تشرين الثاني November 2012
إن موهبة القيادة أَمر مُعطى، أَي إنها من سمات الشخصية بالولادة، وإن كنا على هذا الرأْي، نحن نقر بفضل الرب ونعمته على كل مدعو لخدمته، ونشكر الله لأَنه وهبنا قائدًا روحيًّا خدم كنيسة المسيح بأَمانة، نعني به القس فواز عميش.
إن أَفضل هبات الله إلى كنيسته هي الخدام القديسون الأَفاضل لأَنهم مناراتٌ تساعد الذين يشتركون في المسيرة أَن يتبينوا الهدف الأَسمى باستمرار، ويواصلوا سعيهم للوصول إليه.
كلام سديد أَن أَصف القس فواز عميش بأَنه "رجل كنيسة"، على وزن المصطلح اللقب "رجل دولة" statesman، الذي يُطلق على حكماء الأُمة ذوي البصيرة، العاملين على حل أَزماتها، وتوطيد أَركانها ووَحدتها، ووضع أُسس سؤددِها وفلاحها. إن الذي يحمل لقب "رجل الكنيسة" لا يكون ضيّق الأُفق، وقصير البصر، فيهتم "بنصيب" من القطيع فحسب، بل يهتم بسلامة القطيع كله (1بطرس 1:5-3)، ويحسب في خدمته حسابه. لقد خدم القس فواز جسد المسيح برمته في الشرق الأَوسط، لا عضوًا واحدًا منه. كانت دائرته واسعة تستوعب، شأْن الكبار.
عندما الكنيسة الإنجيلية، بتنوع روافدها، في الأُردن الشقيق، يذيع صيتُها لعقود على أَنها كنيسة المحبة الأَخوية والشركة الإيثارية تبرز أَسماء ثلاثة كسبب لهذه البركة: القس روي وتمن، والقس جريس دله، والقس فواز عميش، والأَبرز بينهم في العمل لترسيخ هذا الواقع الرائع هو القس فواز عميش.
كان القس فواز قائدًا بالقدوة. لم يكن يفرض رأْيه، ولكنه كان يشرح رأْيه بإقناع، ثم يمتطي جواده وينطلق. وكان من لا يقتنع يعود ويلحق به، أَحيانًا لا لأَنه اقتنع، بل لأَنه يثق بدوافع هذا القائد النقي الطويَّة.
أَن نتطلع حولَنا ولا نجد في مجتمعِنا قادةً نتطلع إليهم كمثل أَعلى، سوى نُدرة، لَدليلٌ على عقمٍ عواقبُه وخيمة على مستقبلنا. فمجتمع كنسي لا يبرز فيه على التوالي أَمثلة عليا، تقل فيه التقوى والروحانية والتكريس، فيؤول مصيرُه إلى الزوال. كان القس فواز مثلاً أَعلى لكثيرين، ومنهم المتكلم. كثَّر الله بيننا الأَمثلة العليا وأَدامهم بركة في وسط الكنائس. لا نتشاءم.
القائد المسيحي، على مثال القس فواز عميش، يكون رجلَ الكتاب المقدس، يكون رجلَ الدعوة العليا، يكون رجلَ القداسة، يكون رجلَ المنبر، يكون رجلَ التضحية والتكريس، يكون رجلَ الإلفة والمحبة والتعاون، يكون رجلَ الجمع لا التفرقة، يكون الرجلَ السفير ليسوع المسيح ... يكون هذه كلَّها أَو لا يكون!
يُعرف القائد المثال ويُجلّ بهمومه: الأبوة الصالحة لعائلته، بنيان الكنيسة، وعظ الكتاب وعظًا تفسيريًّا، إنعاش روح التسبيح، تنمية الصداقة الشريفة، شد أَواصر المحبة بين مختلف الكنائس وبين خدام الإنجيل على تنوّع طوائفهم، ترسيخ الشركة بين الكنائس المعمدانية في الشرق الأَوسط، المحافظة على مسيرة المؤسسات وبأَمانة للرسالة الأَساسية، تلك كانت الهموم التي تُشغل القس فواز.
يعرف أُصول شرف الزمالة وآدابها
القائد المثال يعرف أُصول شرف الزمالة وآدابها، فيكون ضنينا بأْن تُنتهكَ حرمةُ سمعة زملائه في خدمة الإنجيل وتلوكَها الأَلسنُ بالسوء، عن حق كان أَم عن باطل. فسمعة جميع خدام الكلمة عنده مشتركة، فالسمعة الحسنة تنسحب على الجميع، وكذلك السيئة. لذلك يردد كل قائد نبيل العبارة: "أَنا حارس لأَخي" (تك 9:4) بإصرار ومسؤولية.
تتصف آداب الزمالة في خدمة الإنجيل بالروح الرسولية وبروح الفروسية. وهذا يعني الستر عند الزلة، والمغفرة عند الإساءة، والإصلاح في التأْديب، ثم كتم السر، والدفاع عن المظلوم، ومواقف النجدة والمروءة، والفرح لنجاح الغير، وعدم الشماتة عند سقوط الآخر، بل إبداء الرحمة، ولأَن جميع القادة يُخطئون... طوبى للرحماء، فإنهم عندما يُخطئون يُرحمون! كان القس فواز يعرف آداب شرف الزمالة ومدرسةً فيها.
القائد المثال بهجة لإخوته القادة، فهو يؤنسهم، ويشجعهم، ويسندهم، ويحس بأَلمهم، وينخرط بمعاناتهم، ويصلي لأَجلهم، ويقدر إنجازاتِهم، ويحفظ مآثرهم، وينادي بالاقتداء بهم. القائد المثال ذكره للبركة، أَكان على هذا الشاطئ من الوجود، أَم على الشاطئ المقابل.
يجسد القائد المثال المبدأَ الذي وضعه الرب يسوع: القائد لا ليُخدَمَ، بل ليخدِم غيره، ويبذل نفسه في سبيل من يخدمهم. يخدم القائد المثال ولا يطلب لقاء تعبه مكافأَة. هو لا ينتظر مقابلاً لأَنه تلقَّى المسيح هبة، ويخدمه في الناس امتنانًا لفضله. أَنطلب أَجرًا ومكافأَة وقد أُولينا ذروة الشرف والكرامة بأَن نُحسَب في سلسلة خدام الله التي رأْس حلقاتها يسوع بذاته؟
القائد المثال هو الذي كلما ازدادت ثقة شعبه به لا يستغل هذه الثقة لتحقيق مآربه الخاصة، بل يزداد إخلاصًا وتفانيًا في خدمة شعبه. ثقة الشعب وقود يدفع القائد إلى التعالي الأَدبي والنزاهة القصوى في كل سلوك، وإلاَّ كان هذا الوقود لهيبًا يحرقه ويلاشيه.
تجد نفسك مدفوعًا للوقوف عندما يحضر القائد المثال، احترامًا وتهيُّبًا، لاعتقادك أَن المسيح فيه. فالرجال الذين لهم قامة في المسيح ووزنُ، يعرفون قدر الذين لهم قامةٌ فيه ووزنُ!
حديثك عن القادة شديدُ البياض! قد يُقال. ولماذا السواد؟ أَلا يكفي منتحلو الصفة ما يُثيرونه من الغبار الرمادي القاتم الخانق؟ نحن هنا الآن في مجال النقاء، فالقائد الذي نحتفي بذكراه دليلنا إلى نصاعة الكف، والسيرة، والسريرة.
لمَّا صعد القس فواز عميش إلى المركبة النورانية لم يسقط المشعل من يده إلى الأَرض، فقد التقطه ليتابع المسيرة كثيرون!