسيس أو نرجس لم يكتفِ بالحملقة بجماله المنعكس في مرآة الماء، بل إنه أراد أن يتلمَّس هذا الجمال الذي اعتقد أنه حقيقة وليس خيالاً، فنزل إلى الماء فغرق ومات. بهذا تفصح الأسطورة اليونانية عن حب النفس الذي يقود إلى الهلاك. ـ عن الانترنيت لهذا حذر الباحثون في دراساتهم من الإفراط في تقدير النفس ونصحوا بأن يدعَ الإنسانُ الآخرين يفعلون ذلك. فقال خبراء: "تقدير الذات ركن أساسي من أركان الحفاظ على الصحة العقلية." ولكن السؤال هو: لماذا كلَّما سعينا جاهدين وراء هذا الشعور كي ننظر لأنفسنا بعين الرضى، أصبح الأمر أبعد؟ أظهرت مجموعة من الدراسات التي نُشرت سابقًا "أنَّ "هوس التقدير الذاتي" عندما يتمّلك شخصًا يرتد عليه بطريقة سلبية، إذ يصبح صاحب هذا الهوس شخصًا أنانيًا يشعر بأنه محور الكون الأمر الذي يتحوَّل بشكلٍ أو بآخر إلى خلل في الصحة العقلية لديه." وإن أهم ما قدمته الدراسة التي وردت في إحدى الصحف العربية (العرب - 8 حزيران) والتي أجرتها مؤخرًا مجموعة من الباحثين في علم النفس من جامعة ميشيغن الأمريكية، هو أن أفضل وسيلة لتعزيز الثقة بالنفس هي تجاهلُها بالتمام والتفكير بالآخرين. وأرجعت Jennifer Crocker - وهي الباحثة المسؤولة عن هذه الدراسة - الاهتمام بهذا الموضوع إلى أنَّ "تدني تقدير الذات مرتبط بالاضطرابات والمشكلات الفردية والمجتمعية" مما يثير القلق من أن يؤدي ضعف الرضى عن النفس إلى سلوكيات عديدة غير مرغوبة. ولأن العلاقات الاجتماعية التي تربطنا بالآخرين تلعب دورًا مهما في تحديد ما نشعر به حيال أنفسنا، فقد عمل فريق البحث على رصد أكثر من مئة وتسع عشرة علاقة تجمع بين طلاب جامعيين في سنتهم الأولى ويتشاركون السكن، علمًا بأنَّهم من الجنس ذاته. وقد طلب من كل مشارك أن يسجّل على مدى عشرة أسابيع أهدافًا تتعلَّق برفيقه في السكن. وجاءت الإجابات ضمن محورين: الأول، تناول اهتمام مَنْ صُنِّفوا ضمنه بتحسين صورتهم الذاتية بهدف كسب التقدير. والثاني، ضمَّ مَنْ حرصوا جاهدين على إرضاء رفيق سكنهم وتقديم المساعدة له. وقد خلُصت الدراسة إلى أنَّ أنواع الأهداف التي نضعها نُصبَ أعيننا تتحكَّم بمستوى تقديرنا لذاتنا. وأنَّ العطاء واللطف هما تصرّفان مُعْديان ولا يمكن أن يقابَلا سوى بمثلهما. وبالتالي عندما يصبح المرء في موقع مَن يُعطَى بعدما يكون قد أَعطى، ويعامَلُ بلطف في مقابل لطفه، يرتفع تلقائيًا تقديرُه لذاته. نعم، إنها وبكل بساطة حلقةٌ متصلة كما تقول Jennifer. إذن لا الإفراطُ في تقدير النفس، ولا التدنِّي في فعل ذلك مفيد. بل التوازن هو المطلوب. ولقد علَّمنا الرب يسوع المسيح - الذي هو المثال الأول في البذل والعطاء- كيف نُنكر ذواتنا في سبيل أن نربحها. فقال يومًا لتلاميذه بعد أن مهَّد لهم بأنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وبعد أن انتهره بطرس بقوله: حاشاك يارب لا يكون لك هذا، علمهم قائلاً: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن من أراد أن يخلِّص نفسه يُهلكها ومن يُهلك نفسه من أجلي يجدها" (متى 16 :24-25). فعندما يُنكر الإنسان منا نفسه، يُنكر معها ذاته وأناهُ. فيفقد مع هذا النكران التركيزَ عليها وعلى قُدراته ومواهبه، وتتسع بالتالي دائرة اهتمامه لتشمل ما هو أسمى وأعظم وأبلغ وأكثر قيمة. والمقصود هو نكران متطلبات النفس والذات والأنا، من الرفعة والاهتمام ولفت الانتباه وإلى ما هنالك. وهذا النكران يَنتج عنه ربح كبير. لأن الإنسان عندئذ يتطلَّع إلى ما هو أبعد وأعمق في حياته، إلى هدف يصل فيه إلى تحقيق ذاته من خلال ذلك النكران. لهذا يقول الرب يسوع: "من أراد أن يخلص نفسه يهلكها (أي يتخلى عن متطلباتها) ومن يهلكها من أجلي يجدها (أي من يتخلى عما تبغيه نفسه في هذا العالم)" من أجل الفادي المسيح الذي وهب كل شيء من أجله، فإنه سيجد نفسه لأن ثمن هذه النفس هو دم يسوع المسيح المسفوك على الصليب. وهذا بالضبط ما عناه الرب يسوع حين تراءى لبطرس والتلاميذ عند بحر طبرية بعد أن قام من بين الأموات. قال لبطرس: لما كنتَ أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك ويحملك حيث لا تشاء. بالطبع، هنا أشار الرب يسوع إلى "الميتة التي كان مزمعًا أن يمجِّد الله بها". لم تعد ذاته ذاتَ أهمية، لأنه أنكر نفسه، وتخلى عن "أناه"، وأخضع كل شيء لفاديه ومخلصه حتى إلى الموت. يتبين لنا ذلك من خلال تصريحه الذي سبق ذلك إذ قال: "يا رب أنت تعلم كل شيء. أنت تعرف أني أحبك" (يوحنا 17:21). علينا أن نخسر لكي نربح... علينا أن نبذل لكي ننال... علينا أن نقدّم ذاتنا لكي نجدها... علينا أن نُنكر لكي نُعرَف.... هذا هو المطلوب من كل إنسان يبغي أن يعرف معنى حياته وقيمتها الثمينة. وقدم الرب يسوع مثالاً أيضًا عن فريسي معتدّ بذاته متمسك ببره الذاتي، ومعلم للناموس والشرائع، الذي أحاط نفسه بهالة القداسة من صنع الذات أيضًا. هذا أتى إلى الهيكل يومًا ليصلي فقال: أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع وأعشر كل ما أقتنيه... وعن العشار - الذي كان يجمع الضرائب من شعبه ليعطيها للرومان، وفوق ذلك يأخذ منهم أضعاف ما يجب - قَدِم هذا إلى الهيكل ووقف بجانب ذلك الفريسي وصلّى إلى الله دون أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلاً: "اللهم ارحمني أنا الخاطئ". عندها علَّق الرب يسوع المسيح على كليهما بقوله: أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك. لأن كل من يرفع نفسه يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع (لوقا 14:18). نعم يا قارئي، إن كل من يتخلى عن أنانيته، وعجرفته، وبرِّه، وذاته، وينكر نفسه، يرفعه الله ويمنحه حياة جديدة لها مقاييسُ تختلف عن مقاييس البشر. فكل ما كان ربحًا في عُرف الناس، "يُحسب خسارة من أجل معرفة المسيح يسوع" كما هتف الرسول بولس فيما بعد. لهذا فإننا كبشر لا ندرك كُنهَ هذا النكران للذات، وكيفية حدوثه والتخلّي عن الأنا، ما لم نستسلم لعمل روح الله في حياتنا ودواخلنا وقلوبنا وكياننا كلِّه. لقد عرف الرب يسوع حاجةَ الإنسان من الداخل، لهذا وضع إصبعه على الجرح وقال: إن أراد أحد أن يأتي إلي فلينكر نفسه... لا ينتهي هذا الدرس هنا، أي حين نصغي لصوت روح الله القدوس ونتجاوب مع دعوته فنربح الحياة الجديدة ونحصل على الخلاص الأكيد فحسب، بل يستمر معنا طيلةَ حياتنا لأننا سنظلُّ في صراعٍ مع الذات في بيوتنا، وعلاقاتنا، وفي كنائسنا وحتى في خدَماتنا. وحذارِ من كلمة "أنا" ومواهبي وخدمتي وميولي ومشاعري. وكفانا أنينٌ على "أنانا"! فهل ترانا نعي هذه الحقيقة، ولا نقع في حبائل الذات، والنرجسية، مثلما وقع "نرسيسُ أو نرجس" يومًا فغَرق لأنه أُخذ بجماله الفتَّان؟! حتى ولو كانت أسطورةً فإنَّ فيها من العِبَر الكثير.

المجموعة: تشرين الأول October 2011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

246 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476458