أذار March 2012
ذهب الخيال بي بعيدًا اليوم وكأنك - صديقي القارئ - تسألني سؤالاً هزّ مشاعري طربًا في مشهدٍ بهيجٍ تستوقفني به وتقول: ما هو أقصى ما تتمناه في حياتك، وترجو نواله، ولا شيء لديك يعزّ أكثر منه؟! فللحال وجدت نفسي أقول بكل بساطة وعفوية: إن أقصى ما أتمناه في حياتي أن أصل إلى اليوم الذي يأتي فيه الرب يسوع المسيح مخلصي وفادي حياتي، وأنا ما زلت أعيش على وجه الأرض! إنها أعزّ أمنية أتمنّاها لنفسي. ثم استطردت قائلاً: ومع أني لو متّ ودُفنت في قبري ومرت عليّ أيام أو شهور أو سنون، لا بد أن أشهد ذلك اليوم الموعود! فحين تنشقّ القبور في لحظة مجيئه، سأقوم مع الراقدين المفديين بدم المسيح، وسأكون من بين المختطفين لملاقاة الرب في الهواء. إنما أمنيتي أن أشهد الحدث وأنا بعد أعيش على وجه الأرض مع زوجتي معي وأبنائي وأحفادي. ويسعدني أنهم جميعًا نشأوا وتربّوا على حب المسيح والولاء له.
أيها الأعزاء، المسيح آتٍ فعلاً! ومجيئه أصبح قريبًا على الأبواب... هذه حقيقة مؤكّدة! والأحداث من حولنا تشير إلى ذلك. فقريبًا سيفاجأ سكان الأرض في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها بهذا الحدث العجيب. ولعل ذلك لا يتخطّى هذا الجيل الذي نعيش فيه، ولعله يتم وبعض الساكنين الآن على الأرض ما زالوا على قيد الحياة.
لا نستغرب ذلك، إنما الأهم هو أن نكون مستعدين لمجيئه. والاستعداد يكون بالإيمان بشخص الآتي كربٍ معبودٍ في حياتنا اليومية في توبةٍ صادقة وطاعة مخلصة لوصاياه وتعاليمه في إنجيله، لكي لاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ، إذ نكتشف أن القطار قد فات ومن رابع المستحيلات اللحاق به، فنخجل ونبكي وننوح تمامًا كما حصل مع العذارى الخمس الجاهلات.
مسيحيو سفر الأعمال، كالرعيل الأول في نشأة المسيحية، عاشوا نمط حياةٍ تستحق الوقوف عندها بإجلال. فهؤلاء بنَوْا (لو جاز التعبير) البنية التحتية للمسيحية، وبتعبهم وتضحياتهم نمت الكنيسة الأولى في عهدها الأول وتوسعت حتى بلغت أطراف الأرض بلا سيفٍ يدعم أو رمحٍ يحمي، ونحن اليوم ننعم بثمار تضحياتهم، لأن الأجيال من بعدهم حملت لنا مشعل النور الذي نعيش اليوم بضيائه. فأولئك حملوا رسالة المسيح في أصعب الظروف وبلّغوها لنا مع تتابع الأجيال.
وأتساءل وأنا أقف أمام هذا المشهد العظيم لهؤلاء: كيف حالنا اليوم نحن الذين نأمل أن نكون الجيل الذي يستقبل حدث المجيء الثاني للمسيح؟ فامتيازنا هذا لو حصل، يفوق امتياز أولئك على اعتبار أن أولئك رقدوا في قبورهم قبل ألفي عام على رجاء أن يأتي الرب ثانية في يومٍ لا يعلمون موعده ..
فهل نحن اليوم كمسيحيين في مستوى الأمانة التي وصلت إلينا؟ أقول: نعم، ولا… فالبعض على مستوى الأمانة، يعملون ويكدحون ويتعبون ويُقاوَمون، والعالم من حولهم يعرفهم ويعرف أنهم أمناء مميزون… والبعض الآخر منا قد أضاع الأمانة وأهملها وتحجّر بعيدًا عنها… فلا صلاة، ولا كنيسة، ولا إنجيل، ولا توبة...
أيها الأصدقاء،
لقد دوّن الإنجيل المقدس الكثير من خطب المسيح بين جموع مستمعيه وأشار بوضوحٍ إلى علامات ستسبق مجيئه الثاني وتدلّ عليه، ويمكن الرجوع في ذلك إلى إنجيل متى الأصحاحين 24 و25، كما يشهد بذلك أيضًا الرسول بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس والأصحاح الثالث إذ يقول:
"وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ".
هل هناك من صورةٍ أسوأ من هذه الحالة التي يصفها الوحي عن آخر الأيام؟!
عندما قدّم بولس الرسول هذا الوصف بروح الوحي كان يعيش في زمن غلبت عليه الوثنية. فلو كان الناس في زمانه يعيشون على مثل تلك الصورة المتدنية من الانحطاط لما لزم أن يصف به آخر الأيام لأن لا جديد في ذلك. إنما الحقيقة أن العالم اليوم يعيش الوثنية من جديد ولكن بصورة تختلف. وثنية اليوم تتمثل بعبادة المال، والجنس، واللذّات، وعبادة الأشخاص من قادة مستبدّين أو عبادة أفرادٍ امتلكوا القدرة في التأثير على شعوبهم بأساليب غوغائية. والبعض من هؤلاء يتدثّرون بعباءات التقوى والتظاهر بالتديّن وهم أبعد ما يكونون عنها. ولذلك يقول الرسول: "لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا".
ألا تنطبق هذه الأوصاف على حال الناس اليوم في كثير من المجتمعات البشرية في الشرق والغرب والشمال والجنوب من الكرة الأرضية؟!
فالبعض اليوم يعيشون هذه الحالة من التدنّي داخل مجتمعاتهم، وبعضهم ينقل العدوى شاء أم أبى إلى مجتمعات الغير، ويشوّهون بذلك سمعة شعوبهم أو بلدانهم ظلمًا، لأن في نظر الشعوب الصالح والشرير محسوب على الجهة التي ينتمي إليها. والشر في تزايد مستمر يومًا بعد يوم. في مثل هكذا زمن، يأتي المسيح ثانية والعالم في غفلة من أمره، وسيُصدم الكثيرون عند مواجهة الحقيقة. وبعد أن تزول الصدمة الأولى، ستتكشف الحقيقة الغائبة، وتتضح حقيقة المسيح للعالم، ويظهر جليًّا لكل شعوب الأرض من ترى يكون هذا الذي يُقال له المسيح، وسيعرف الحقيقة من لم يعرف بعد ولكن بعد فوات الركب.
عزيزي القارئ، هذه القضية تخصّك شخصيًا، وأنت فيها صاحب القرار. ويمكنك أن تقبلها أو ترفضها، ولكن لكل موقف حسابه عند الله... فقف لحظة في مصارحةٍ مع النفس وخذ قرارك كما تشاء.
القيامة الأولى
ويسأل صديقي: ما الذي يعنيه الإنجيل بالقيامة الأولى في أصحاح 20 من سفر الرؤيا؟ فنقول: سيأتي المسيح على سحابة من مجد تستقرّ في الفضاء، ومن هناك سيجذب المؤمنين الأحياء الباقين على وجه الأرض والأموات الراقدين في تراب الأرض. فالأموات منهم ستتتفتح قبورهم ويقومون أولاً، ثم هم مع الأحياء الباقين على الأرض سيُجذبون إلى حيث المسيح الجالس على السحاب.
هذه هي القيامة الأولى على اعتبار أن القيامة الثانية ستشمل باقي سكان الأرض عندما تحين ساعة القيامة الأخيرة ويوم الدين.
وجدير بالذكر أن المؤمنين الأموات المقامين كما ذكرنا سابقًا سيقومون بأجسادٍ نورانية ممجدة لا تجوز عليها عوامل التحلل والفناء، وكذلك تكون أجساد الأحياء المختطفين معهم. وستكون حياة الأبرار بعد القيامة بلا مرض، ولا موت، أو تلف، أو ضعف، أو تعب، أو حزن. وكما يقول الإنجيل: "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم".
ثم إن الحياة الأخرى في السماء - أو ما يسمّى "بالجنة" - لا يحياها الأبرار بأجساد شهوانية، بل بأجساد نورانية خالدة... دائمة الحياة... طاهرة... نقية كأجساد الملائكة... لا تتعرّض للشهوات والميول الجنسية التي كثيرًا ما يعاني منها سكان الأرض. فهناك لا زواج، ولا جنس، ولا نساء لهذه الأغراض. وكما قال المسيح لمجموعة من اليهود:
"تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ. لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ".
(متى 29:22-30)
صدق المسيح العظيم
وهو أصدق القائلين.
آمـين.