أيار - حزيران May - June 2013
من خلال سرده لحادثة إسكات يسوع للعاصفة والأمواج، يذكر البشير مرقس في إنجيله في 37:4-41 ثلاثة أسئلة هامة طُرحت في سياق النص وهي:
السؤال الأول: أما يهمك؟
سؤال التلاميذ ليسوع. عند هبوب العاصفة الهوجاء وضربها القارب، نسي تلاميذ يسوع كل شيء حول شخص المسيح وتعاليمه ومعجزاته التي رأوها في السابق، ونسوا أنه هو نفسه من أمرهم باجتياز العبر إلى الضفة الأخرى، والأسوأ من ذلك أنهم نسوا أن الرب نفسه موجود معهم في مؤخرة القارب مستغرق في النوم بكل اطمئنان. لقد صرف يسوع جل وقته يدرب تلاميذه ويعلمهم دروس الإيمان، ولكنهم غالبًا ما خذلوه عندما وُضعت ثقتهم على المحك، فها هم يصرخون مذعورين فيوقظون يسوع من نومه متذمرين، ويتهمونه بعدم المبالاة وأنه لم يحرك ساكنًا وكأنه تركهم لمصيرهم يغرقون وسط الأمواج العاتية. سؤالهم أما يهمك أننا نهلك؟ هو سؤال الشك وعدم الثقة في محبته وقدرته المطلقة، وكثيرًا ما نفعل ذلك نحن مؤمني القرن الواحد والعشرين حين نواجه ظروفًا صعبة مفاجئة تعصف بسفينة حياتنا وتكاد تغرقها، فنصرخ بخوف، ونتذمر، ونفقد ثقتنا بيسوع وكأنه غير موجود، ونفشل في رؤيته معنا. إن كل معرفتنا عن يسوع من اختباراتنا الماضية واختبارات معارفنا، أو من سماعنا المواعظ وقراءتنا الكتب، لا تنفعنا شيئًا إذا لم نستطع رؤية يسوع معنا ونلمس حضوره بعين الإيمان وسط أمواج الحياة ومخاوفها. فما أحوجنا إلى رؤية يسوع في تلك اللحظات المظلمة.
السؤال الثاني: ما بالكم خائفين؟
سؤال يسوع للتلاميذ. إن ما أصاب التلاميذ من خوف بينما كان يسوع نائمًا بقربهم غير مبرر لأنهم سبق ورأوا قدرته وسلطانه المطلق في معجزاته. فبعد أن قام وانتهر الريح وأسكت البحر وصار هدوء عظيم توجه إليهم وكأنه يخاطبهم قائلاً: أنا الذي يجب أن أسألكم، ما بالكم خائفين، أين هو إيمانكم؟ كان من المفروض أن تستخدموا رصيدكم من دروس الإيمان الماضية وتعرفوا أني إله قادر على كل شيء، كان ينبغي أن لا تجزعوا من أية عاصفة مهما كانت هوجاء طالما رب الكون معكم. إن الشعور بالخوف على الرغم من وجود يسوع في سفينة حياتنا معناه عدم إيمان بل إهانة لشخصه القدير وسلطانه على الطبيعة وكل عناصر الكون الأخرى وكل ما يواجهنا من مخاوف وضيقات واضطرابات الحياة وصعوباتها المادية والنفسية والصحية. يجب أن نتعلم هذا الدرس وهو أن نثق بما وعدنا يسوع بأنه معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر (متى 20:28)، وطالما هو موجود في سفينة حياتنا فهي لن تغرق أبدًا مهما اشتدت العواصف وهاجت الأمواج من حولنا. وكذلك يجب أن نتذكر أن يسوع لم يعدنا برحلة إيمان هادئة ومريحة، بل وعدنا بأن نتوقع هبوب العواصف في كل حين، فقد أوضح لتلاميذه بصريح العبارة: "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 33:16). والمقصود أن مصدر سلام المؤمن ليس الظروف المريحة والحياة الهانئة، الخالية من الضيقات والتجارب بل وجود يسوع معه. وكما قال أحد رجال الله: "إن يسوع لم يعدنا برحلة هادئة، بل برسو آمن".
السؤال الثالث: من هو هذا؟
سؤال التلاميذ لبعضهم البعض. بعد رؤية التلاميذ لمعجزة إسكات البحر والأمواج، تحوّل تركيزهم عن المشكلة التي تعرضوا لها إلى التساؤل حول هوية الشخص الذي وقف أمامهم يخاطب عناصر الطبيعة بسلطان تام. وعلى الرغم من دهشتهم من عظمة يسوع وتساؤلهم عن سر تصرفه، إلا أن خوفهم الشديد بعد إجراء المعجزة لا مبرر له ويدل على ضعف إيمانهم، لأن التلاميذ كانوا قد شاهدوا معجزات سابقة تؤكد ألوهية يسوع. فما الفرق بين إكثار الخبز، وشفاء العميان والمفلوجين، وقيامة الأموات، وإخراج الأرواح الشريرة، وغيرها؟ لا يوجد فرق بينها أبدًا لأنها جميعًا خارقة وليست من فعل البشر، بل تبرهن عن أن يسوع الذي أجراها هو ابن الله. لذلك فإن شعور التلاميذ بهذا الخوف العظيم من إسكات الريح وسؤالهم عن شخص يسوع بهذه الطريقة كان أمرًا مستغربًا سببه قلة إيمانهم. أما سؤالهم نفسه: "... من هو هذا؟ فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه؟ فجوابه واضح، كان يجب أن يكتشفوه بأنفسهم وهو ببساطة:
أن هذا الكائن الذي يمتلك سلطانًا على الرياح والبحر والأمراض والأرواح الشريرة والموت والمرض، هو بلا شك خالق العواصف والبحر وسواها، أي هو الله الظاهر في الجسد خالق الكون، ومن ثم كان يجب أن يقدموا له السجود والعبادة.