تشرين الأول October 2011
أمر الله موسى قديمًا أن يصنع خيمة للاجتماع لتكون بمثابة رمز للمكان الذي يسكن فيه الرب وسط شعبه، حيث يقترب شعبه إليه، فيقدمون ذبائحهم وتوبتهم عن خطاياهم ويطلبون العفو والغفران والبركة لحياتهم.
أمر الله موسى قديمًا أن يصنع خيمة للاجتماع لتكون بمثابة رمز للمكان الذي يسكن فيه الرب وسط شعبه، حيث يقترب شعبه إليه، فيقدمون ذبائحهم وتوبتهم عن خطاياهم ويطلبون العفو والغفران والبركة لحياتهم. إنها تشير إلى محضر الله، وكان الحجاب جزءًا أساسيًا في تكوين هذه الخيمة. ولكن قبل أن نتعرض للكلام عن هذا الحجاب دعني أولاً عزيزي القارئ أشرح لك وصفًا بسيطًا لخيمة الاجتماع : خيمة الاجتماع تنقسم خيمة الاجتماع إلى ثلاثة أقسام رئيسية: 1- الدار الخارجية وفيها مذبح النحاس لتقديم الذبائح المرحضة ليغتسل بها الكهنة قبل الدخول إلى القدس 2- القدس وفيه مائدة خبز الوجوه المنارة الذهبية مذبح البخور 3- قدس الأقداس وفيه تابوت العهد فقط وفيه قسط من ذهب فيه المنّ، وعصا هارون، ولوحا العهد وكان الحجاب يفصل بين القدس وقدس الأقداس. "وَتَجْعَلُ الْحِجَابَ تَحْتَ الأَشِظَّةِ. وَتُدْخِلُ إِلَى هُنَاكَ دَاخِلَ الْحِجَابِ تَابُوتَ الشَّهَادَةِ، فَيَفْصِلُ لَكُمُ الْحِجَابُ بَيْنَ الْقُدْسِ وَقُدْسِ الأَقْدَاسِ" (خروج 33:26). وقد أعطى الرب نبيَّه موسى كل الوصف الدقيق لصنع هذا الحجاب. فنقرأ في سفر الخروج: "وَصَنَعَ الْحِجَابَ مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق صَنَعَهُ بِكَرُوبِيمَ. وَصَنَعَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَعْمِدَةٍ مِنْ سَنْطٍ، وَغَشَّاهَا بِذَهَبٍ. رُزَزُهَا مِنْ ذَهَبٍ. وَسَبَكَ لَهَا أَرْبَعَ قَوَاعِدَ مِنْ فِضَّةٍ" (خروج 35:36–36). وجدير بالذكر أن كل عنصر من هذه العناصر المكوِّنة للحجاب وهي سبعة عناصر - رقم 7 في الكتاب المقدس يشير دائمًا إلى الكمال - ترمز كل منها منفصلة إلى صفة معينة من صفات الرب يسوع المسيح، على أنها في النهاية تجتمع لتعطينا صورة مكتملة وواضحة عن كمالات الرب يسوع وصفاته الكريمة، وهي كما يلي: أسمانجوني: الأسمانجوني هو حجر كريم يشبه الياقوت. لونه أزرق سماوي ضارب إلى الحمرة، وهو يشير إلى المسيح الذي جاء من السماء بأنه سماويّ وليس أرضيًا. "وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (يوحنا 13:3). أرجوان: لونه يشمل البنفسجي والقرمزي أو الأحمر، وهو لبس الملوك قديمًا ويشير إلى المسيح الملك. "وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ" (لوقا 33:1). قرمز: وهو صبغ لونه أحمر قانٍٍ بلون الدم، ويشير إلى دم المسيح الذي افتدانا بدمه: "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ" (رومية 24:3-25). بوص مبروم: وهو الكتان الأبيض النقي، ويشير إلى قداسة المسيح وبره ونقائه. "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ" (1يوحنا 1:2). خشب السنط: إنه ثقيل وصلب جدًا، ويعيش أمدًا طويلاً. يصنعون من أغصانه الصمغ العربي والفحم الجيد، وكلها إشارات إلى السيد المسيح الذي كان صلبًا وتحمّل الكثير، وعمل لكي يلصقنا به، وبالآب لنصير كلّنا في واحد. "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا" (يوحنا 21:17). وعندما قدّم نفسه كذبيحة محرقة، أعطى رائحة ذبيحة طيبة ومقبولة لدى الآب. "... أَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً" (أفسس 2:5). ذهب: وهو إشارة إلى كونه رئيس كهنة "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ" (عبرانيين 26:7). قواعد الفضة: تشير إلى عمل الفداء لعدة أسباب، أجملها الآية التي توضح القيمة التي قدّر بها الشعب قيمة الرب وأجرته نظير عمله، بل إن رؤساء الكهنة أنفسهم تنبأوا عنه دون أن يدروا بأن الفضة هي ثمن دم. "فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ" (متى 6:27). عزيزي القارئ، قد تسألني: هل تريد بهذه الرموز البسيطة أن تربط بين المسيح والحجاب؟ في الحقيقة أنا لا أريد أن أربط فقط، بل أن أقول صراحة بأن جسد يسوع المسيح هو الحجاب عينه! نعم، أريد أن أقول ذلك، وفي الواقع لست أنا الذي أقول، بل كاتب الرسالة إلى العبرانيين. "فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ، لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ" (عبرانيين 19:10-22). هذا يعني أن الكتاب المقدس يطلب منا كمؤمنين أن نتقدم بقلب صادق في الإيمان إلى الأقداس حيث محضر الله، إذ لنا ثقة بالدخول إلى هناك. ثم يوّضح لنا الكتاب مصدر هذه الثقة حيث يقول أنها تأتينا عن طريق دم يسوع، والطريق الموجود والممهد حديثا لنا إلى الأقداس الذي خصّص لنا بواسطة الحجاب الذي هو جسد المسيح ! إذن، فالكتاب يقول صراحة أن الحجاب هو جسد يسوع، وهذا يجعلنا نقر بأن كل هذه الرموز تشير إلى شخص الرب. ولكن يبقى السؤال: هل هذا يعني أن جسد يسوع كان بمثابة حاجز يفصلنا عن الوجود في محضر الله؟ أقول بملء الثقة: نعم! لقد حمل يسوع المسيح في جسده كل خطايا العالم. ورغم أنه في ذاته قدوس - لم يفعل خطية ولم يعرف خطية ولم يكن فيه خطية - إلا أن الكتاب يقول: "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2كورنثوس 21:5). لذلك كان هذا الجسد فى نظر الله هو الجسد المستوجب الحكم بالموت، وبزوال هذا الجسد يزول الحجاب الذي يفصلنا عن الأقداس. لذلك عندما مات المسيح على الصليب، وفي ذات اللحظة التي أَسلم فيها روحه، في تلك اللحظة بالذات انشقّ حجاب الهيكل من أعلى إلى أسفل معلنا زوال هذا الحاجز الذي كان يفصلنا عن الأقداس. "فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ" (متى 50:21-51). فالرب يسوع، وهو الإله المتجسّد، الذي بموته على الصليب قدّم نفسه ذبيحة كفارية لأجلنا - ولكونه غير محدود - صارت تلك الذبيحة قادرة أن تغطّي وتكفّر عن خطايا كل العالم شرط أن يقبلها الإنسان بالإيمان. لقد أتمّ الله عدله في المسيح الذي أخذ صورة عبد، وقدم فداءه اللامحدود بموته على الصليب من أجل الانسان الذي تعدّى عليه. إذن نستطيع القول استشهادًا بكل ما سبق أن يسوع المسيح بجسده وحياته على الأرض أخجلنا وأخزانا، وبموته على الصليب خلّصنا وفدانا، وبقيامته بررنا وأحيانا. فلننظر إليه ونتمثل به، ونثبت فيه في كل أمور حياتنا، حتى لا نخزى ولا نخجل منه حين نلقاه. "وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (1يوحنا 28:2).