آب Agust 2012
كمسيحيين، نصاب أحيانا بالفتور والضعف الروحي ليس بسبب الأجواء والظروف من حولنا، أو لعدم استجابة الرب لصلواتنا وطلباتنا، ولكن بسبب فقدان شهيتنا لكلمة الرب. هذا الداء الذي أضعف الكثيرين وجعل حياتهم هزيلة وغير مثمرة... تفتقر إلى البركة والقوة؛ الأمر الذي علينا محاربته واجتثاث مسبباته عن طريق رجوعنا إلى الأساسيات والمبادئ الأولى وهي عدم إهمال كلمة الرب في حياتنا اليومية.
أولاً: يجب علينا أن نقرأ كلمة الله
هذه وصفة رائعة للنجاح. الإنسان بطبيعته يطمح دوما أن يكون ناجحا في جميع ما يصنع. وبحسب كلمة الرب في مزمور 1 يعطينا وصفة مركزة لكي نكتشف سر النجاح الحقيقي:
طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ. لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً. فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.
مثال آخر للنجاح نجده في حياة يشوع بن نون عندما أوصى الرب يشوع بعد موت موسى أن يقود الشعب القديم. لقد أخذ يشوع الوعد من الرب: "كل ما تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته" وطمأنه الرب بأنه سيكون معه كما كان مع موسى. لكن أول وصية قالها الرب ليشوع كي يصبح قائدا ناجحا ويتغلب على كل الصعوبات التي واجهته هي لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ.
بالطبع سيكون هناك عراقيل ومعطلات تبعدنا عن كلمة الله، وبالدرجة الأولى الخطية. قال مودي رجل الله: "إن الخطية تبعدنا عن الكتاب المقدس، وإن الكتاب المقدس يبعدنا عن الخطية."
عندما نقرأ كلمة الله، لا بدّ للكلمة أن تغيرنا وتعمل فينا عمل الله. يصف الكتاب المقدس لنا كلمة الرب بعدة أوصاف. فمثلا يشبهها بـِ:
الماء: فلا نظافة ولا طهارة بدون الماء. أفسس 5: 25-27 أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ.
النار: النار تنقينا وتلمعنا. إرميا 29:23 أَلَيْسَتْ هكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ الرَّبُّ
المطرقة: المطرقة تعلمنا وتنصحنا وترشدنا. إرميا 29:23 أَلَيْسَتْ هكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وكمطرقة تحطم الصخر.
الخبز: الخبز يعطي الحياة ويجعلنا ننمو ونكبر. تثنية 8: 3 فَأَذَلَّكَ وَأَجَاعَكَ وَأَطْعَمَكَ الْمَنَّ الَّذِي لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُهُ وَلاَ عَرَفَهُ آبَاؤُكَ، لِكَيْ يُعَلِّمَكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الرَّبِّ يَحْيَا الإِنْسَانُ.
ليس فقط علينا أن نقرأ كلمة الرب...
ثانيا: يجب علينا أن نسمع كلمة الله
كان يسوع في خدمته يقول مرارا وتكرارا أن من له أذن للسمع، فليسمع. شدد كثيرا على أهمية السمع. والسمع بالطبع هو ليس فقط أن نسمع بل نصغي أيضا ونتجاوب مع ما نسمع.
ففي جبل التجلي جاء الصوت من السماء قائلا: هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا.
أوصانا يسوع أيضا في يوحنا 5: 24 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. ناهيك عن الموعظة على الجبل عندما شبه الرب يسوع الإنسان الذي يسمع ويعمل بكلامه بالرجل العاقل الحكيم الذي يبني بيته على الصخر.
يقارن الرب أيضا تقديم الذبيحة بالاستماع له في صموئيل 1: 15 هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ.
مثل آخر من العهد القديم على أهمية سماع كلمة الله. إرميا 29:22 يكرر عبارة:
يا أرض يا أرض يا أرض اسمعي كلمة الرب.
ليس فقط علينا أن نقرأ ونسمع كلمة الرب...
ثالثا: يجب علينا أن نحفظ كلمة الله
بالتأكيد، لا يريد الرب منا أن نحفظ كلمته لمجرد الحفظ، لكن أن نطبقها في حياتنا. فما الفائدة من قراءة الكلمة وسماعها وعدم التجاوب معها؟
يقول يوحنا الحبيب في رسالته الأولى التي هي بمثابة عربون ضمان المؤمن الذي يعطيه التأكيد والجزم بأن له حياة أبدية. 1 يوحنا 2: 3-5 وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ: «قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ.
مزمور 119: 9 يقدم الطريق للشباب، بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ.
لكن، يجب علينا ألا نكون كالشاب الغني الذي قال هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. وحفظه الوصايا كان نظريا فقط ولم يعمل بها. عندئذٍ قال له يسوع إنه ما يزال يعوزه شيء، ألا وهو محبة القريب. فلو أنه حقًّا حفظ هذه الوصايا، لباع كل مقتنياته ووزّعها على الفقراء. لكنه لم يكن في الواقع يحب قريبه كنفسه. كان يعيش بشكل أناني ومن دون أية محبة حقيقية للآخرين. والدليل على ذلك هو أنه لدى سماعه كلام الرب، حزن لأنه كان غنيًّا جدًّا.
ليس فقط علينا أن نقرأ ونسمع ونحفظ كلمة الرب...
رابعا: يجب علينا أن نزرع كلمة الله
على كل مؤمن في كل مكان وزمان أن يزرع وينشر ويشارك كلمة الله مع الآخرين. هذه وصية كتابية. لماذا؟ رومية 10: 17 لأن الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ.
لقد أوكلنا الرب لنزرع، وأعطانا هذه المسؤولية لا بل الشرف والامتياز أن نزرع كلمة الله في هذه الأرض العطشى. كثيرا ما نحاول أن نعمل عمل الروح القدس ونريد أن نخلص الجميع بكلامنا ومنطقنا وحجتنا. لكن مسؤولية المؤمن الأولى والوحيدة أن يزرع والرب الذي يبكت القلوب ويتوّبها ويرجعها إليه. كما قال بولس في رسالته إلى كورنثوس: بولس غرس وأبولس سقا لكن الله الذي كان ينمي. الله هو المسؤول عن عمله في إحياء القلوب عن طريق كلمته.
لم يعطنا يسوع مثل الزارع في فراغ. أراد أن يعلمنا بأن نكون نحن أيضا زارعين في حياتنا. لأنه مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا.
قد نفشل ونيأس في أثناء زرعنا ولا نرى الثمر. كان الرب يسوع زارعًا ولم ينجح في كل ما زرعه. وكذلك نحن أيضا. نزرع شيئا في الطريق فتأكله الطيور ويدوسه الناس. ونزرع شيئا على الصخر حيث لا يوجد مكان للجذور. وربما نزرع شيئا بين الشوك فينمو قليلا ويموت. ولكن لا بد أن يسقط شيئ ما ولو كان صغيرا على أرض جيدة فتأتي بثمر. مهما كان تنوع التربة، اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ.