Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان April 2012

"قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ إِلَى عَبْرِ وَادِي قَدْرُونَ، حَيْثُ كَانَ بُسْتَانٌ (في جبل الزيتون) دَخَلَهُ هُوَ وَتَلاَمِيذُهُ. وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ يَعْرِفُ الْمَوْضِعَ، لأَنَّ يَسُوعَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ كَثِيرًا مَعَ تَلاَمِيذِهِ. فَأَخَذَ يَهُوذَا الْجُنْدَ وَخُدَّامًا مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ. فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ: ’مَنْ تَطْلُبُونَ؟‘ أَجَابُوهُ: ’يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ‘. قَالَ لَهُمْ: ’أَنَا هُوَ‘... فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: ’إِنِّي أَنَا هُوَ‘، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ. فَسَأَلَهُمْ أَيْضًا: ’مَنْ تَطْلُبُونَ؟‘ فَقَالُوا: ’يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ‘. أَجَابَ يَسُوع: ’قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ‘. لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: ’إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا" (يوحنا 1:18-9).

 للمسيح مواقف مذهلة تفوق كل تصوّرٍ، فهو دائمًا المسيطر على الظروف يوجّهها وفقًا لإرادته، وحسب خطة مرسومة منذ الأزل. ولم تكن النبوءات التي تحدثت عن مجيئه، وموته، وقيامته سوى تعابير صارخة عن هذه الخطة المرسومة، والتي كان لا بدّ أن تتحقق رغم الظروف، والمحاولات الشيطانية التي استهدفت  القضاء على هذه الخطة. فالمسيح الذي جاء طوعًا إلى هذا العالم، والذي حمل أثقال خطايانا ودينونة الجنس البشري، لم يتورّع لحظة عن مجابهة المصير الذي ينتظره. فهو يعلم لماذا جاء، وماذا سيحدث له، وما هي النتائج المتوخاة التي تُسفر عنها هذه الخطة الإلهية. فالمشاركة بين الآب والابن والروح القدس لم تتوقّف لحظة بين الثالوث لأنها مشاركة عضوية غير قابلة للتحوّل. لهذا، لم يكفّ المسيح عن الإشارة، إما إيحاء أو صراحة، إلى صلبه وقيامته في اليوم الثالث. ولكن يبدو أن التلاميذ لم يستوعبوا هذه الحقيقة، ولم يدركوا أبعادها الروحية والاجتماعية والأدبية. لهذا، ظلوا في حالة إنكارٍ وعدم تصديق، إذ كيف يمكن للمسيح، صانع العجائب الذي دخل أورشليم منذ أسبوع ظافرًا، فارتجّت له المدينة، أن يُقبض عليه ويُصلب؟ إن نظرتهم الروحية غلبت عليها المفاهيم السياسية، وعجزوا عن الرؤية الماورائية لمعنى الموت والصلب والقيامة، إذ كيف يجرؤ أي إنسان، مهما بلغت سطوته أو نفوذه، على تنفيذ حكم الصلب على المسيح؟

غير أن مواقف المسيح لم تتعرّض للتغيّر حتى في أحرج أوقات حياته. فمع علمه المسبق بمجريات الأحداث فإنه اختار أن يتابع مسيرته في درب الجلجثة.

لقد انطلق المسيح في تلك الليلة إلى بستان جثسيماني وهو على يقين أن يهوذا الإسخريوطي سيأتي على رأس عصابة من أعدائه من خدام رؤساء الكهنة وجند الهيكل للقبض عليه تتميمًا للمؤامرة التي حاكها هذا التلميذ الخائن. ولكنه لم يتهرّب، أو يضعف أمام هذه الحملة العدائية، بل رأى فيها تحقيقًا للنبوءات وأنها الساعة التي جاء من أجلها. لقد هيّأ نفسه لتلك اللحظة الحاسمة بالصلاة، وثبت في موقفه شامخ الرأس. لم يعتره الخوف أو التردّد بل جابه الخطر بجرأة منقطعة النظير. كان في وسعه أن يلجأ إلى مكان سري، أو أن يغيّر من مواقفه، ولكنه أبى أن يرضخ لتلك النوازع التي من شأنها أن تقضي على خطة الخلاص التي تجسّد من أجلها. كانت البطولة الحقيقية أن يعرف المصير الرهيب الذي سيتعرّض له ويظل ثابتًا لا يتزحزح عن موقفه.

وهنا، عندما أقبل الجمع بالمشاعل والمصابيح والسلاح، جابه الخطر المحدق بكل إباء، وسألهم: "من تطلبون؟" وكأنه يقول لهم: لماذا جئتم في مثل هذا الوقت من الليل إلى هذا البستان، وماذا تريدون؟ كان لسؤال المسيح هدف يتخطّى حدود الذاتية أو الدفاع عن النفس. فعندما تردد جوابه لهم القائل: إني أنا هو "رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ". ثم لم يلبث أن سألهم للمرة الثانية السؤال عينه: "’مَنْ تَطْلُبُونَ؟‘ فَقَالُوا: ’يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ‘. أَجَابَ يَسُوع: ’قَدْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي أَنَا هُوَ‘".

قد يتساءل القارئ: لماذا سألهم المسيح السؤال ذاته مرتين؟ ماذا كان يستهدف من ذلك؟

نجد الجواب في طيّ الموقف الذي اتّخذوه منه. لقد قدموا إلى البستان ليقبضوا عليه، وعندما أقرّ أنه هو يسوع الناصري سقطوا على وجوههم خوفًا، ولم يسرعوا للقبض عليه. وفي تكراره للسؤال أراد أن يؤكد لهم للمرة الثانية أنه هو الذي يسعون للقبض عليه. إن المسيح،

 

أولاً: جاء حقًّا ليُصلب

لم يتهرّب منهم، ولم يستخدم أية قوة من قواه الإلهية لينقذ نفسه، فقد جاء حقًّا ليُصلب، ولفداء البشرية، وكانوا هم حلقة من حلقات هذا المسلسل.

 

وثانيًا: ليظهر محبة قلبه الكبير

كان للمسيح غرض آخر من تكرار سؤاله. فقد قال لهم: "فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هؤلاَءِ يَذْهَبُونَ". وبمعنى آخر، إن كنت أنا الذي تسعون للقبض عليه فها أنا أمامكم ولا تسيئوا لهؤلاء التلاميذ. طبعًا من وجهة نظر لاهوتية فإن صلب التلاميذ كجزء من خطة الخلاص الفدائي لا يجدي نفعًا؛ وأكثر من ذلك فإن هذا الموقف يكشف عن محبة قلب كبير وعناية فائقة بأحبائه. ففي أحرج لحظة من حياته لم يفكر المسيح بنفسه، بل كان يفكّر بهؤلاء الأتباع الذين لازموه طيلة ثلاث سنوات ونصف، ورأوا أعماله وسمعوا أقواله، كما كان لهم دور خاص في نشر كلمة الإنجيل. فالمسيح، في صلاته التي رفعها في إنجيل يوحنا 12:17 يخاطب الآب السماوي قائلاً: "حِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ فِي الْعَالَمِ كُنْتُ أَحْفَظُهُمْ فِي اسْمِكَ. الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي حَفِظْتُهُمْ، وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهَلاَكِ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ". وهذا ما عاد يوحنا فردّده في الأصحاح الثامن عشر، والعدد التاسع إذ أورد: "لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: ’إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا‘".

يا للقلب الكبير! وما أعظم محبة المسيح لأنه أحبّ خاصته إلى المنتهى! لقد سلّط الأضواء على نفسه مع يقينه أن هذا الموقف سيؤدّي به إلى الصلب. إن الصورة بجميع رتوشها، وألوانها، ومضامينها، وأهدافها، أخذت تتكامل منذ تلك اللحظة، ومشهد التضحية المثلى قد أخذ يتجلّى بكل وضوح تحقيقًا لجميع النبوءات المتعلّقة بخطة الفداء. إن جميع الأحداث التي وقعت في تلك الليلة وما تلاها من مظالم لم تكن أمرًا مفاجئًا أو مستجدًّا على المسيح، فقد كان مطّلعًا عليها، ومدركًا لعواقبها، متحدّيًا بذلك كل العقبات التي أقامها إبليس في طريقه، بل إننا نراه يُحوّل هذه المؤامرات إلى أدوات لبلوغ الجعالة التي جاء من أجلها. إن أمانة المسيح للإيفاء بالمهمة التي أُرسل بها جعلته يتحمّل كل الآلام والمشاق، وحتى عذاب الموت من أجل الجبلة البشرية الساقطة.

 

من تطلبون؟

لهذا السؤال أخيرًا غرضٌ إيجابيٌّ نلمحه من بعيد كضوء متلألئ في ظلمات الدياجير الحالكة. لقد جاءت تلك العصبة لارتكاب أبشع جريمة عرفها التاريخ، فجابهها المسيح بكل ما لدى ابن الإنسان من إرادة وتصميم، ولكنه أيضًا، عبر العصور يوجّه نفس هذا السؤال وكأنه يقول: أنتم الذين تعيشون في القرن الحادي والعشرين، وفي مجتمع غلبت عليه الخطيئة واستأثرت به المظالم، فأوغلتم بالشر، وتمرَّغتم في أوحاله وكأنكم تنعمون بخصب المراعي الخضراء بينما هي سموم قاتلة، تهلك النفوس؛ إنني أسألكم: من تطلبون؟ هل تطلبون المُهلك المبيد، أم المخلّص المجيد؟ الدكتاتور المستعبِد أم الفادي المسترِدّ؟ لقد أقدم المسيح على عمل الفداء لينقذ البشرية من مصيرها؛ واستسلامه لمصيره كان الوسيلة الوحيدة للمصالحة مع الآب. إنه ما زال في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ البشرية يرجّع أصداء ما نطق به في ليلة الجثسيماني: من تطلبون؟

لقد اختار هؤلاء الظلمة وأحبّوها أكثر من النور، وظنّوا أنهم نجحوا في مؤامرتهم وتخلّصوا من المسيح نهائيًا. ولكن ما أن انبلج اليوم الثالث، وأشرقت شمس الضحى على مرابع أورشليم في ذلك اليوم التاريخي من أول الأسبوع، حتى قام المصلوب من بين الأموات بعد أن انتصر في معركة الحرية، ومن ثمّ شرع في قيادة جيشه المظفّر على الرغم من كلّ التحدّيات.

لقد انتهت المعركة، وفوجئ العدو بالهزيمة النهائية التي تبدّدت فيها شراذمه. ويمكن الآن الهتاف بصوت ملؤه الثقة والإيمان: إلى الأمام يا جيش الخلاص... إلى الأمام يا جيش الخلاص.

فمن تطلب، وإلى من تنضم؟ إنه اختيارك يا قارئي العزيز. إنه قرارك المصيري.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

430 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577324