تشرين الثاني November 2012
"لأنكم تحتاجون إلى الصبر". (عبرانيين 36:10)
حتى متى يا رب لا تنتقم؟
لماذا ينجح الأشرار؟
لماذا تريني إثمًا وقدامي اغتصاب وسحق؟
أسئلة كثيرة تدور في رأس أولاد الله بسبب ضغوط الحياة ومضايقات الأشرار. ويظن البعض أن الرب لا يبالي أو يغفل عن تساؤلاتنا... لكن الواقع أن الأمر ليس كذلك، فالمشكلة فينا وليست في الله. إنها نقص في مادة هامة في داخلنا وفضيلة نحتاج أن نتعلمها ألا وهي الصبر.
ما هو الصبر؟
الصبر كلمة تعني حالة من القدرة على الاحتمال والانتظار بهدوء في وقت الظروف الصعبة.
لماذا نحتاج إلى الصبر؟
1- للاحتمال: زادت الضغوط وكَثُرت التحديات والاستفزازات، ونشعر بأن الضيق فوق الطاقة. يقول الكتاب: "خُذُوا يَا إِخْوَتِي مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ... قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ" (يعقوب 10:5-11)؛ فالصبر يعين على الاحتمال.
2- لانتظار خلاص الرب: "انتظر الرب واصبر له..." (مزمور 7:37). من كلمة الله، نعرف أن صبر المسيحي ليس نوعًا من الاستسلام أو القَدَريّة، لكنه يقين أن هناك حلاً إلهيًا لا بُدّ أن يعمله الرب: "وَلكِنَّنِي أُرَاقِبُ الرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلهِي" (ميخا 7:7). لذلك ونحن ننتظر الرب، نحن في حاجة شديدة إلى الصبر.
انتظري الرب يا نفسي يسوع قريب
يميل إليكِ ويسمعكِ كذاك يجيب
3- لحفظنا من مخاطر الاندفاع: "أما الصبر فليكن له عمل تام" (يعقوب 4:1). لم يكن شاول الملك لديه صبر، ولم ينتظر صموئيل، فاندفع وقدّم الذبيحة، وكان هذا من اختصاص صموئيل فقط، فكانت النتيجة قضاء إلهيًا: "مملكتك لا تقوم" (1صموئيل 14:13).
أعظم الصابرين
من هو أعظم صابر عرفه التاريخ؟
أعتقد أن البعض يقول: أيوب، والكتاب يقول: "قد سمعتم بصبر أيوب". نعم، إن أيوب من أروع الصابرين، لكن أعظم الصابرين هو المسيح: "صبر المسيح" (2تسالونيكي 5:3). كيف كان المسيح صابرًا؟ بالاحتمال والانتظار.
1- في حياته على الأرض: "الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل" (1بطرس 23:2).
2- وصبره الآن في السماء: "مُنْتَظِرًا بَعْدَ ذلِكَ حَتَّى تُوضَعَ أَعْدَاؤُهُ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْهِ" (عبرانيين 13:10).
نعم، احتمل الصليب مُكَمِّلاً الفداء. وما زال صابرًا وهو يُهان كل يوم من الأشرار، منتظرًا يوم ظهوره وسيادته على الجميع. ألا نصبر نحن أيضًا معه ومثله؟ "وَالرَّبُّ يَهْدِي قُلُوبَكُمْ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ، وَإِلَى صَبْرِ الْمَسِيحِ" (2تسالونيكي 5:3).
أيوب الصابر
(يمكن الرجوع للقصة في سفر أيوب)
لا توجد شخصية في التاريخ كله تجمّع عليها هذا المقدار من الكوارث كأيوب، ففي يوم واحد مات أولاده كلهم، ونُهبت مواشيه، وفقد صحته! فما أروع ما خرج من فم هذا الصابر البطل: "كل أيام جهادي أصبر إلى أن يأتي بَدَلي" (أيوب 14:14). إنني صابر حتى يحين الوقت الذي فيه سأتغيّر تمامًا وأرى الله. "الذي أراه أنا لنفسي". صحيح أن أيوب تعرض لنوبات من الفشل والانحناء، لكن بمعونة القدير تمت فيه الكلمات الحلوة: "قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يعقوب 11:5).
كيفية الحصول على الصبر
التدريب في مدرسة الله اليومية
من خلال التدريبات الإلهية بواسطة الآلام والضغوط: "إن الضيق ينشئ صبرًا" (رومية 3:5)، وأيضًا "عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبرًا..." (يعقوب 3:1). يسمح لنا الرب بضغوط متنوّعة، ومن خلالها يعلّمنا ويدرّبنا على الصبر؛ فموسى خرج من قصر فرعون متعجرفًا لا يعرف الصبر ولا الاحتمال، لكنه خرج بعد أربعين سنة من مدرسة الله في البرية "حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (عدد 3:12).
التزوّد بإمكانيات الله كل يوم
"مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ" (كولوسي 11:1)؛ فالظروف أقوى من ضعف طبيعتنا البشرية، والصبر ليس من سمات الإنسان الطبيعية. لذلك يصلّي بولس لأجل المؤمنين ليتقوّوا بكل قوة من الله، بمقياس عظمته الفائقة. وهذه القوة تولّد في المؤمنين صبرًا بل طول أناة مُغلّفًا بالفرح. هذا ما اختبره يوسف في تجربته التي استمرت قرابة الثلاثة عشر عامًا: "وَلكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ، مِنَ الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ" (تكوين 24:49).
البركات التي يحصدها المؤمن الصابر
بينما تُثني كلمة الله على الشخص الصبور، تُبرز مساوئ المتضجر والمندفع؛ فيقول الحكيم: "لاَ تَسْتَصْحِبْ غَضُوبًا، وَمَعَ رَجُل سَاخِطٍ لاَ تَجِيءْ، لِئَلاَّ تَأْلَفَ طُرُقَهُ" (أمثال 24:22-25)، "اَلسُّكْنَى فِي أَرْضٍ بَرِّيَّةٍ خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ مُخَاصِمَةٍ حَرِدَةٍ (سريعة الغضب)" (أمثال 19:21).
1- المؤمن الصبور شريك للمسيح في آلامه: "أَنَا يُوحَنَّا أَخُوكُمْ وَشَرِيكُكُمْ فِي الضِّيقَةِ وَفِي مَلَكُوتِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَصَبْرِهِ" (رؤيا 9:1).
2- الحفظ الإلهي: "لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ" (رؤيا 10:3).
3- نملك أيضًا معه: "إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ" (2تيموثاوس 12:2).
4- يكون لنا رجاء: "حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية 4:15).
5- الثمر: "الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ فَيَحْفَظُونَهَا فِي قَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، وَيُثْمِرُونَ بِالصَّبْرِ" (لوقا 15:8).
نصيحة إلهية
أخيرًا أحبائي، نحن في حاجة شديدة للصبر. وتقدِّم لنا كلمة الله نصيحتين في غاية الأهمية:
أولاً: دعونا "نُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا" (عبرانيين 1:12).
وثانيًا: دعونا نتحلّى بالصبر لبركة وفائدة أنفسنا. "بصبركم اقتنوا أنفسكم" (لوقا 19:21).
قال المرنم مصلّيًا:
سلّمت أمري في يديك وإنني راضٍ وصابر
راضٍ بما يُرضيك، ربي مخلّصي، راضٍ وشاكر