آب Agust 2012
كان هذا تساؤل حكيم الأجيال سليمان الحكيم. كما أنه مطلب البشرية وحلمها؛ البشرية التي ابتُليت بعدد ليس بقليل ممن تقلّدوا المناصب والسلطة، فأمعنوه في السرقة والاحتيال والمتاجرة بالفقراء، ونهبوا الثروات وكدّسوها في الخزائن والبنوك العالمية. وكانت النتيجة الحتمية: أنه يموت طفل كل أربع دقائق من الجوع، بينما أصبح نصيب كل فرد على الكرة الأرضية من أسلحة الدمار أربعة أطنان. فعدم الأمانة زاد من الجوع والدمار وقلل من الشبع والاستقرار. ويبقى السؤال الحائر:
أما الرجل الأمين فمن يجده؟!
ما هي الأمانة؟
فضيلة سامية وكلمة جميلة، تحمل عدة معانٍ رائعة؛ فهي تعني الإخلاص والوفاء، وأيضًا تعني: "ما هو طبق الأصل"؛ أو من كان خارجه يشبه داخله. بل والرائع أن كلمة مؤمن هي نفسها كلمة أمين faithful. نعم، فإن المؤمن والأمين هما وجهان لعملة واحدة.
الأمين الأعظم
بينما مر على البشرية آلاف من غير الأمناء قال عنهم المسيح: "هم سرّاق ولصوص" (يوحنا 8:10)، جاء الرب يسوع المسيح الذي برهن بحياة رائعة عن أنه بحق الشاهد الأمين، فمجّد الله الآب، بل وكان بحياته الأمينة بركة وخلاصًا للبشرية.
كيف؟!
1- "حال كونه أمينًا للذي أقامه" (عبرانيين 3:2)؛ عمل المسيح كل شيء لمجد الآب الذي أرسله، حتى أنه قال: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي ارسلني" (يوحنا 34:4).
2- كل أقواله أمانة، فلم يتكلم إلا بالحق، وجاء ليشهد للحق، فلاق به أن يسبق كلامه بالقول: "الحق الحق أقول لكم".
3- تطابق كلامه مع أفعاله: "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به" (أعمال 1:1).
4- أمين... لا ولن يتغير في أمانته: "إن كنا غير أمناء فهو يبقى أمينًا لن يقدر أن ينكر نفسه" (2تيموثاوس 13:2).
وإذ عاش المسيح أمينًا، استطاع أن يتمم المهمة بنجاح؛ أعني مجد الآب وخلاص الإنسان، فقال للآب: "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته" (يوحنا 4:17).
أشجعك، قارئي العزيز، أن تثق في شخص المسيح الأمين، بل وتتمثّل به، فكما سلك ذاك ينبغي أن نسلك نحن أيضًا.
مجالات الأمانة
أولاً: أمانة مع الله
في عمل الله: فحينما يشرّفني الرب بعمل أو بخدمة لأقوم بها في كرمه، يجب أن أتممها "بأمانة" وبعزم القلب، وأيضًا لمجده. فملعون من يعمل عمل الرب برخاء؛ أي بتهاون. وما أروع شهادة الله عن موسى الخادم قائلاً: "وأما عبدي موسى... هو أمين في كل بيتي" (عدد 7:12).
الأمانة لله حتى الموت: يشجع الرب مؤمني كنيسة سميرنا المضطهدين بالقول: "كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 10:2). أوَلم يظل استفانوس "أمينًا" في شهادته للرب حتى رجمه الأشرار وهو يقول: "أيها الرب يسوع اقبل روحي" (أعمال 59:7).
فيما أوكلني الله عليه: أعطى الله لكل منا بعض الإمكانيات والوزنات، وهي "أمانة" أوكلني الرب وإياك عليها لنستثمرها لمجده... وسيأتي يوم ويقدم كل منا حسابًا عن كل هذه! "ثم يُسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أمينًا" (1كورنثوس 2:4).
أحبائي، هل نحن أمناء مع الله في ولائنا له، وأيضًا في ما أوكلنا عليه؟! "لأن ليس أحد منا يعيش لذاته ولا أحد يموت لذاته... فإن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رومية 7:14). وهذه هي الأمانة بعينها.
ثانيًا: الحياة السرية الداخلية
إن أحد أروع ألقاب إلهنا هو: "الأمين"، "فهو أمين وعادل" (ذيوحنا 9:1)، و"أمين هو الله" (2كورنثوس 18:1).
وبالولادة الجديدة من الله نصبح شركاء الطبيعة الإلهية، وأيضًا "مشابهين صورة ابنه"، فيصبح داخلي وأعماقي مسيحيًا وأمينًا بحق في النواحي الآتية:
ضميري: الضمير هو الميزان الداخلي للإنسان، للتمييز بين الخير والشر. لكن الضمير البعيد عن الله فاسد أو موسوم، أي بلا إحساس، فلا ضابط له أو رابط. بينما المؤمن الحقيقي يجب أن يكون له ضمير صالح، وطاهر، وبلا عثرة. فيقول بولس: "لنا ضمير صالح، راغبين أن نتصرف حسنًا في كل شيء" (عبرانيين 18:3).
كلامي: الأمين لا يكذب ولا يشوه الحقيقة بكلمة، بل شعاره: "أقول الصدق في المسيح لا أكذب" (رومية 1:9). نعم، لا يوافق الأمين أن يبالغ أو يزايد في كلامه، رغبة منه في الحظوة بإعجاب من حوله، لكنه يقول فقط الصدق والحق.
جسدي وكياني: من الأمانة عليّ أن أعطي الله حقه في جسدي: "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كورنثوس 15:6)، فالله لم يعطني عقلاً أو عينًا أو يدين لأنفقها وأستهلكها في الشهوات أو حتى في التسليات، بل لأقدمها آلات بر لله. ليساعدنا الرب أن نكون أمناء في أجسادنا التي ليست لنا.
روحي وجسمي، سيدي، أمانة
أوكلتني بأن أصونها لكَ
أرَدتني بأن أكون طاهرًا
مخصصًا مكرّسًا لشخصكَ
نداء العالم قويّ قوّني
كي أنكر النفس وأحيا ملككَ
عزيزي، يقول الكتاب المقدس: "الرجل الأمين كثير البركات" (أمثال 20:27). فهل تطلب معونة وملء وقوة الروح القدس فتكون بحق "أمينًا" للذي أقامك.
تأمل في أية شخصية، كتابية كانت أم تاريخية، مجّدت الله، وأسعدت من حولها، وأصبح لها سمعة طيبة، فتجد أن الأمانة كانت كامنة وراءها. والعكس صحيح، فمن داسوا الأمانة أتعسوا شعوبهم وأهانوا خالقهم، وانتهى بهم المآل إلى بئس المصير.