تشرين الثاني November 2013
من سيرة حياة أندرو موري
"أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يوحنا 5:15). هذا الدرس العظيم لقنه المخلص لتلاميذه (ولنا بعدهم) في اللحظات الأخيرة بعد العشاء الأخير.
ومنذ إعلان هذا الحق الهام، بدأ أتباع الرب يسوع المخلصون يختبرون عظمة حقيقته. وأحد هؤلاء كان أندرو موري الأفريقي.
لمئة سنة خلت تقريبًا كان موري معروفًا بين رجال الله الذين نشدوا حياة الثبات، التي أصبحت حقيقة لكثيرين من خلال عظاته وكتاباته. في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر موري في أفق الحياة الروحية كرجل الصلاة، والمبشر بكلمة الله الفاعلة، والقائد لمؤتمرات الكتاب المقدس، والمؤلف الغزير الإنتاج في حقل المطبوعات الروحية. ومع أنه انقضى حوالي قرن على انتقاله، لا تزال مؤلفاته تلقى رواجًا سريعًا لأنها تسد حاجة أولاد الله.
وإلى جانب الهدوء والتأثير العميق اشتهر بميزته الخاصة أنه كان يطلب أن يُعرف بمسيحيته كأحد أتباع الرب يسوع، وهكذا كان يبحث متفحصًا في الذي يقابله عن العنصر المسيحي الحقيقي.
كتب أحدهم عنه: إن نظراته الحادقة الحنونة تتأمل وجه من يقابله بحثًا عن حياة المسيح والولاء له. وليس هناك مفر بأنه يريد جعل الناس أتباعًا وخاصة للرب يسوع. وقرّاء الكتب الروحية يعرفون موري من خلال كتبه التكريسية وأخصّها كتاب "اثبتوا في المسيح".
إنه متأمل عميق مأخوذ بجو الصلاة أينما حلّ، بحيث تشعر عندما تراه أنه داخل السحابة على جبل حوريب: وتظهر بشكل واضح أثناء الوعظ أو الخدمة حيث يتقد بحرارة الروح بشكل يصعب على الإنسان الاعتيادي أن يستمر على ما هو، وكثيرًا ما كان يدهش مستمعيه بالقوة والاهتمام اللذين يخرجان منه مثل الطاقة الكهربائية، أيًا كان الحضور، جمعًا غفيرًا، أم أناسًا قلائل.
يحمل طاقة بركانية في جسمه تنفجر لتجرف كل ما في طريقها. فتظهر تأثيرات قلبه وانفعالات أفكاره عندما يتكلم، وتخرج الكلمات من فمه وكأنها الحديد المنصهر في الأفران، أو الريح القوية العاصفة التي تنحني لها الأشجار العاتية، وهكذا تنحني قلوب سامعيه كأنه أحد أنبياء العهد القديم بحماسه وغيرته مع البساطة وشدة التأثير.
ويمثل موري الحياة الممتلئة بالروح القدس، بعيدًا عن أي مظهر خارجي منظور. قال:
كنت أشدد عليكم بضرورة الاختبارين في الحياة المسيحية والخطوة بين الواحد والآخر؛ في عشر السنوات الأولى من حياتي الروحية، كنت أخدم بكل نشاط وحماس وفرح. ولكن مع كل هذا لم يكن قلبي مكتفيًا ولا مطمئنًا... ما السبب؟ لم أكن أعلم أن الطاعة ممكنة! ولا أنسى تلك الساعة المجيدة حين حلّ فيّ فرح غفران الله، وذلك اليوم حين كنت أجلس وأفكر في غرفتي الصغيرة بما حصل. ها أنا عالم بأن دم المسيح قد بررني أمام الله، ولكن مع ذلك لم تكن لي القوة للخدمة بل – أفكاري، كلماتي، أعمالي وعدم إخلاصي – كلها كانت تزعجني. ومع أن الجميع حولي كانوا يظنون أنني مملوء غيرة وحماسًا، لكن في الواقع كانت حياة لم تختبر العمق الروحي. فجاهدت وصليت بحرارة.
ويتابع موري قوله: كنت أتحدث يومًا مع أحد المرسلين، وأظن أنه لم يعرف الكثير عن قوة التقديس، لكنه قال لي أن الله عندما يضع في قلوبنا رغبة ما، يسهر عليها لإتمامها. ففكرت في كلامه كثيرًا وأود أن أقول لكم يا من تغوصون في بالوعة اليأس والشك، إن الرغبة التي يضعها الله في قلوبنا ينفذها هو بنفسه.
عشت بعد ذلك مدة سبع أو ثماني سنين، أسأل فآخذ، أطلب فأجد، وأحصل على كل شيء حتى كانت حملة القداسة عام 1870، وما كُتب عنها يومئذ في المجلات الدينية لمس قلبي بتأثير عميق، فكنت في شركة روحية مع ما حصل في أوكسفورد وبريتون.
وإذا تكلمت عن التكريس يمكنني أن أخبركم عن ليلة معينة عندما كنت في مكتبي في "كايب تاون". ولكني لا أحسبها ليلة خلاص لأنني بقيت في حالة الجهاد. بعد مدة أدركت معنى الامتلاء بالروح القدس فسلمت نفسي لله تسليمًا كاملاً حتى يملأني بالروح، إنما بقي فيّ بعض التقصير، وشعرت أنني لا أستطيع الحصول على كل ما أريد. وفي وسط هذه الحالة، قادني الرب دون أن أشعر بأي اختبار خاص يمكنني أن أشير إليه، إنما اليوم عندما أنظر إلى الماضي أؤمن أنه كان يسكب عليّ من روحه أكثر فأكثر.
ويمكنني إيضاح ما حدث بإخباركم عن الفارق في اختباري في العشر سنوات الأولى من تجديدي، وبعد الامتلاء من الروح القدس: أول كل شيء تعلّمت أن أضع نفسي أمام الله كل يوم كإناء فارغ لكي يملأني. وكان يفيض عليّ بركات التأكيد بأنه هو – الإله الأزلي الأبدي – قد ضمن لي عمله في حياتي. وإن كان من درس أتلقّنه يوميًا فهو: إن الله هو العامل الكل وفي الكل. يا ليتني أستطيع مساعدة كل أخ وأخت لإدراك معنى هذا.
"ربّ سائل يقول: هل اكتفيت بهذا يا موري؟ هل حصلت على كل ما تتمناه؟
"لا سمح الله بذلك! لأني في أعماق نفسي أستطيع القول أن كفايتي الآن هي في الرب يسوع، ولكن هناك الشعور أيضًا في كم سيكون الاكتفاء أكمل عند استعلان نعمته المتفاضلة، الفائقة. لا ننسى، أنها فقط بداية عندما نصل إلى حالة القداسة، فنحن قد ابتدأنا في أخذ مركزنا الصحيح في الآب".
والإجابة عن أمنياته كانت بهذا الشكل:
- لأنه سلّم قلبه كليًا، تسلّط القدير على حياته، فنال قوة. وعندما تعلّم أن يثبت في الكرمة بالطاعة الدائمة، وليس بالشعور المتقلب، أثمرت خدمته.
- ومن جهة الاكتفاء أدرك موري أن الرب يشبع نفسًا مشتهية ويملأ نفسًا جائعة خبزًا.
اختبر موري لنفسه الحياة الممتلئة بالروح، وهكذا شجعت حياته الآخرين لأن يتعرفوا على طريق السلام والقوة.
ذكرت إيمي كرمايكل في أحد كتبها اختبارًا حصل عام 1895 في إنكلترا عندما كان موري يشترك في بعض المؤتمرات هناك، وصادف وجودها هي أيضًا في بلادها بسبب انحراف صحتها أثناء وجودها في بلاد اليابان. كتبت تقول:
"كنت أعرف أن مؤلفات موري عظيمة جدًا، ليس لأنني قرأت له، ولكن لأن والدتي كانت تدرس كتبه وتوافق مع الآخرين على أنها مؤلفات ذات قيمة وفائدة. وقد تساءلت في نفسي إن كان هو عظيمًا كمؤلفاته فوجدته أفضل. لأنه لم يكن فيه الخير والصلاح فقط، بل أيضًا الروح الهادئة، والشجاعة مع اللطف والبساطة، والمحبة التي لم تفارقه مدة حياته".
وهذا ما كتبه موري ونقلته إيمي كرمايكل عندما حدث له مصاب أثناء وجوده في إنكلترا:
أولاً، الرب أتى بي إلى هذا المكان، فأنا بإرادته في هذه الضيقة؛ وعلى هذه الحقيقة أستريح.
ثانيًا، هو سيحفظني هنا بمحبته، ويعطيني النعمة لكي أتصرف كما يليق بولد من أولاده. وبعدها، سوف يحوّل التجربة بركة، معلّمًا إياي الدروس التي أرادها فيّ، وساكبًا فيّ النعمة التي أراد أن يهبها لي. وأخيرًا، هو يستطيع أن يخرجني من حالتي في الوقت المناسب، كيف، ومتى، هو يعلم.
فأنا أقول أنني هنا:
1) بترتيب من الله.
2) تحت حفظه.
3) تحت تدريبه.
4) إلى أن يشاء".
هذه حادثة ليست محدودة لزمن معين، بل كانت مساعدة لمؤمنين كثيرين.
ومن كتاب آخر لموري يقول فيه:
خذ الوقت الكافي مع الرب ليعلن ذاته لك. أعطِ نفسك الهدوء والسكون أمامه منتظرًا أن تأخذ بواسطة الروح القدس تأكيد حضوره معك وقوته العاملة فيك. اصرف الوقت الكافي في قراءة كلمته وأنت في محضره، حتى تستطيع أن تعرف ما يطلبه منك وما يعدك به. اجعل الكلمة أن تخلق حولك وفي داخلك جوًا مقدسًا، ونورًا سماويًا مقدسًا، تنعش بواسطته نفسك وتقويها لأجل العمل اليومي.
هذه هي الحياة الثابتة التي تستمدّ قُوتَها وقوّتها من الكرمة. وبانسكاب الروح القدس المنعش المحيي في الحياة، نجد الصلاة التي تغلب، والكرازة القوية، والمحبة المُعدِية، والفرح الفائض، والسلام الذي يفوق كل إدراك.
إنها العبادة في سكون لتتعرف على الله لنفسك. إنها الطاعة التي تنفذ أمر المخلص تحت نور الكلمة. إنها الأثمار التي تظهر فجأة نتيجة الثبات في الكرمة.