Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان April 2013

الدكتور صموئيل عبد الشهيدفي سياق حياتنا على الأرض لا بدّ أن نواجه مختلف الخيارات؛ بعضها اجتماعية أو أخلاقية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو روحية، أو عائلية. وتختلف هذه الخيارات من ظرف إلى ظرف، وتتأثر إلى حدٍّ بعيد بخلفيّاتنا التي نشأنا عليها، وتشبّعنا بها. ولكنها في معظمها تتوقف على إرادتنا، ومفاهيمنا للحياة.
لا شك أن هناك أحوال معينة تملي علينا مواقفها. وفي مثل هذه الأحوال نصبح عرضة لصراعات نفسية وأدبية وروحية. قد تكون بعض هذه الخيارات تافهة، فتبدو لنا أن لا تأثير لها على مستقبلنا أو علاقاتنا الاجتماعية على اختلاف مناحيها؛ كما قد تكون بعضها الأخرى خيارات جسيمة تلعب دورًا كبيرًا في توجيه مستقبلنا، وتبديل مصائرنا. ولكنها كلها، مهما كانت تافهة أو جسيمة فإنها تشكل جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا لا نستطيع التفلّت منه.


ولنضرب على ذلك مجموعة من الأمثلة الكتابية ومن حياتنا اليومية المعاصرة.

وأريد أن أبدأ بالخيار الأول الذي جابه الإنسان في تاريخ الخليقة.
توافر لأبينا آدم الخيار إما في أن يطيع أمر الله فلا يأكل من الشجرة المحرّمة أو أن يعصاه. وأي اختيار يرتئيه كان لا بد من أن يسفر عن نتائج معينة لها مساس مباشر وخطير في حياة الجنس البشري ولها عواقب لا يمكن تبديلها بعد الموت: كان أمامه اختيار الطاعة أو العصيان. فلو اختار الطاعة لنواهي الله لمَا دخلت الخطيئة إلى العالم، ولمَا تملّكتنا الطبيعة الساقطة، ولمَا كان هناك داع لتجسّد المسيح وصلبه. ولكنه اختار العصيان، ومخالفة الأمر الإلهي، فنجم عن ذلك السقوط الرهيب، ودخول الموت إلى المجتمع الإنساني، وعبودية الإنسان للخطيئة، مما استدعى تنفيذ التدبير الإلهي في خطته الأزلية من أجل فداء الإنسان بصلب المسيح وقيامته. كان هذا الخيار هو أخطر خيار أقدم عليه آدم وحواء ترك أثاره المخيفة في سجلّ العلاقة ما بين الله والإنسان وما ترتّب عليه من مآسٍ وفواجع ما برحنا نقاسي منها وسنظلّ إلى يوم مجيء الرب.

ثم كان هناك خيار خليل الله إبراهيم
فقد دعاه الله أن يهاجر من موطنه في أور الكلدانيين، ويتغرب في أرضٍ لم تطأها قدماه من قبل. كان في وسع إبراهيم أن يرفض دعوة الله، ويمكث في أور الكلدانيين، يتعبّد لآلهتهم، ويرتكب معاصيهم، فيختفى ذكره من الأرض كما اختفى ذكر ملايين من الناس غيره. ولكن إبراهيم أذعن لدعوة الله، وجاء إلى أرض الموعد، وآمن بكل وعوده إليه؛ وعندما حان الوقت وفق الجدول الإلهي تحققت حميع ما أبرمه الله معه من عهود وأعظمها مجيء المسيح من نسله. وما زال أولاد إبراهيم الروحيين من كل أمة، ولسان، وبقعة جغرافية يتمتعون بتلك الوعود الصادقة بالمسيح يسوع.

ثم نتصفّح كتاب التاريخ فنتوقف عند سيرة موسى الذي تثقف بكل حكمة المصريين.
لم يدرِ موسى أن الله كان يعدّه ليقوم بدور عظيم لا يقتصر فقط على أبناء شعبه، بل له علاقة بجميع أمم المسكونة. لقد اقترف موسى جريمة قتل وهرب إلى أرض مديان، وظنّ أن النسيان قد عفى على ذكره، غير أنه، فجأة، وبعد أربعين سنة، يتراءى له الله في برية سيناء، في عليقة مشتعلة، ويندبه لكي يعود إلى أرض مصر لينقذ شعبه من عبودية المصريين. لا ريب أن موسى ارتعب أمام ثقل هذه المسؤولية، واستبدَّت به الشكوك. آنئذ وقف أمام خيارين: إما أن يلبي الأمر الإلهي وإما أن يتمرّد عليه. ولكل موقف له نتائجه التي لم يكن يعلم بها سوى الله. واتخذ موسى قرارًا إيجابيًا فاستجاب لدعوته. كان خياره مفعمًا بالآلام، والدموع، والويلات، ولكن الله أوفى له بوعوده وأعانه فاستطاع أن يحرر شعبه من عبودية المصريين.

وعندما نقرأ سيرة داود النبي والملك، تعترينا الرهبة أمام خيار داود المأساوي في علاقته مع بثشبع زوجة أوريا الحثي. هنا أساء داود الاختيار على الرغم من كل تحذيرات الناموس والعواقب الوخيمة التي تربَّصت به. ففي اختياره السيّئ ارتكب أكثر من جريمة واحدة، فقد زنى، وقتل، وكذب وخادع، وهذه جميعها تعاقب عليها الشريعة. ولم يقتصر العقاب على داود فقط بل كان له تأثير رهيب على أفراد أسرته وعلى شعبه. آه، ما أشدّ الفارق بينه وبين يوسف بن يعقوب الذي تحدّى خطيئة الزنى، واتخذ موقفًا مشرّفًا كرّم به إلهه، فأكرمه الله ورفعه من عبد أسير ليصبح الثاني في حكم مصر. هذان خياران مختلفان كانت لهما نتائج مختلفة.

وأريد أن انتقل بك يا صديقي إلى العهد الجديد لأحدّثك عن خيارين من جملة الخيارات الواردة فيه:
لنقف لحظة أمام قصة يوسف عند اكتشافه أن خطيبته مريم حامل. فأي شكوك ساورته؟ وأي خواطر مؤلمة استولت عليه، بل إنه عزم في قلبه على تخليتها سرًا. ولكن في ليلة من الليالي ظهر له ملاك الرب، وكشف له عن السر الأزلي، وطمأن قلبه بأن مريم تحمل في أحشائها ابن العلي، وعليه أن لا يتردد في الزواج منها. هل كان من اليسير على يوسف أن يتقبّل كلام الملاك ويعمل به؟ هنا وقف يوسف أمام خيارين: إما أن ينزل عند رغبة الملاك المرسل من قِبل الله أو يثور على أوامره ويتحدّاها. إن سمعته وسمعة مريم ستكونان عرضة لأقاويل السوء. إلا أنه استسلم إلى مشيئة الله وتزوج منها، وكان المولود هو المسيح المنتظر الذي أشار إليه الأنبياء منذ القديم. فأي شرف حباه به الله في أثناء تربيته للمولود الإلهي. لقد اختار النصيب الأمجد.
ولكننا عندما نأتي على ذكر قصة يهوذا الإسخريوطي نواجه حدثًا مفزعًا خضع فيه يهوذا إلى إرادة الشيطان، فخان سيده، وأسلمه إلى أعدائه من السلطات الدينية اليهودية، وبالتالي إلى القضاء الروماني. كان في إمكانه أن يختار موقفًا مشرّفًا، تسجله له صفحات التاريخ بأنصع بيان، ولكنه أبى أن يحمل سمات النبل والكرامة واختار أن يبيع سيده بثلاثين من الفضة. تأمل معي يا قارئي: يهوذا الإسخريوطي يبيع ملك الملوك ورب الأرباب، ابن الله الحي، ومخلّص البشرية، الإله المتجسد، بثلاثين من الفضة. وماذا كانت نتيجة هذا الاختيار؟ لقد ذهب وشنق نفسه في حقل الفخاري.
ولكن هل انتهت هذه المأساة الإنسانية؟ هل أصبحت من أخبار كتب الأولين أم ما زلنا، نحن، أبناء القرن الواحد والعشرين نسيء الاختيار عندما نقف وجهًا لوجه أمام خيارين متضادين. إنني أعني بهذا، الموقف الروحي تجاه من مات من أجلنا.

 

خيارك أنت


هل تدري أن ملايين من الناس يبيعون الفادي بأقلّ من ثلاثين من الفضة في كل يوم من أيام حياتهم؟ لا فرق في ذلك بين فقير وغني، صاحب سلطان أو إنسان عادي، أساطين العلم أو الجهال. إن الحكاية تعيد نفسها في كل يوم. ولكن مما يزيد من مأساويتها أننا في هذا العصر تتوافر لنا الحقائق التي كانت غامضة على أبناء العهد القديم ومطلع العهد الجديد. إن العالم بأسره يعلم بأن المسيح قد جاء إلى أرضنا لغرض واحد هو الفداء الكامل لأبناء العبودية. لقد ذهب موسى من أرض مديان لتحرير شعبه في مصر من العبودية؛ أما ابن الله، فقد جاء من السماء وأخذ صورة عبد صائرًا في شبه الناس ليحرر أبناء الخطيئة من أصفاد العبودية ويجعلهم أبناء الملكوت. ومع ذلك، فعندما يقف الكثيرون أمام الخيارين: إما قبول المسيح أو رفضه، فإنهم يختارون العبودية على الحرية. أما النتائج الناجمة عن أيّ من الاختيارين فهي: إما نتائج مدعاة للغبطة والحياة الأبدية، أو للرعب والموت الأبدي، فقل لي ما هو اختيارك؟

المجموعة: نيسان April 2013

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

462 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577588