كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013
هوذا قد بزغ اليوم فجر عام جديد، وها نحن وإياكم نحتفل باستقباله ونأمل أن يكون عام 2013 عام خير وسلام لكم ولعائلاتكم وأحبتكم وللعالم أجمع.
لقد ودعنا عامًا كبر وشاخ فذهب ولن يعود، إنما ترك في ذكرياتنا آثارًا كثيرة، بعضها مؤلم، وبعضها جميلٌ بديع. وفي أخطائنا التي سجّلها علينا عام 2012 ترتبت علينا حسابات لا بد من تسديدها.
يلاحظ أنَّ بعضَ الناس يعتمدون على عنصر النسيان لإغلاق ملفات ديون الماضي. هذا الأسلوب قد ينجح أحيانًا في التعامل مع الأوساط التجارية لكنه لا ينجح في التعامل مع الله! فالخالق الديان دقيق في حساباته، لا ينسى شيئًا، والديون تبقى تتراكم لديه تنتظر السداد ولا تُمْحى إلا بالتوبة وطلب الرحمة من المسيح الفادي الذي مات ليسدِّد الدين عن كل من يلجأ إليه من كل الشعوب.
وقد حان الوقت لكي نصفّي حسابات الماضي ونطوي صفحة ما فات بأسلوبٍ سليمٍ وبراحةِ ضميرٍ فنخطو خطوتنا الأولى مع بداية العام الجديد مرتاحي البال غير مُثْقَلين بأحمال الماضي وديونه.
وهنا أعيد تلاوة حدثٍ جرى معي قبل عدة سنين، إذ كنت قد أشرفت يومًا على تنظيم سهرةٍ روحية تتمُّ عادةً في الليلة الأخيرة من كل عام، ويتخلل مثل هذه السهرة فترات من الأحازير أو الفوازير الروحية والمسابقات في معرفة آيات من الكتاب المقدس، كما يتخللها بعض الترانيم، وفترة عبادة تُرفع فيها الصلوات والأدعية يستذكر فيها المصلون مراحم الله وإحساناته خلال السنة المنتهية... والحضور في مثل هذه المناسبة يكون مجموعة كبيرة من العائلات والأفراد. ويومها كان عليّ أن أقدم عظةً قصيرة تحدثت فيها عن مراجعة حساباتنا السابقة مع أنفسنا ومع الآخرين من حولنا وحساباتنا مع الله، وأنَّ علينا أن نعيد النظر في ما فات ونُعدِّلَ المعوَجَّ منه قبل أن نقف يومًا أمام الديان لنعطي عنها الحساب في الأبدية.
فبعد أن انتهيت من العظة كانت هناك فرصة نصف ساعة قبل أن يُدَقّ الجرس في منتصف الليل معلنًا انتهاء عام وبدء عام جديد... ففي فترة العبادة هذه كان على الحضور أن يجثوا على ركبهم في حالة الصلاة بخشوع لتقديم الشكر لله بصلوات مسموعة يرفعها إخوة وأخوات... الواحد بعد الآخر بعفوية وحرية. وكنت حينها أُصغي لصلواتهم كلمة كلمة، بينما كان الصمت يخيم على باقي الحضور، والرؤوس منحنية بكل خشوع أمام جلال الله. فالصلوات المرفوعة في كنائسنا عادةً لا تكون مكتوبة أو محفوظة من قبل. بل صلواتٌ عفوية يرفعها المؤمنون شكرًا لله.
ويُذْكَرُ هنا أن المصلين عادةً خليط من الناس... فمنهم القروي ومنهم ابن المدينة... ومنهم الشاب والشابة، والحدث والكهل، المثقف والبسيط، المؤمن والضعيف.
يومها صلى البعض فقدموا الشكر لله الذي أوصلهم إلى نهاية العام بسلام رغم ما مروا به من صعوباتٍ وتجاربَ وأتعابٍ نجوا منها بعونٍ من العلاء. وصلى البعض مُقرّين بضعفاتٍ وهفواتٍ أخطأوا بها خلال فترة العام المنتهي... وكان في صلوات هؤلاء إحساسٌ بالندامة وغلب البكاء على البعض منهم طالبين من الله تجديد العهد معه ليبدأوا سنتهم الجديدة بعزمِ إيمانٍ جديدٍ وسلوكٍ جديد يرضي الله... ثم شد انتباهي صلاةٌ خشوعية رفعها شابٌ كان يتردد على الكنيسة في فتراتٍ متقطعة خلال السنتين الماضيتين دون أن يبدو منه أيُّ التزامٍ روحيٍ واضحْ، ولكنه في تلك الليلة بدا عليه التأثر الروحي ولاحظت قطراتٍ من الدمع تنساب من عينيه خلال فقرات برنامج السهرة، وعندما أُعطيتْ فترة الصلاة صلّى بصوتٍ أجش فيه غصةُ حزنٍ. قال في صلاته:
يا رب أشكرك لأن عدم أمانتي لك لم ينقص من أمانتك لعبدك. كم تمرَّدْتُ عليك خلال الأعوام الماضية؟ وكم أغلقت أُذنيَّ عن سماع صوتك الذي دعاني للتوبة مرارًا وأنا أُعاند؟ أشكرك لأنك قُدْتني الليلة إلى هذا المكان المقدس وها أنت تنبهني الآن في هذه الدقائق المتبقية من هذا العام لآتي إليك بقلبي، فأنبذ الماضي، وأدخل معك في عهدٍ جديدٍ. سامحني ربي، واغسل قلبي بدم المسيح، وطهِّرني من خطاياي لأبدأ هذا العام الجديد برفقتك. هذا عهدي لك أيها الرب العطوف، اقبلني... ارحمني... سامحني... باسم المسيح... آمين.
من استمع إلى صلاة هذا الشاب لاحظ أنها صرخةٌ من الأعماق... صرخةٌ صادقة معبرة عن توبة مخلصة وانكسار قلبٍ أمام جلال الله. وقد عبَّر البعض منهم فيما بعد عن انفعاله وتأثره من ذلك.
ما أحسنها من أجواءٍ نقية مقدسة في مناسبةٍ كهذه يعيد الواحد منا فيها حساباته ويصمم أن يتراجع عن أخطائه ويدخل مع الله في عهد مصالحة.
فهذه فرصة للقارئ العزيز ليبدأ مشوارَهُ مع الله من بداية الطريق لهذا العام الجديد الذي لا ندري ماذا يخبئه لنا بين أحداثه.
ونقول لكل صديق وصديقة ممن غزا قلوبهم في العام المنتهي شيءٌ من الأسى أو الألم أو الحزن أو ضياع الآمال... أو لعلك صارعتَ ولم تقدر فانحنيت أمام تجربةٍ ما أسقطتك في حفرةٍ موحلة:
لا تحزن! لا تيأس! فلمثلك جاء المسيح. اسمعه يقول: "لم آت لأدعو أبرارًا بل خطاةً إلى التوبة". تعال إليه... لديه العلاج لمشكلتك... فبدونه لا حل! ولكن به تتوفر كل الحلول... ضع يدك بيده الآن وابدأ مشوارك معه، وهو يعزي، ويشفي، ويغفر الذنب، فيقوّي ويهب نُصْرةً على التجربة والخطية.
سلم طريقك له وهو يجري. ضع حملك عليه. فهو جاء ليحمل خطاياك وهمومك وأحمالك الثقيلة. فهو ينقذك ويمنحك راحة البال والسلام. ما فشل إنسانٌ استنجد بالمسيح! فهل لك أن تفعل الآن؟ أتمنى لك ذلك.