Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2011

الدكتور ميلاد فيلبسوقفت على أعتاب التاريخ وتساءلت: لماذا ندرس التاريخ؟ تاريخ الشعوب أو تاريخ الكنيسة أو تاريخ الأفراد؟ إنه السعي وراء فلسفة التاريخ، أو البحث عن الله خلال التاريخ، أو تتبّع الحق كما يمليه العقل والضمير البشري لاكتشاف وبناء الصرح الأخلاقي وحل المشاكل المزمنة المعاصرة.

وهنا نلجأ إلى تفسير التاريخ بحسب المفهوم المسيحي وغير المسيحي بغية الوصول إلى القوة التي تحرك وتوجّه الأحداث والاتجاهات اليومية والعالمية بموجب الفكر الفلسفي المتاح منطقيًا، ولكن حبل الفلسفة قصير أو محدود... ضلت بعثة لاكتشاف البترول في الصحراء ونفذت المياه، ولكنهم عثروا على بئر فدلّوا أحدهم فيه. ولكن وأسفاه! كان بينه وبين الماء شبر لأن الحبل كان قصيرًا.

أولاً: تاريخ النظرية البشرية

إن الفكر اللاهوتي والفلسفي يسيطر على الإنسان ككائن حي يتطوّر يوميًّا ليحقق وجوده وسيطرته على الكون. إنه الدافع الحقيقي لمعرفة الأحداث والحقائق العلمية والمعرفة المنهجية. بمعنى آخر، فلسفة التاريخ هي الفن الفلسفي الذي يفسّر الظواهر المعقدة في الطبيعة. هناك حقائق إلهية عقلية وروحية منطوية في التاريخ ويمكن أن تقودنا إلى الله. إن التاريخ حقائق حادثة وقد تكون غير مقبولة أو مستساغة، لكنها دلائل قاطعة عن اليقين الذي يبرهن صحة المسلّمات العقلية والفروض العلمية. إنه يبرهن الضرورة العقلية المؤسسة على طبيعة الأشياء والعِليِّة المنطقية. عند دراسة التاريخ يدرك الإنسان الحقائق من خلال انعكاس الأحاسيس والوعي والحدس البشري حتى نصل في النهاية إلى تطبيق النظرية التاريخية على الواقع المعاصر. إن هذا يساعدنا على تطوير وتوجيه التاريخ إلى الأفضل المنشود. قال الشاعر:

خطرات اسمك تستثير مودتي،

فأحس منها في القلوب دبيبا

لا عضو لي إلا وفيه صبابة،

فكأن أعضائي خلقن قلوبا

اتصلت بي إحدى السيدات لتخبرني بأنها قرأت لي مقالاً في إحدى الجرائد بعنوان "أين أجد الله؟"، واستطردت قائلة: "ما أن انتهيت من قراءة المقال حتى وجدت الله في قلبي. فهل وجدته؟ وهل أنت باحث مخلص؟ إن كنت باحثًا مخلصًا، فصلّ وقل:

يا روح ربي كلمن              مبدّدًا كلّ ظلام

وامنح بجودك واهبًا         نعماء حب وسلام

يا روح ربي علمن      صوتك حسن مسمعي

درب خطاي دائمًا         في نهج سير سيدي

يا روح ربي إلمسن      وهن وضعف حيلتي

إياك أرجو باكيًا              إبراء سقم يبتلي

يا روح ربيَ املأن         فيض غمار وثمار

فأخدم طول المدى       حتى يضيء ذا النهار

يا روح ربيَ اكشفن    كيما أرى صلب يسوع

يريح نفسًا تائهة        تنزف دمًا ودموع

 

ثانيًا: تاريخ الحقيقة المنطقية

هذا يقودنا إلى الإنسان قبل الخلق "الحالة الأزلية"، والإنسان في عدن (فترة الاختبار)، والإنسان على الأرض (البقاء للأقوى)، والإنسان والوعي الروحي (التدبيرات السبعة).

1- الانسان قبل الخلق

الله يعلن عن ذاته في الثالوث الأقدس: الله الآب، الله الابن، الله الروح القدس، وهذه الأقانيم أزلية: "منذ الأزل إلى الأبد أنت الله"
(مزمور 2:90). الآب كان مصدر القوة الخالقة وأصلها ونشأتها. والابن يعلن بروح النبوة قائلاً: "اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ. مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ" (أمثال 23:8-24).

2- الإنسان في عدن

رأى الله بسابق علمه سقوط الجنس البشري حتى قبل أن خلق الإنسان الأول ودبّر أمر خلاصه، "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ" (غلاطية 4:4). وعلى الصليب قدّم ذبيحة للتكفير عن خطاياك وخطاياي "لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"
(يوحنا 16:3). أما الروح القدس فهو كائن بقوته ومجده اللذين هما من خواصه، فلقد اشترك في الخليقة مع الآب والابن.

ويتّصف الله بكمال المعرفة "معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله" (أعمال 18:15). [أنا الرب] "مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل... رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي" (إشعياء 10:46-11).

3- الإنسان على الأرض

العلماء يشيرون إلى الله والخليقة ليبرهنوا  عن وجود العالم وليس عن كيفية بداية كل الأشياء قاطبة، لكن الخليقة الأصلية تبدأ في تكوين 1:1 "فى البدء خلق الله السموات والأرض"، "لم يخلقها باطلاً. لكن للسكن صوّرها" (إشعياء 18:45). والواقع أن الله عندما خلقنا، خلق فأبدع وصوّر فأحسن.

وعلى سبيل المثل، إن الدم الذي يصرفه القلب كل 24 ساعة يكفي أن يملأ 150 برميلاً. على فرض أنه يمر ولا يرجع ثانية كما يفعل، أما صماماته فغريبة وهي أشبه بأبواب تفتح عند دفع الدم ثم تنثني إلى الخارج من تلقاء نفسها حتى لا تعود كمية الدم التي يدفعها القلب إليه بل تسير في طريقها المرسوم لها. حقًا إنني قد "امتزت عجبًا".

4- الإنسان الروحي

قال صوفر النعماني: "أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ... أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ، وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ". "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه".

"إذن إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا".

ليلة محاكمة مارتن لوثر صرفها في الصلاة حتى مطلع الفجر، وحين نزل من قلعة وتنبرج قال: "لقد انتصرت. ومضى إلى المحاكمة هادئًا". وهناك كانوا يشتمونه حتى قال أحدهم: "يا لوثر… أيتها الحشرة الحقيرة، أين تكون حين تقف أمام المحكمة؟ أين تكون؟". قال المؤمن المنتصر: "أكون في يد الله".

ثالثـًا: تاريخ خلاص البشرية

ويبدأ تاريخ الفداء بوجود المسيح [الكلمة]  لاهوتيًا في مظاهر صفاته وقيمة رسالته، ومجمل إعلانه [التاريخ الكتابي، التجسد والمعجزات]، وغاية حياته [صليبه وفداؤه وقيامته]، ومجيئه الثاني وجلاله الأبدي.  فالمسيح هو:

1- هو الإعلان الإلهي

"الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر" (يوحنا 1: 18). كيف؟ "أخلى نفسه" كما في فيلبي 6:2-11. هنا يكمن السر الإلهي. فإن لطف الله في المسيح يسوع يشبع رغبات القلب ويؤكد أن الله غير محدود في فكره ومقاصده ومعاملاته، خالق العالم... لكنه اتخذ طبيعتنا البشرية في محبته غير المحدودة ليفتدينا.

2- هو البشارة المفرحة

جاء المسيح ليخلص العالم من حمأة اليأس والمخاوف والشكوك، وقد زف الملاك بشارة للرعاة "لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب"؛ إنه خوف آدم "سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ" (تكوين 10:3)، لأنه خالف الوصية. وخوف يوسف الرامي الذي لازمه ليكون تلميذًا في الخفاء (يوحنا 38:19). والخوف الذي تملّك بطرس فجعله ينكر سيده (متى  69:26-74). والخوف الذي سيطر على بيلاطس لئلا يفقد مركزه فأسلم يسوع لصالبيه (يوحنا 12:19-16). إن هذه المخاوف جاءت نتيجة التمرد والعصيان والشك، لكن أعظم هذه المخاوف هي تلك التي يملأ بها الشيطان قلب الخطاة بسبب خطاياهم ليبعدهم عن الله، بل والخوف من الموت والأبدية المظلمة.

3- هو قمة المثالية

أعلن المسيح عن نفسه بأنه "الطريق والحق والحياة" في يوحنا 6:14. وهذا لا يعني أن التواضع يقلل من قيمة الفرد أو ينقص من علو شأنه، فهو الذي أعلن عن نفسه قائلاً بأن "هوذا أعظم من سليمان ههنا"، و"أن الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع"، و"ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي". إنه عظيم الشأن وعالي القدر في جوهره، وسيرته، وتعليمه، وخلاصه، وأبدية سلطانه. علّم عن التواضع فأقام في وسطهم ولدًا في متى 18، ليحضهم على المعرفة والتعلم والتتلمذ مقدمًا ذاته مثالاً في الخدمة. "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" في يوحنا 13. إنه يحض على غسل الأرجل ونبذ الأنانية والكبرياء والغرور في متى 25. إن المذود شاهد على تنازله، ودخوله المنتصر المتواضع دليل عظمته في زكريا 9:9 وميخا 2:5.

كان مجيئه الأول في اتضاع وفقر... وُلد في مذود وكان رجل أوجاع ومختبر الحزن. أما مجيئه الثاني فسيكون في مجد السماء.

ان دراسة التاريخ ليست علمًا كباقي العلوم، لكنها بحث وسط يم من الأحداث، والاختبارات، والحروب، والمعارف، والحقائق، والتصورات، والاحتمالات التي قد تقودنا إلى قناعات ثابتة تربط الماضي بالحاضر وتؤكد صلة المنظور باللامنظور وتطبق النظرية في الواقع المحسوس. إن تحليل التاريخ يبين العلاقة ما بين اللاهوتيات والأخلاقيات وبين اللوائح الدينية والقوانين الوضعية والحركات الاجتماعية. لذلك تبدو الفروض المستخلصة من التاريخ ضرورة منطقية لاكتشاف الحقيقة الغائبة. "فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ الأَمْرِ كُلِّهِ: اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ" (جامعة 13:12-14).

 

المجموعة: تشرين الثاني November 2011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

242 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10576068