كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2014
وقف على عتبة العام الجديد يلقي نظرة على العام المنصرم، فمرت أحداثه المتتابعة أمام ناظريه كشريط سينمائي. ورغم كل الصعاب التي واجهها، إلا أنه لاحظ أيضًا بين طياتها ما صاحبه من توفيق، وبرزت أمامه لحظات نجاح أكيد، وتذكر بنفس راضية الإمكانيات التي توافرت له، ولاح له صف من الأصدقاء الذين أعانوه بجهدهم، وساندوه بعواطفهم الصادقة.
ولكن ما إن تحول عن الماضي، وامتدّ بنظراته إلى الأمام، محاولًا أن يستكشف عامه الجديد، حتى انتابه القلق، وأحسّ كأن ثقلًا من المخاوف يجثم على صدره: فالأصدقاء يرحلون، والموارد تنقطع أو تهدد بالانقطاع، والإمكانيات تضعف، والينابيع تجفّ.
وبينما هو غارق في أفكاره السوداء، أخذ يتأمل الأمور بنظرة نافذة، ويتفكر فيها بفكر ثاقب، حتى اخترق مظاهر الأمور، ونفذ من السطح إلى الأعماق، لتتكشف أمامه مصادر الأشياء، وأصولها، حتى عرف بل تيقن أن "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" (يعقوب 17:1).
وإذ ذاك انزاح عن كاهله كابوس المخاوف البغيض، وأشرقت عليه أنوار الأمل وأشعة الطمأنينة، لأنه تأكد أن مصدر كل خير تمتع به وأصل كل بركة نالها، هو ذلك الإله القديم الذي لا يتغيّر مع الأيام، إنما يظلّ "هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ" (عبرانيين 8:13)، و"مَرَاحِمَهُ لاَ تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ" (مراثي 22:3-23).
لذلك، إذا تطلعت فوجدت أبوابًا تغلق، أو موارد تنقطع، أو أصدقاء يتوارون، فلا ترتع فهذه كلها ليست سوى قنوات يرسل عن طريقها خيراته وبركاته، أما الله الذي هو مصدرها جميعًا، فيبقى هو هو، ولا بد أن يشق لنفسه قنوات جديدة، ويتخذ طرقًا قد لا تخطر على بالنا، ليرسل الخير الذي يفيض منه باستمرار، والذي لا يمكن أن ينقطع، لأن الجود والعطاء في طبيعته تعالى.
انقطعت الموارد عن إيليا من مصادرها المألوفة، ولكن بقي الله يرسل له الطعام ويحمله غراب!
وقد حجبت أسوار السجن عن بولس وسيلا جميع الأصدقاء المعروفين عندهما، ولكن بقي الله ليعتني بهما، ويضمد جراحاتهما، مستخدمًا في هذا السجان نفسه.
مهما كانت نظرتك وتقديرك للأمور، فإني أرجوك أن تختبره أيضًا في هذا العالم الجديد، وإني أؤكد أنك ستجده كما كان. هو... هو... وعند نهاية العام بل وفي نهاية كل عام لا يسعك إلا أن تدعوه شاكرًا: "أنت أنت وسنوك لن تفنى".