أيلول - تشرين الأول Sep - Oct 2012
لست أقصد بذلك أن تفقد ذاكرتك أو أن تصبح ضعيف الذاكرة،
لا سمح الله! فقدان الذاكرة مصيبة وبلوى لا تعوّض، وضعف
الذاكرة خسارة لا تعوّض. لكن، لا أحد ينكر أن في ذاكرة المرء أو في قلبه أمورًا
مختزنة - لخيره هو قبل كل شيء – ثم ينساها ويتخلص منها. على أن هذا النسيان المتعمد فنٌّ يحتاج أن يتعلمه المرء أو يتعوّده. وسبيله إليه هو التعقّل، أي تغليب العقل على العاطفة، والتحلي بفضائل النعمة والإيمان بالله، والصبر، وثبات القصد.
هل ترانا نحيا في الماضي الحزين أحيانًا؟
هل تقدم علينا أحد زملائنا أو إخوتنا في العمل فحسدناه على تقدّمه هذا، وأخذت مشاعر الحسد الذميم تعتمل في نفوسنا، وتنهش حياتنا، وتنغص عيشنا، وتهدّ حيلنا؟
هل أساء أحدهم فحقدنا عليه، وما زلنا بين الحين والحين نذكر تلك الإساءة فتُذكي في صدورنا نيران الحقد عليه – المسمم لحياتنا، المستنزف لحيويتنا، والمحطم لأعصابنا؟
لا شيء كالحزن والحقد والحسد يمكن أن يضعف قوى الجسم والعقل والروح جميعًا، فيعكّر صفو الحياة ويقضي على سلام النفس.
إن استعادتنا ذكريات الماضي الحزين، أو احتضاننا الحقد والحسد، أو الرثاء لأنفسنا على خسارة لحقت بنا مهما كان نوعها – هذه الأمور وأمثالها تفعل لنا شيئًا واحدًا: تسمم حاضرنا إذ هي تجعلنا نعيش ثانية تلك الحقبة الأليمة من تاريحنا الماضي. ومثلنا في ذلك مثل إنسان انغرزت في جسمه بالأمس شوكة حادة موجعة وهو اليوم يعمل على تعميق هذه الشوكة وتثبيتها بدلاً من اقتلاعها والتخلص منها ومحو كل أثر لها من جسمه وذاكرته.
ورب معترض على كلامي يقول: "ولكن هذا مجرد كلام. والكلام هين. والعبرة بالفعل والتطبيق"! فأجيب: "صحيح إن الكلام أسهل من الفعل، وأن هذا النوع من النسيان ليس بالأمر الهين، لكنه مستطاع! أجل، مستطاع من خلال نعمة الفادي العاملة في القلب، ولنذكر أن من استطاع التحكم في عواطفه بتعقله الواعي القائم على إيمانه بالرب يسوع المسيح فقد أحرز انتصارًا من أعظم انتصاراته في الحياة، وذلك من دلائل العظمة الحقة، والعظيم هو ذو العقل الراجح.
على أي حال، إنه يرتفع دائمًا فوق هذه الصغائر، فلا يحمِّل نفسه فوق طاقتها، ولا يسمح لمنغصات ماضيه أن تفسد عليه حاضره، فقد تعلم أن ينسى كلاً من تلك الأمور في حينه.
هذا النوع من النسيان فضيلة، فلنتعلمه ونمارسه ونطبقه في حياتنا اليومية. ونتعلم أن ننسى، ونغفر لمن أساء إلينا وظلمنا.