Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2012

الدكتور صموئيل عبد الشهيد"لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (متى 21:7-23).
يا لها من عبارات صاعقة يطلقها المسيح كصواريخ مدمّرة تنقُضُ مظاهر الحياة المسيحية الخالية من الحق الإلهي! وما أكثر المنافقين من أدعياء المسيحيين الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف الدينية بلا استثناء، شرقية كانت أم غربية. فالنفاق الديني ظاهرة في كل الأديان ندّد بها المسيح في زمانه عندما عاين مراءاة الفريسيين والكهنة، بل رؤساء الدين المتزعّمين مجلس السنهدريم. ولم يتردد لحظة واحدة في مجابهتهم بل دعاهم بأولاد الأفاعي، وتوعّدهم بمصير أبدي رهيب. لم ينظر المسيح إلى الأزياء الدينية الخارجية، بل نفذ بباصرتيه إلى الحقيقة الدفينة في ظلمات السرائر التي ظنوا أنها تَخفى عن الله.

مظاهر النفاق الديني

 

أولاً: النفاق في الأقوال والتصرفات

من الملاحظ أن هؤلاء الأدعياء يحاولون أن يحافظوا على المظاهر الدينية  الخارجية في أقوالهم، وتصرفاتهم ولا سيما أمام الناس. هم يتقنّعون في ثياب الحملان ولكنهم في حقيقتهم ذئاب خاطفة. قد يستخدمون المصطلحات الدينية السليمة التي يستخدمها المؤمنون الحقيقيون، ويتلون قانون الإيمان الرسولي، ويسهمون في الخدمات الدينية من غير أن يكونوا حقًا يعيشونها أو يمارسونها عن أصالة. مثل هؤلاء الأفراد نجدهم أعضاء في كنائس إنجيلية وغير إنجيلية. وقد ندّد المسيح بالبر الذاتي الذي يفاخر فيه المنافقون. وعندما ذكر المسيح قصة الفريسي والعشار، كان يشير إلى مثل هذا البرّ الذي ادّعاه  الفريسي وهو أبعد ما يكون عن البِرّ والصلاح. إن المسيح لا يكترث بالمظاهر الخارجية المفعمة بالنفاق، إنما يبتغي نفوسًا صدقت في إيمانها وجسّدت تعاليمه في حياتها، وحملت سمات الصليب في شهادتها.
يمكن لمثل هذه المظاهر أن تخدعنا ولفترة طويلة، ولكنها تعجز عن خداع الله، ولا بدّ في ذلك اليوم الذي نقف فيه وجهًا لوجه أمام كرسي الدينونة أن ينكشف القناع عن جذور الشر الكامنة في حياة المدّعين، ويماط اللثام عن الواقع المزري الذي يعيشه المنافق، علانية. فما كان خفيًا، يظهر كالشمس في رابعة النهار ويقع تحت طائلة دينونة الله. وكما أشار نوكس في ترجمته لعدد 23 "أنتم لستم أصدقائي، فاذهبوا عني أنتم الذين سلكتم في طريق الأعمال الخاطئة".

ثانيًا، النفاق في المواقف

يقيّم الله أيضًا مواقف الإنسان ويحاسبه عليها. فالمنافق عادة ذو وجهين يناقض أحدهما الآخر، وتلعب المصالح الشخصية دورًا كبيرًا في اختياراته ونواياه. فما يكنّه في قلبه يختلف كليًّا عما يتظاهر به! كما ترتسم الابتسامة الكاذبة على شفتيه لدى لقائه بأحد معارفه بينما يكون قلبه مفعمًا بالكراهية والحقد له. وكما يقول الشاعر:
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ
فكما أن هناك نفاق اجتماعي فهناك أيضًا نفاق روحي. وفي معظم الأحيان يجتمع النفاقان معًا في وحدة عضوية لها خطرها الرهيب على حياة المنافق وحياة الضحية. لا تخفى مثل هذه المواقف على الله، بل تمقتها نفسه، ويسخط على مرتكبيها. لو نافق الله الإنسان أو مكر به لما عاد إلهًا، بل تحوّل إلى شيطان رجيم يضمر الحقد والضغينة للإنسان ويتنكَّر لمحبته وعدله وبره. يريد الرب من المؤمنين أن يكونوا أنقياء القلب لأنه "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (متى 8:5). والنقيّ القلب له مواقف ثابتة مجرّدة من الأنانية تعكس بحق ما يخالج ضميره من أفكار ونوايا. لا يشوب هذه المواقف أي شك وتخلو من كل مكر وخبث. إن المؤمن الحقيقي لا يعرف النفاق والمراءاة لأنه يعلم تمام العلم أن الله مطَّلع على كل ما يتآمر به قلب الإنسان.

ثالثًا، مخادعة الضمير

إن المنافق يبرع جدًا في مخادعة الضمير أو تخديره. فهو يخضعه لمصالحه وأهوائه ويعبث به من غير وازع أو خوف. وكثيرًا ما يتظاهر أمام الناس بأنه لا يمكن أن يتمرّد على دواعي الضمير ويذعن لروادعه. والحقيقة أن الله قد خلق الضمير في الإنسان ليكون منخسًا، كما يقول جون فيلبس في شرحه لرسالة بولس الرسول لأهل رومية. ولكن هذا الضمير عرضة للتخدير أو الإسكات. ولكي يكون الضمير فعّالاً عليه أن يكون منقادًا بقوة الروح القدس، عندئذ يكون قادرًا على الإرشاد. ولكن من حيث أن المنافق قد أسكت أو خدّر يقظة الضمير، فإنه أصبح عاجزًا عن النخس أو الإرشاد. وهذه هي مشكلة مفزعة لا يرضى بها المؤمن الحقيقي. إن الضمير هو أداة من أدوات التبكيت التي يستخدمها الروح القدس عندما يُقدِم المؤمن على ارتكاب خطأ ما أو يتعدّى على وصية الله. ولكن من دون عمل الروح القدس في حياة الإنسان فإن الضمير يصبح خاضعًا لتقلّبات الظروف ونزوات صاحبه. وفي كثير من الأحيان يستغني المنافق عن الضمير ويلقي به في سلة المهملات.
إن من أخطر الأمور عندما يُقنع المنافق الآخرين أنه ذو ضمير حيّ، ولا يرضى أن يخالف تأثيره على حياته، لأن النتائج التي يُسفر عنها هذا الخداع تكون دائمًا وخيمة العواقب، وتظل آثارها باقية على المدى البعيد. ومن المؤلم حقًا عندما يكون المنافقون من المسؤولين في قيادة الكنيسة لأنهم يصمون سمعتها بوصمة عار يتعذّر محوها من تاريخها. إنهم أشبه بالسراب الذي يتراءى من بعيد وكأنه مياه متماوجة في الصحراء، ولكنه في الواقع هو جزء من خداع البصر.
عندما يذعن الضمير لسلطة إبليس فإنه يفعل مشيئة سيده ويتحوّل من أداة وظيفتها التبكيت أو النخس - كما شاء الله أن تكون - إلى أداة شرٍ أو قوة فقدت فعاليتها. ومن ثم تطغى القسوة والحقد على صاحبه مهما تظاهر بالنفاق وبدا في أعين الناس مثالاً للدعة والمحبة.
إن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يكون منافقًا لأنه بحكم خضوعه لعمل الروح القدس في حياته يلتهب قلبه بشعلة مقدسة ويثور عليه ضميره عندما يقترف ما لا يرضي الله.

إدانة المنافق


يدين الله المنافق وفقًا لمقاييسه الإلهية التي تقوم على تقييمه سلوك المنافق، وشخصيته وأعماله. نحن نعلم أن الخلاص هو بالإيمان، ولكن الدينونة مبنية على ما ارتكبه المنافق من أعمال، لأن هذه الأعمال هي نتيجة ما يعتنقه من إيمان. فإن كان إيمانه مجرد نفاق ظاهري فإن أعماله مهما كانت تبدو صالحة فإنها لا تساوي شيئًا في نظر الله. وموقف الله من المنافق هو موقف عدل وحق. لا يمكن لله أن يظلم أحدًا أو يتجنّى عليه. فالله دائمًا يأخذ بعين الاعتبار أسباب هذا النفاق والنتائج التي أسفر عنها مما يسيء إلى الله، وإلى نفس المنافق وإلى الآخرين. والواقع أن معظم المنافقين هم من المطَََّّّّّّّّّّلعين على تعليم الكتاب المقدس، وواعين لنصوصه، وقادرين على التمييز بين الحق والباطل. لذلك تكون دينونتهم أعظم وأرهب من الجهال والوثنيين، لأن المطَّلعين على إرادة الله وتعاليم الكتاب أُتيحت لهم الفرص لكي يكونوا على معرفة أمينة للإرادة الإلهية وقيمها.
شرّع الله الناموس قديمًا لليهود، وتلقّنوا تعاليمه، وأدركوا ما هي مطاليب الله منهم، لذلك حاسبهم طبقًا لسُنُنِ الناموس. ومن هنا، اكتظت أسفار العهد القديم بالوعيد والتهديد لتعدّي الشعب اليهودي على شرائع الله واستخفافهم بها. ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية: "لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ. وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ. لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ" (12:2-13). وينطبق هذا القانون عينه على المسيحيين الذين توافر لديهم الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، فإن من سمع وعمل واختبر نعمة المسيح هو مبرّر بالإيمان. أما السمع من غير العمل به، فهو مرفوض أمام الله.
وأخيرًا، يحذّر المسيح المؤمنين من النفاق بقوله: "فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ" (متى 2:6). "وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ" (متى 5:6). "وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ... لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ" (متى 16:6).
قارئي العزيز: إن النفاق مكرهة للرب ولا يحبّذ المنافقين، فاحذر من غواية الشيطان وعش بأصالة الإيمان.

المجموعة: تشرين الثاني November 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

256 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10471599