كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013
أبدأ هذه الرسالة بهذه الآيات من سفر أعمال الرسل: "وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ، فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا، وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ، وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً، اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانًّا أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا". (أعمال 25:16-27)
يحتاج بعض الناس إلى حدوث زلزلة عظيمة في حياتهم توقظهم وتدفعهم إلى البحث عن طريق الخلاص. وهذا ما حدث مع حافظ سجن مدينة فيلبي: سلّم الولاة بولس وسيلا إليه، وطلبوا منه أن يحرسهما بضبط "وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هذِهِ، أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ، وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ" (أعمال 24:16) ونام.
لم يخطر بباله أن يسأل عن طريق الخلاص... كان مشغولاً بعمله، وأسرته، وملذّاته، واحتاج إلى زلزلة عظيمة لتوقظه.
كثيرون مثل هذا الرجل يحتاجون إلى زلزلة عظيمة تحدث في حياتهم ليسألوا عن طريق الخلاص وينالوه. والرب في محبته لهؤلاء يزلزل حياتهم.
1- يزلزل حياتهم الصحية
الواحد منهم سليم الجسم، لا يشكو ألمًا ولا مرضًا، فينغمس في ملذّاته، ومسراته، وحفلاته مع أصدقائه، وفجأة يفاجئه مرض شديد ثقيل يزلزل أساسات حياته. وقد تكلم أليهو بن برخئيل عن هذه الزلزلة الصحية فقال: "لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ، فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزًا، وَنَفْسُهُ الطَّعَامَ الشَّهِيَّ. فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ الْعَيَانِ، وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى، وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى الْقَبْرِ، وَحَيَاتُهُ إِلَى الْمُمِيتِينَ... يَتَرَاَءَفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى الإِنْسَانِ بِرَّهُ. يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ" (أيوب 14:33-28).
فهل زلزل الله أساسات حياتك الصحية؟! أسرع إليه واطلب خلاصه فيشفيك ويزيد سنينًا على عمرك.
2- يزلزل حياتهم المالية
هذا الإنسان كثرت أمواله وارتفع رصيده في البنك. اشترى عددًا من البيوت للاستثمار، فنسي الله واتكل على غناه. وفجأة نزلت به الكوارث، وتبخّرت الثروة التي كنزها تدريجيًا، ورأى نفسه فقيرًا في حاجة إلى العون.
تزلزلت حياته المالية، لذلك قال الرب: "إن زاد الغنى فلا تضعوا عليه قلبًا" (مزمور 10:62)؛ "لأن الغنى ليس بدائم" (أمثال 24:27)؛ "لا تتعب لكي تصير غنيًا. كفّ عن فطنتك" (أمثال 4:23).
هذه الزلزلة المالية تنادي من اهتزّت أساسات حياته أن يسأل عن طريق الخلاص حتى يجده ويختبر خلاص الله. ونوال الخلاص والحياة الأبدية أفضل من بلايين الدولارات!
3- يزلزل حياتهم العائلية
الأسرة بخير... الزوج والزوجة في سلام... والأولاد في المدارس يتقدمون بنجاح من سنة إلى سنة... برنامج الأسرة يسير بهدوء... أيام الصيف تأتي لتستعد الأسرة للسفر للراحة والاستمتاع بالبحر.
لا تفكير في الأبدية... ولا في الخلاص... ولا في الأمور الروحية... ومع مرور السنين كبر الأولاد والبنات... كبروا بدون مبادئ مسيحية، ولا رعاية روحية حقيقية.
وفجأة تحدث زلزلة عظيمة تهزّ أساسات البيت... يكتشف الوالدان أن ابنتهما وقعت في حب شاب عاطل لا يليق بها ولا بأسرتها، وأن ابنهما يتعاطى المخدرات ويصادق الأشرار.
انتهت أيام الهدوء والاستقرار وصار البيت ميدان حرب لا هدنة فيها... تزعزعت أساسات البيت وانفكّت قيود الأولاد الذين صاروا شبابًا. وربما تصل الزلزلة إلى انهيار علاقات الزوجين.
هذه الزلزلة تنادي بهزتها القاسية أن يسأل من أصابتهم عن طريق خلاص الله... فلن ينفع أي علاج في هذه الحالة سوى الالتجاء إلى الله الذي قيل عنه: "الله لنا إله خلاص وعند الرب السيد للموت مخارج" (مزمور 20:68)؛ وأن يفعلوا كما فعلت المرأة الكنعانية إذ جاءت للمسيح قائلة: "ارحمني يا سيد... ابنتي مجنونة جدًا" (متى 22:15). وقد شفى الرب ابنتها، وهو قادر أن يعالج التدهور الذي وصل إليه أولادك.
4- يزلزل حياتهم الفكرية
وضع الرب شروطًا لنوال رحمته وغفرانه بالكلمات: "لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ. لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ" (إشعياء 7:55-9).
فترك الأفكار الأثيمة شرط لنوال الغفران. ولكن هناك أناس وصل الواحد منهم إلى مرتبة عالية في دراسته، فتكبّر وامتلأت رأسه بالأفكار الإلحادية، لأنه لم يستمع إلى كلمات بولس الرسول التي كتبها للمؤمنين في كنيسة رومية: "فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ" (رومية 3:12).
انحرف ذلك الإنسان الذي أُصيب بكبرياء العلم عن التعقّل، فشكّ في وجود الله... وفي دينونة الله "الشِّرِّيرُ حَسَبَ تَشَامُخِ أَنْفِهِ يَقُولُ: لاَ يُطَالِبُ. كُلُّ أَفْكَارِهِ أَنَّهُ لاَ إِلهَ" (مزمور 4:10)، وشكّ في محبة الله وعنايته، وقال بكبرياء: أين الله وسط العواصف والأعاصير والفيضانات التي تهدم بيوت الناس وتتركهم بلا مأوى؟ أين قدرته ومحبته في ولادة أطفال مشوّهين ومرضى بشتى الأمراض؟ وتمادى في كبريائه فأنكر وحي الكتاب المقدس... وأنكر حقيقة لاهوت المسيح... وأنكر حقيقة صلب المسيح...
مثل هذا الإنسان يحتاج إلى زلزلة لتوقظه ليطلب الرب ويسأل عن طريق الخلاص... ويزلزل الرب الحياة الفكرية لهذا الإنسان بتجربة محرقة... بحادث أليم يصيبه أو يصيب أحد أفراد أسرته... أو بشرخ عميق بينه وبين زوجته يهدد بالطلاق... ويستيقظ ليرى أن كل ما بناه في حياته تهدّم في لحظة!
يصير موقف هذا الإنسان كموقف حافظ السجن ويرى في يأسه أن الانتحار هو المخرج الوحيد من محنته... فقد استلّ حافظ السجن سيفه وكان مزمعًا أن يقتل نفسه، وبعض الناس يلجأون إلى إدمان الخمر والمخدرات.
وهنا يناديه الرب بصوت بولس الرسول قائلاً: "لا تفعل بنفسك شيئًا رديًّا" (أعمال 28:16). وعندئذ يسأل بعد أن أيقظته الزلزلة: "ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟" (أعمال 30:16).
انفتحت عيناه فرأى نفسه على حقيقتها... رأى أنه خاطئ أثيم... يستحق غضب الله... وسمع خبر الإنجيل "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص" (أعمال 31:16).
عرف أنه يجب أن يؤمن بالمسيح الرب، المعيّن من الله لخلاص من يؤمنون به، وأن المسيح مات على الصليب ليسدد أجرة خطاياه التي هي الموت... وآمن قلبيًا بالمسيح المصلوب، وأخذ بولس وسيلا إلى بيته "وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً، وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ" (أعمال 32:16-34).
لم تكن الزلزلة هي وسيلة يقظة حافظ السجن وحده بل كانت وسيلة خلاص جميع من في بيته "وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ"، مما يؤكد أن جميع من في بيته كانوا في سن الفهم والإدراك لكلمة الرب. ومع نوال الخلاص صار حافظ السجن رقيق القلب إذ أخذ بولس وسيلا وغسلهما من الجراحات وجاءت طاعته للرب في المعمودية فقد اعتمد في الحال هو والذين له أجمعون... ثم جاء التهليل والفرح، وجاءت الشركة مع القديسين حول مائدة بيت السجان.
فيا قارئي الكريم، هل أحدث الله زلزلة عظيمة في حياتك؟ وهل قادتك هذه الزلزلة لمعرفة المسيح ونوال الحياة الأبدية؟
تهلل بالرب وافرح به.