Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2011

الأخت أدما حبيبيما هذا الكونُ الفسيح الأرجاء، وما هذه السماءُ الزرقاء، وهذه الأرضُ العَراء الممتلئةُ بالرمال، وكذا التلال الممتدة على بعد النظر، التي لا تخلو من بريقِ الواحات وتمايل الشجيرات؟ هذه هي البرية التي صارت مأوايَ وموئلي حيث حططتُ الرحال. لأنَّها  المكان الذي فيه أرتاح، وإليه أنتمي، وعنده أستكين وأهدأ بعيدًا عن الضوضاء وصخب الناس وعجيج المسافرين وضجيج صوت القوافل.

أجل، هنا أنعم بالشمس الساطعة وأشعر بدفئها داخل جسدي، وهنا أيضًا أمتِّع ناظريَّ بمرأى النجوم اللامعة وسط الليالي الصافية الأديم، وأنا قابعٌ في عباءتي الإبلية، أتناول ما قدّر لي من جرادٍ وشهدٍ في هذه البرية.

وأنا في خلوتي وسكوني أبثُّ لإلهي شؤوني، وأُسر إليه بشجوني. فأسمع صوته إذ يأتيني في الحال معزيًا مرشدًا ومقوّيًا. عندها أزداد اقترابًا منه، وشعورًا بحضوره، وامتلاءً من روحه. فيحثُّني من جديد على المزيد من إنكار النفس والزُّهد بها، سعيًا للخضوع الكلّي لخالقِ الكون مطلَقِ القوة والجبروت والسلطان.

 وحين ترتسم أمامي خطايا شعبي إسرائيل وابتعاده عن الدليل، أغتمُّ وأنزعج فأهجر موئلي في البرية وأتوجه إلى المدن المحيطة بأورشليم والجوار، لكي أذكّرهم بأنَّ ملكوت الله قادمٌ لا محالة، وأنَّ التوبة المتبعة بالمعمودية، هما من المتطلبات اللازمة لكي ينالوا الغفران عن الخطية ويدخلوا إلى هذا الملكوت. وكانت كلمة الله عليَّ بقوة، ورحت أنادي لهذا الشعب الغليظ الرقبة وأكرز لهم بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. وكنت أصرخ بكل جوارحي وأقول: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى 2:3). وفوجئتُ بكثيرين يأتون ليعتمدوا، لكن أفعال بعضهم لا سيَّما من الفريسيين لم تكن تنبئ عن أية توبة حقيقية في داخلهم. فاحتددْتُ وقلت لهم بسلطان الروح القدس: "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي. فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (لوقا 7:3-8أ). ووبّختهم بقسوة لأنهم ظنُّوا أنه بانتمائهم لإبراهيم قد أصبحوا مبرَّرين، وقلت لهم وبالحرف الواحد: "إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم. والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار" (8 و9). وفي إحدى المرات فوجئت بكهنة ولاويين مُرْسَلين من أورشليم  من قِبَلِ اليهود ليسألوني عن هويتي الحقيقية إذ التبسَ عليهم الأمر. فاعترفت لهم وبالطبع لم أُنكِرْ وأقررت لهم إني لست أنا هو. فعادوا وسألوني من جديد: إذًا ماذا، إيليا أنت؟ فقلت لست أنا. النبي أنت؟ فأجبت لا. ماذا تقول عن نفسك؟ فأعلنت لهم بأنني لا شيء فأنا مجرّدُ صوتٍ ينقل إليهم رسالة الله المنبّهة والمحفِّزة لهم على الاستعداد لمجيئه هو وقلت:  "أنا صوتُ صارخٍ في البرية أعدُّوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة" (يوحنا 19:1-23).

نعم، فأنا لست بشيء سوى أنني صوت صارخ في البرية كما تنبأ إشعياء النبي. فعلى الرغم من أنني كنت الطفلَ الأمنية لوالديَّ الشيخين، ومصدرَ فرحٍ كبير وابتهاج عظيم لذينِكَ المسنَّين يـومَ أطللتُ على هذه الدنيا، وكذا الأملَ الذي تحقق بمجيئي إليهِما، إلا أنَّ فحوى رسالةِ الملاك التي أَخبر بها والدي كانت أعظمَ وأسمى بكثير على حدِّ قول أبي زكريا الكاهن. إذ قال بأنني سأمتلئ من الروح القدس من البطن، ولسوف أردُّ كثيرين من بني شعبي إلى الرب الإله. وأيضًا سترافقني روحُ إيليا النبي لأُرجعَ قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار. نعم، كلُّ ذلك من أجل هدف واحد ومجيد ألا وهو أن أهيِّئَ للرب شعبًا مستعَدًا. لذلك أنا أصبحتُ نذيرًا ونبيًا للعلي القدير لكي أتقدَّم أمام وجه الرب وأُعِدَّ له الطريق. أجل ما أنا إلاَّ هذا الصوت الصارخ في البرية والمنادي بالتوبة من أجل مغفرة الخطية. "افتقد المُشْرَقُ من العلاء شعبَه" فوقع عليّ الاختيار للقيام بهذه المهمة. وعلى إثر اعتراض الفريسيين عليَّ لأنني عمَّدْتُ التائبين لمَّا علِموا بأنَّني لست المسيح ولا إيليا النبي، وجَّهت نظرَهم إلى الهدف وقلتُ:" أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحلَّ سيور حذائه. هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشُه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ" (لوقا 16:3-17).

لم يَطُلِ الأمر، لا بل لم ينتهِ هنا، لأنني وفي الغد الذي يليه نظرتُ بنفسي يسوعَ مقبلاً إليَّ. ومع أنني لم أكن أعرفه أعلنَ لي الروح القدس عنه فأشرْتُ للحال إليه وقلت: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم.  هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليُظهَرَ لإسرائيل لذلك جئت أعمّد بالماء (يوحنا 29:1-31). عمَّدت الكثيرين والكثيرات، وكذا من العشارين. وجاء أيضًا يسوع نفسُه من الجليل إلى الأردن ليعتمد. لكنني، أنا يوحنا الصوتَ الصارخ في البرية غيرَ المستحق أن أحُلَّ سيور حذائه، شعرت بعدم كفاءتي وأهليتي، فمنعته وقلت له: أنا محتاج أن أعتمد منكَ وأنت تأتي إلي؟ فأجابني للحال وقال لي: اسمحِ الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كلَّ بر... لكن حدث شيء غريب بالنسبة للناس، أما أنا فلم أتعجبْ قط لأنَّ الروح كان قد أعلن لي ذلك مسبقًا. إذ وبينما المسيح يعتمد وحالَ صعوده من الماء إذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيا عليه. وصوت من السماء قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت (متى 3: 13-17). أجل وبهذا أنا أشهد: "إني قد رأيت الروح نازلاً مثلَ حمامة من السماء فاستقرَّ عليه. وأنا لم أكن أعرفه. لكنَّ الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله" (يوحنا 33:1ب–34). نعم، هذا هو الذي أرسلني الله لأعلن عنه وأهيِّئ الطريق أمامه. لأنَّ كل شيء لسوف يتغيَّر بمجيئه، "وكل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقًا سهلة ويبصر كل بشر خلاص الله" (لوقا 5:3-6).

هو النور الحقيقي الذي ينير كلَّ إنسان فيبصر كل بشر خلاص الله الكامل. بهذا بشَّرت الشعب وحوّلت نظرهم إلى الحمَل الذي يحمل عنهم عقاب خطاياهم، ولم أخَفْ من أحد لا كبيرًا ولا صغيرًا، لأنَّ روحَ الله قوَّاني حتى إنني وقفت أمام هيرودس الملك ووبَّخته مرات ومرات على فسقه وزناه. فكانت النتيجة أنَّ كلام الحق أزعجه جدًا فزجَّني بالسجن. ومضت الأيام والشهور وكأنها سنون، وأنا قابعٌ في غياهب السجن الرهيب. وفي وحدتي القاتلة تلك بدأَتْ تراودني شكوكٌ لأنني لم أرَ بعد تحقق علامات الملكوت الذي بشرت به. فأرسلت تلميذيَّ إلى  يسوع مستفسرًا ومتسائلاً إن كان هو يسوع الآتي حقًا؟  فجاء جوابه القاطع على لسانهما قائلاً: "العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهَّرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ" (متى 4:11–6).

وسرعان - بعد ذلك اللقاء مع يسوع، وتصريحه عن تحقق علامات الملكوت وبأنني أنا، كنت أعظم المولودين بين النساء- سُرعان ما فهم تلاميذي أنَّ الأصغر في ملكوت السماوات - الذي أُرسلْتُ أنا لكي أخبرَ شعبي عن حدوثه - هو أعظم مني. وبعد ذلك بزمنٍ قصير انتقمتْ هيروديا من صوت الحق الذي نبّهت به هيرودس إذ قلت له بأنها لا تحلُّ له لكونها امرأة أخيه، واغتنمتْ فرصتها الذهبية وطلبت منه أن يقطع رأسي علَّها تتخلّص من صوتي الصارخ في البرية بوجهِ كل دنيّة. وفعلاً، نجحتْ وهكذا مدَّ السياف يده وهوى على رأسي بأداته الحادة!!! فصرخت صرختي الأخيرة!!! ولمَّا فتحت عينيَّ من جديد بدأت أنعمُ بمحضر الله في أبديةٍ سعيدة لا تنتهي هناك في دار النعيم.

التوقيع: يوحنا المعمدان (يهوه حنون)

 

وهكذا مات يوحنا المعمدان لكنَّ رسالة السماء وصلت إلى سكان الأرض بأسرها، بأن الكلمة صار بشرًا وحلّ بيننا، وأن النور الحقيقي قد أتى إلى العالم، وأن ملكوت الله قد بدأ فعلاً في قلب كل من يقبله. ولا يزال صوت التلاميذ الذين رأوا وعاينوا الرب يسوع، يدوي في أرجاء المعمورة منذ ألفي عام تقريبًا وحتى الآن، شاهداً عن هذا المخلص الفريد والعجيب. فهل عرفته يا صديقي؟!

المجموعة: كانون الأول December 2011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475780