تشرين الثاني November 2012
قد يتساءل البعض: هل من المعقول أن الله الذي هو إله المحبة يبغض أمورًا معينة؟
وللجواب نقول: نعم، إن الله يبغض بعض الأمور، والتي هي من نتائج الخطيّة التي تستعبد الإنسان. وكما هو معلوم فإن الله يكره الخطيّة وكل ما هو شرير وفاسد. ولهذا أصبحت الخطيّة تفصل بين الله والإنسان. تقول كلمة الله بكل وضوح: "بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" (إشعياء 2:59).
أما الأمور التي يبغضها الله فقد لخصها سليمان الحكيم بسبعة أمور وهي: "هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة نفسه. عيون متعالية لسان كاذب، أيدٍ سافكة دمًا بريئًا. قلب ينشئ أفكارًا رديّة. أرجل سريعة الجريان إلى السوء. شاهد زور يفوه بالأكاذيب، وزارع خصومات بين إخوة" (أمثال 16:6-19).
يؤكد سليمان الحكيم أن هذه السبعة أمور يكرهها الله تعالى نفسه، وهي تشتمل على كل خطايا الإنسان وأفعاله الشريرة إنها تشير إلى علامات الإنسان السيّئ الخلق، الإنسان الشرير. والأمر الملفت للانتباه أن الله وليس الإنسان، هو الذي يحدد هذه الأمور السبعة. وهي التي تغطي حواس الإنسان الخارجية والباطنية منها: العينان، واللسان، واليدان، والقلب (الفكر)، والرجلان.
أولاً: عيون متعالية
أي العيون التي يتملكها الكبرياء والتعجرف، فيدّعي المرء أنه أعلى مرتبة من غيره وأفضل منه. إن خطية التكبّر هي من أعظم الخطايا المقيتة عند الله. كتب النبي داود في المزامير قائلاً: "مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله" (5:101 ب). ولنلاحظ أن صاحب المزمور ربط بين مستكبر العين ومنتفخ القلب. وقد قال الرب يسوع المسيح: "سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّرًا" (متى 22:6). وهذا يؤكد على أهمية حفظ العين، وضرورة الابتعاد عن كل تعالٍ وكبرياء.
ثانيًا: اللسان الكاذب
إن الله يكره الكذب، ليس لأنه يؤدي إلى عواقب وخيمة، ويؤذي الآخرين فحسب، بل لأنه يعبّر عن حقيقة الإنسان الخاطئة. وكان أول شيء فعله إبليس هو أنه كذب على أمّنا حواء. ووصفه المسيح بأنه "كذاب وأبو الكذاب". أما الرسول يعقوب فقد وصف اللسان بأنه: "نار. عالم الإثم. هكذا جُعل في أعضائنا اللسان الذي يدنّس الجسم كله ويُضرم دائرة الكون ويُضرَم من جهنّم" (يعقوب 6:3). وهذا تأكيد آخر على خطورة الكذب على حياتنا. لقد دعانا الله أن ننطق بالصدق والصدق فقط، "لذلك اطرحوا عنكم الكذب وتكلّموا بالصدق كل واحد مع قريبه. لأننا بعضنا أعضاء البعض" (أفسس 25:4).
ثالثًا: أيد سافكة دمًا بريئًا
إن الإنسان الذي يقتل إنسانًا بريئًا، هو وحش وليس إنسانًا إذ لا يحق لأحد أن يمد يده على إنسان آخر، وأن يعتدي عليه ويقتله. لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، فكيف يجرؤ الإنسان على قتله؟ ألم يكره الله قايين عندما قتل أخاه هابيل. ولهذا أتت الوصية في القديم القائلة: "لا تقتل". لا بل إن الرب يسوع المسيح قد حذّرنا حتى من الغضب على أخوتنا باطلاً. ولقد دعانا الله إلى المحبة، لأنه هو محبة، ويريدنا أن نتحلى بصفة المحبة ونحب الآخرين كنفوسنا. والكتاب المقدس مليء بالآيات التي تحث حتى على محبّة الأعداء.
رابعًا: القلب الذي ينشئ أفكارًا رديّة
هل تعلم قارئي أنه من القلب تخرج كل الأفكار الشريرة؟ هذا ما كشفه لنا الرب يسوع المسيح عندما قال: "لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف" (متى 19:15). أي أن كل أفعال الإنسان الشريرة نابعة من القلب (أو الفكر)، فإذا لم يحفظ الإنسان قلبه أي فكره، فلا بد له أن يسقط في خطايا كثيرة. وكما قال المسيح أيضًا: "فإن من فضلة القلب يتكلم الفم. الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات. والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور" (متى 34:12ب-35). فهل ترانا نطلب من الله أن يعطينا قلبًا جديدًا؟
خامسًا: أرجل سريعة الجريان إلى السوء
إنها الأرجل التي تسرع إلى فعل الشر، قبل أن تتروَّى وتفكر مليًّا بالموضوع وتفحصه، ودون النظر إلى عواقب هذا العمل على حياة الإنسان نفسه وعلى الآخرين من حوله. وكم من إنسان أسرع في عمل الشر، ثم ندم لكن بعد فوات الأوان. وهذا يؤكد مرة أخرى على فساد الإنسان وحاجته إلى الخلاص والمخلّص المسيح.
سادسًا: شاهد زور يفوه بالأكاذيب
والتاريخ مليء بالأمثلة الحيّة والشواهد العديدة التي تثبت كيف دمّرت شهادة الزور حياة الآخرين، وجلبت عليهم الخراب، مع أنهم كانوا أبرياء من التهم الموجّهة إليهم. ولعلّ المحاكمة التي جرت للرب يسوع المسيح أمام رؤساء الكهنة أكبر دليل على ما تؤدي إليه شهادة الزور. لكنها تكشف في نفس الوقت مدى زيف ادعاءات رؤساء الكهنة وبطلان حججهم - إذ استندوا على شهادات زور كاذبة - وفضح مواقفهم مع أنهم رجال يتبوَّأون أعلى المراتب الدينية والمفروض فيهم أن يحكموا بالعدل والصدق فقط.
سابعًا: زارع خصومات بين إخوة
إن الشخص الذي يزرع الخصومات وخصوصًا بين الإخوة والأصدقاء، هو شخص يقوم بعمل بغيض لدى الله، ولدى المجتمع. وكم من مآسٍ لا بل من جرائم حصلت حتى في
العائلة الواحدة وبين الأصدقاء والزملاء، نتيجة كلمة واحدة أو جملة كان هدفها زرع الأحقاد والكراهية بين الإخوة والأصدقاء والزملاء.
لعلّ السؤال الآن: كيف بإمكاننا أن نتجنب كل هذه الأمور السبعة التي يبغضها الله ويكرهها؟ إذا كان أساس المشكلة هو القلب الشرير الخادع، فإنه يجب علينا في هذه الحالة معالجة حالة القلب هذه. وهل يوجد غير الله من يستطيع أن يبدّل القلب ويجدده من الداخل؟ نعم، إن الله وحده من يقدر على تغيير القلب وتجديده، وذلك بواسطة روحه القدوس. فعندما تتوب - قارئي - عن خطاياك، وتؤمن بالمخلص المسيح الذي مات على الصليب لكي يكفّر عن ذنوبنا أجمعين، يغفر الله ذنوبك ويغيّر الله قلبك، ويجعلك خليقة روحية جديدة.
اسمع ماذا كتب الرسول بولس في هذا المجال، قال: "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا" (2كورنثوس 17:5). فهل هناك أعظم من هذا التغيير الذي يحدثه الله في حياة الإنسان؟ ألا ترغب الحصول على القلب الجديد، وتصبح من أولاد الله؟ لمَ لا تصلي الآن مع النبي داود قائلاً: "قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في داخلي (مزمور10:51).