تشرين الأول October 2013
قبل أن أختبر محبّة المسيح، كنت من أهل العالم أسير حسب مقاييسه. كنت أنتمي إلى عائلة مسيحية طقسية، وأزور الكنيسة فقط في الأعياد والمناسبات الخاصة كالزواج والتعزية. كنت أجهل كل شيء عن المسيحية. كنت أعرف بأن المسيح أتى للمسيحيين، وموسى لليهود، ومحمد للإسلام. كان والدي غنيًا لأنه كان مهندسًا مدنيًا يعمل في المقاولات والمشاريع الضخمة، أما والدتي فكانت مدرِّسة لمادة الرسم في الثانوية للبنات. فبالرغم من أنني مسيحي، لم أكن أعرف معنى المسيحية!
ورغم كل المال الذي لي، ووسائل الراحة، وعدد كبير من الأصدقاء في المنطقة التي كنت أسكن فيها، لم أشعر في أي يوم من أيام حياتي بالراحة والسلام.
كنت بارعًا في تقديم النكات بمختلف أنواعها، السياسية، والبذيئة، والعادية... حوالي 140-160 نكتة دون توقف، وكان الجميع يضحكون على أسلوب النكتة التي أقدمها، والجميع كانوا يضحكون لكن بعد ذلك كنت أشعر بفراغ كبير في داخلي وعدم راحة.
كنت ولعًا في مشاهدة أفلام الفيديو، والذهاب إلى السينما. شاهدت آلاف الأفلام، وبعد فترة بدأت أقتنيها واشتهرت في شراء وتسجيل أفلام الفيديو الأصلية، وكان لقبي في المنطقة "ملك الأفلام". كان كل شباب المنطقة يأتون إليّ ليستعيروا الأفلام وخصوصًا في وقت العاشوراء أو المناسبات الدينية، ومع ذلك كنت أشعر بفراغ كبير في داخلي.
كان هناك واحد من أعزّ أصدقائي من خلفية دينية أخرى، وكان يحبني كثيرًا وأنا كذلك. وتأثرت بحياته لأنه كان لا يشرب، ولا يسكر، ولا يدخن، ولم تكن لديه أمور غير أخلاقية كباقي الشباب الذين كانوا منغمسين في الزنى والفساد، لهذا السبب بدأت أسير معه. كذلك كان لدي عدد من الأصدقاء المسيحيين، لكنهم مع الأسف كانوا يستغلونني. تأثرت حياتي بشخصية صديقي الذي كان من خلفية أخرى. كان ملمًّا بدينه، كان يسألني أسئلة عسرة عن ديني: ما معنى أن المسيح هو ابن الله؟ لماذا كتابكم محرّف؟ ما معنى الثالوث؟ ولم أستطع أن أجيب عنها لأنه لا يوجد لدي أي أساس للمسيحية.
أتذكر جيدًا – عندما كان عمري 25 سنة – أن أعطاني هذا الشاب فيلمًا لمناظرة بين القس جيمس سواجرت والشيخ أحمد ديدات. وإذ رأيت فيها فشل القس سواجرت أمام أسئلة أحمد ديدات قررت أن أترك المسيحية، لأنني نظرت إليها باحتقار كديانة باطلة، وأن المسيح هو نبي كباقي الأنبياء.
كان عندي في البيت الإنجيل المقدس إلا أنني لم أقرأه. لكنني بدأت أسأل أمي وأبي أسئلة مختلفة عن المسيح، وللأسف لم يستطيعا أن يجيباني رغم شهاداتهما وثقافتهما، إذ لم يكن لديهما معرفة بالله وما هي خطة الله لحياتهما. علمًا عندما كنت أسأل صديقي عن أي موضوع بخصوص دينه فكان يجيبني فورًا. كنت أزور معه أماكن العبادة التي يذهب إليها، إضافة إلى المستشفى التابع لديانته، ورأيت صورًا للراهبات وهن يستلمن الأدوية والمساعدات من ذلك المستشفى. لهذا السبب قررت أن أغيّر ديني وأتبع دينه وبدأت أخطط كيف أستطيع الدخول لدينه وكان صديقي يشجعني بأن أكون معه.
بدأت والدتي تلاحظ التغيير في حياتي وتوجّهاتي لاعتناق الديانة الأخرى غير المسيحية، وكانت تتصل بأخيها باكية وتقول: "بدأت ألاحظ أن نبيل ينجرف إلى ديانة أخرى غير المسيحية ولا نعرف ماذا نفعل معه؟".
بعدئذ، بدأ "خالي" يتصل بي ويدعوني إلى الكنيسة. ولأني كنت أكره اسم الكنيسة لما رأيته من بعض الكنائس من أمور لا تمت بصِلة بالمسيحية من طمع ومتاجرة وتبرّج، لذلك كنت أجد العديد من الأعذار لكي لا أزور خالي. كان خالي رجلاً محترمًا، ذا مكانة كبيرة، مثقفًا، وكان يملك أكثر من 18 ألف كتاب ومجلد. لكن بسبب كراهيتي للكنائس كنت أرفض الذهاب إليه.
بعد حوالي خمسة شهور، رسبت من الصف الثالث في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد. وكان يجب أن أعيد السنة كلها لأجل 3 مواد لأن رسوبي كان بسبب مادة واحدة. أزعجني هذا الموضوع جدًا ولا سيما أن صديقي الذي من خلفية أخرى، سيكون في الصف الرابع وأنا بقيت في الصف الثالث ومعنى ذلك أني لن أستطيع أن أراه في الكلية لأن وقت الدوام في الصفوف قد تغيّر. لم أكن أعرف أن كل الأمر هو بتخطيط من الله. وفي نصف السنة، كنت محتاجًا إلى مصادر وكتب... ولم أجد سوى خالي الذي كان يملك العديد من الكتب الرائعة وكنت أكذب عليه وأحاول أن أجد أعذارًا لأتنصّل منه ولا أذهب معه إلى الكنيسة، لكن هذه المرة فإني بحاجة شديدة إلى كتبه.
اتصلت به وقلت: "أنا بحاجة إلى بعض الكتب والمصادر".
قال لي: "تعال".
ذهبت إليه وجلسنا نتحدث سويًا، ثم قال لي: "هل تعلم يا نبيل أن كل هذه الكتب لا شيء، فقط هذا الكتاب هو كل شيء؟!"، وكان يرفع الكتاب المقدس.
قلت لنفسي: حقًا، إن خالي قد أصبح مجنونًا؛ لأني كنت أحلم أن أملك مكتبة مثل خالي، علمًا أن خالي قبل أن يختبر محبة المسيح، كان لديه ولع في كتب تحضير الأرواح وكان يميل إلى نفس الديانة التي كنت أرغب في اعتناقها.
قال لي خالي: "حسنًا سوف أعطيك كل الكتب التي تحتاجها ولكن بشرط أن تأتي معي إلى الكنيسة". ثم قلت في داخلي: حسنًا يجب أن أجامل خالي وأذهب معه، وبعدها آخذ الكتب التي أحتاجها ولن أدعه يرى وجهي إلا بعد سنة.
وفعلاً ذهبت معه إلى الكنيسة وكان ذلك مساء الخميس في 12 نوفمبر 1992. كنت أنظر إلى كل المسيحيين نظرة احتقار لأني كنت سأغير ديني إلى دين أفضل. دخلت وجلست في القاعة، ثم رأيت أحد الأشخاص يقف على المنبر ويقول: "دعونا نقف جميعًا ونرنم". كانت الترنيمة تدل على أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وأنا لا أومن بذلك... لكني وقفت مجاملة. لم أستطع أن أكمّل الترنيمة لكني رفعت رأسي عاليًا وقلت: أستغفر الله... يا رب، ارحم هؤلاء الكفرة والضالين!
بعد ذلك جلسنا، ثم صعد القس على المنبر وبدأ يعظ. ولأن لهجته كانت مصرية، بدأت أستهزئ به في قلبي وقلت: "يا لفرحتي! جلبوا لنا مصريًا ليكلمنا"! وفجأة بدأ صراع غريب في داخلي، لأن كلام هذا القس يختلف عن باقي رجال الدين إذ فيه قوة غريبة؛ وقد كان يتكلم عن موضوع تحريم الخمر. صحيح أنني لم أكن مدمنًا على الخمر، لكني كنت أشرب الجعة "البيرة" في المناسبات.
فبعد العظة خرجت مع خالي وسألته: هل ممكن أن آتي غدًا؟
قال لي: نعم.
وفعلاً أتيت يوم الجمعة ظهرًا، ودخلت مع خالي إلى الكنيسة، وفجأة اقترب نحونا أحد الإخوة؛ لم أكن أعرف أن هذا الأخ هو أحد شيوخ الكنيسة الذي قام خالي بالسلام عليه.
قال له خالي معرّفًا عني: "نبيل، ابن أختي لم يتقابل بعد مع شخص المسيح، غير متجدد".
سألت نفسي: ما هذا الكلام! أنا مسيحي، ومتعمّد وأنا طفل، ماذا يعني هذا الكلام!
وفجأة سألني هذا الشيخ: "هل أنت مستعد اليوم أن تقبل الرب؟"
أجبت: نعم. أنا مستعد. لكن جوابي لم يكن بإيمان، بل بفضول. أريد أن أرى ماذا يجري في هذه الكنيسة. وفعلاً دخلنا إلى قاعة الكنيسة، وجلسنا، ثم بدأ بالصلاة طالبًا البركة على الاجتماع ثم قرأ لي الآية في يوحنا 16:3 عن محبة الله وغفرانه وبذله ابنه الوحيد.
بعدئذ طلب مني أن أصلي. فقلت له: أنا لا أعرف أن أصلي.
قال لي: "صل من بعدي". وكانت صلاته بسيطة: "يا رب يسوع، أشكرك لأجل هذا اليوم. يا رب، أنا أفتح لك باب قلبي وأطلبك أن تدخل إلى قلبي وتكون سيدًا على حياتي، وأقبلك ربًا ومخلّصًا على حياتي. شكرًا لأجل عملك على الصليب وغفرانك لخطاياي".
بعد ذلك قال لي: "أنت اليوم قبلت الرب يسوع مخلّصًا شخصيًا لحياتك".
حقًا، لم أكن مقتنعًا بكلامه، لأني رأيت ابتسامته الغريبة، وكان قصير القامة، فسلمت عليه وقلت في قلبي: إنه من الأفضل أن يحوّلوا هذا المكان من كنيسة إلى مستشفى للأمراض العقلية.
لكن ما حدث معي كان فوق الطبيعي، فعندما خرجت من الكنيسة وأدرت مفتاح تشغيل السيارة، في تلك اللحظة حدث لي شيء غريب؛ شعرت بفرح وببرودة غريبة لم أشعر بها من قبل. كنت أقود السيارة وأنا فرحان، عِلمًا بأني كنت قبلاً عصبيًا في القيادة، ولكن في هذه المرة كان شعوري غريب وكأني أريد أن أحضن كل الناس. ثم رجعت إلى البيت، وبدأت أظهر حبًا غير عادي لأهلي ورغبتي في أن يشعروا هم بنفس مشاعر المحبة التي أشعر بها.
ثم حاولت أكثر من مرة أن أقنع صديقي بما حدث معي ولكن دون جدوى. كان كلامه معي قاسيًا وباستهزاء. أعطيته الإنجيل ليقرأه لكنه وللأسف استهزأ به، وانتهت علاقتي به وبكل أصدقاء العالم لأنهم تركوني عندما رأوا التغيير الذي حدث في حياتي.
قال أحدهم لي: "لا تذهب إلى هذه الكنيسة لأنهم سيجعلونك مجنونًا!".
خفت في البداية وسألته: كيف؟
قال: "أعرف أحد الذين دخلوا إلى هذه الكنيسة وخرج مجنونًا، لقد بدأ يحمل الكتاب المقدس!"
تألمت من داخلي، كيف يصفون الناس المؤمنين بالمجانين بسبب حملهم للكتاب المقدس؟ صحيح أنني خسرت كل أصدقائي وفي بداية إيماني كان كل أهلي وأقاربي ضدي، لكن الرب لم يتركني وباركني بأصدقاء رائعين، ومن ثم آمن عدد كبير من أهلي وبدأت أسير مع الرب. وتحوّلت حياتي من شخص أراد أن يغير دينه إلى شخص يأتي بالآخرين إلى المسيح. وبدأت خدمتي للرب بكل قوة وثبات وإيمان.