أذار March 2014
أربع نساء يتصدّرن سلسلة نسب يسوع المسيح في إنجيل متى الأصحاح الأول: أولهن "ثامار"، وهي ترينا أن رحمة الله تخلّص الخاطئ مهما كانت بشاعة خطيته، فرغم زناها مع حميها فإن الله خلصها برحمته (أفسس 5:2). الثانية "راحاب"، وهي ترينا أن الخاطئ يخلص بالإيمان، فرغم أن راحاب كانت زانية لكنها خلصت بالإيمان في الإله الحقيقي.
"بالإيمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة" (عبرانيين 31:11). الثالثة "راعوث"، فرغم أنها موآبية، ومكتوب: "لا يدخل عمونيّ ولا موآبيّ في جماعة الرب. حتى الجيل العاشر لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد" (تثنية 3:23)، فإنها دخلت في جماعة الرب بالنعمة، لأنها تركت شعبها وآلهتها وجاءت لتحتمي تحت جناحي الإله الحقيقي (راعوث 12:2). الرابعة "بثشبع"، وهي ترينا أن الرب يخلص الخاطئ بمحبته ويرفعه لمرتبة الملوك (1ملوك 19:2).
وحديثي في هذه الرسالة عن راعوث الموآبية، التي أفرد لها الروح القدس سفرًا خاصًا باسمها في الكتاب المقدس. راعوث تقدّم لنا مثالاً رائعًا لامرأة سمعت عن إله إسرائيل وما فعله لشعبه... كيف أخرجهم من أرض مصر بذراع قوية، وكيف اجتاز بهم في البحر الأحمر، وأطعمهم المن في البرية أربعين سنة، ثيابهم لم تبلَ عليهم، وأرجلهم لم تتورّم (تثنية 2:8-3). وآمنت به و"الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رومية 17:10). ورغم أن هذا الإله أخذ زوجها، فهي لم تشكّ في محبته وحكمته، وعزمت في قلبها أن تختاره إلهًا لها، وأن تترك شعبها لتصير من شعبه، وتحتمي تحت جناحيه. ولما عزمت نعمي حماتها أن تعود إلى إسرائيل وألحّت عليها أن ترجع إلى شعبها وآلهتها، "فقالت راعوث: لا تلحّي عليّ أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حيثما ذهبت أذهب وحيثما بتّ أبيت. شعبك شعبي وإلهك إلهي" (راعوث 16:1).
ويتوق المؤمن الحقيقي أن يرى أناسًا كراعوث يتركون الطوائف والمذاهب التي تخالف تعاليمها تعليم الكتاب المقدس، ويطيعون الحق المعلن في الكتاب المقدس وحده، وينضمون إلى الجماعات التي تطيع هذا الحق وتسير في نوره.
خلال سني خدمتي التي زادت عن سبعين سنة التقيت بأفراد من مختلف الأصناف:
- التقيت برجال ونساء وضعوا تعاليم الكنيسة والطائفة التي نشأوا فيها فوق الكتاب المقدس وتعاليمه الصحيحة. ورغم مرور السنين فهم لا يعرفون معنى الخلاص، ولم يختبروا محبة المسيح.
- التقيت برجال ونساء تركوا وصية الله وتمسكوا بتقليد الناس، تنطبق عليهم كلمات المسيح "لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس... رفضتم وصية الله لتحفظوا تقليدكم" (مرقس 8:7-9).
- التقيت برجال ونساء اكتفوا بصورة التقوى لينالوا ثقة الناس المحيطين بهم واحترامهم، وأنكروا قوة التقوى، تنطبق عليهم كلمات بولس الرسول "لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها" (2تيموثاوس 5:3).
- التقيت برجال ونساء يعترفون أنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه. قال عنهم بولس الرسول: "يعترفون أنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه، إذ هم رجسون غير طائعين، ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون" (تيطس 16:1).
- التقيت برجال ونساء يظنون أن التقوى تجارة، قال عنهم بولس الرسول لتيموثاوس: "إن كان أحد يعلّم تعليمًا آخر، ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى، فقد تصلّف، وهو لا يفهم شيئًا، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام، التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون الردية، ومنازعات أناس فاسدي الذهن وعادمي الحق، يظنون أن التقوى تجارة. تجنّب مثل هؤلاء" (1تيموثاوس 3:6-5).
- التقيت برجال ونساء سكن الشيطان قلوبهم وأعمى أذهانهم، قال عنهم بولس الرسول: "الذين فيهم إله هذا الدهر (الشيطان) قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، الذي هو صورة الله" (2كورنثوس 4:4).
- التقيت برجال ونساء هم كلاب وخنازير قال عنهم المسيح لتلاميذه: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدّام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزّقكم" (متى 6:7).
- التقيت برجال ونساء عرفوا الحق، ولكنهم لسبب الخوف من الأقرباء والأصدقاء، أو الخوف على مراكزهم لم يطيعوه، ومصيرهم تقرأ عنه في رؤيا يوحنا 8:21.
- التقيت برجال ونساء صدقوا ما يقوله قساوستهم ورعاتهم وخالفوا بإرادتهم الوصايا التي أعلنها الرب في كتابه، هؤلاء يفعلون ما فعله رجل الله الذي أرسله الرب للملك يربعام ملك إسرائيل، فبعد أن أخبر رجل الله ملك إسرائيل بما سيفعله الرب، قال الملك لرجل الله: "ادخل معي إلى البيت وتقوّت فأعطيك أجرة. فقال رجل الله للملك: لو أعطيتني نصف بيتك لا أدخل معك ولا آكل خبزًا ولا أشرب ماء في هذا الموضع. لأني هكذا أُوصيت بكلام الرب قائلاً: لا تأكل خبزًا ولا تشرب ماء ولا ترجع في الطريق الذي ذهبت فيه. فذهب في طريق آخر، ولم يرجع في الطريق الذي جاء فيه إلى بيت إيل" (1ملوك 7:13-10).
إلى هنا ورجل الله يطيع بتدقيق ما أوصاه به الله.
ثم حدث ما يلي: "وَكَانَ نَبِيٌّ شَيْخٌ سَاكِنًا فِي بَيْتِ إِيلَ، فَأَتَى بَنُوهُ وَقَصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ الْعَمَلِ الَّذِي عَمِلَهُ رَجُلُ اللهِ ذلِكَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِ إِيلَ، وَقَصُّوا عَلَى أَبِيهِمِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُوهُمْ: مِنْ أَيِّ طَرِيق ذَهَبَ؟ وَكَانَ بَنُوهُ قَدْ رَأَوْا الطَّرِيقَ الَّذِي سَارَ فِيهِ رَجُلُ اللهِ... فَقَالَ لِبَنِيهِ: شُدُّوا لِي عَلَى الْحِمَارِ. فَشَدُّوا لَهُ عَلَى الْحِمَارِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ وَسَارَ وَرَاءَ رَجُلِ اللهِ، فَوَجَدَهُ جَالِسًا تَحْتَ الْبَلُّوطَةِ، فَقَالَ لَهُ: أَأَنْتَ رَجُلُ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا؟ فَقَالَ: أَنَا هُوَ. فَقَالَ لَهُ: سِرْ مَعِي إِلَى الْبَيْتِ وَكُلْ خُبْزًا. فَقَالَ: لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَرْجعَ مَعَكَ وَلاَ أَدْخُلُ مَعَكَ وَلاَ آكُلُ خُبْزًا وَلاَ أَشْرَبُ مَعَكَ مَاءً فِي هذَا الْمَوْضِعِ، لأَنَّهُ قِيلَ لِي بِكَلاَمِ الرَّبِّ: لاَ تَأْكُلْ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ هُنَاكَ مَاءً... فَقَالَ لَهُ: أَنَا أَيْضًا نَبِيٌّ مِثْلُكَ، وَقَدْ كَلَّمَنِي مَلاَكٌ بِكَلاَمِ الرَّبِّ قَائِلاً: ارْجعْ بِهِ مَعَكَ إِلَى بَيْتِكَ فَيَأْكُلَ خُبْزًا وَيَشْرَبَ مَاءً. كَذَبَ عَلَيْهِ. فَرَجَعَ مَعَهُ وَأَكَلَ خُبْزًا فِي بَيْتِهِ وَشَرِبَ مَاءً" (1ملوك 11:13-19).
لقد أخطأ رجل الله خطأ عظيمًا إذ صدّق أكذوبة النبي الشيخ ونسي ما قاله الرب عن كلمته: "ولا أغيّر ما خرج من شفتيّ" (مزمور 34:89). وكثيرون يفعلون ما فعله رجل الله ويصدّقون قساوستهم ورعاتهم مع أن ما يقولونه لهم يخالف تمامًا ما قاله الرب في الكتاب المقدس.
فإذا كان الرب يهمه طاعة وصية أعطاها لرجل الله بخصوص الأكل والشرب فكم بالحري يهمه الوصايا الصريحة الخاصة التي أعطاها بخصوص معمودية الماء، وعشاء الرب، وكل ما أوصى به في كلمته.
وعاقب الرب رجل الله عقابًا شديدًا لتصديقه كلام النبي الشيخ وعصيان وصيته فقتله أسد.
"وبينما هما جالسان على المائدة كان كلام الرب إلى النبي الذي أرجعه، فصاح إلى رجل الله الذي جاء من يهوذا قائلاً: هكذا قال الرب: من أجل أَنَّكَ خَالَفْتَ قَوْلَ الرَّبِّ وَلَمْ تَحْفَظِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَاكَ بِهَا الرَّبُّ إِلهُكَ، فَرَجَعْتَ وَأَكَلْتَ خُبْزًا وَشَرِبْتَ مَاءً فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَكَ: لاَ تَأْكُلْ فِيهِ خُبْزًا وَلاَ تَشْرَبْ مَاءً، لاَ تَدْخُلُ جُثَّتُكَ قَبْرَ آبَائِكَ. ثُمَّ بَعْدَمَا أَكَلَ خُبْزًا وَبَعْدَ أَنْ شَرِبَ شَدَّ لَهُ عَلَى الْحِمَار،ِ أَيْ لِلنَّبِيِّ الَّذِي أَرْجَعَهُ، وَانْطَلَقَ. فَصَادَفَهُ أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ وَقَتَلَهُ" (1ملوك 20:13-23).
مع أصناف الناس الذين ذكرتهم فيما مضى من حديث، التقيت بأقلية أمينة أحبت الرب، وقرأت بتدقيق كلامه الذي سجله في الكتاب المقدس وأطاعته.
من هذه الأقلية أخ جاءني ذات يوم وقدّم نفسه لي قائلاً، بعد أن ذكر اسمه:
أنا أحمل بكالويوس في التجارة من جامعة القاهرة، ومنذ وقت وضع الرب على قلبي أن أقرأ الكتاب المقدس، وأدرس محتوياته بتدقيق. أردت أن أعرف ما يقوله الرب بخصوص ثلاثة أمور: معمودية الماء، وعشاء الرب، وشفاعة القديسين الذي ماتوا.
كان أول ما قرأته بخصوص معمودية الماء الكلمات: "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدن" (مرقس 16:16). رأيت في كلمات المسيح أن إيمان الفرد يجب أن يسبق معموديته. فالفرد يتحتم عليه أن يؤمن بالرب يسوع المسيح قبل معموديته بالماء، والأطفال ليسوا في سن الفهم والإدراك ليعرفوا معنى الإيمان بالرب يسوع المسيح، ومعموديتهم تخالف تمامًا ما قاله الرب. ثم قرأت ما جاء في سفر أعمال الرسل عن لقاء فيلبس بالخصي الحبشي، فبعد أن بشر فيلبس الخصي عن المسيح، وموته على الصليب، وقيامته، أخبره أنه لا بد بعد أن يؤمن بالمسيح المصلوب المقام عليه أن يعتمد بالماء، فمعمودية الماء في غاية الأهمية بعد الإيمان ولا بد أن يتممها كل مؤمن حقيقي.
"وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ، فَقَالَ الْخَصِيُّ: هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟ فَقَالَ فِيلُبُّسُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ. فَأَجَابَ وَقَالَ: أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ. فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ" (أعمال 36:8-38). فالإيمان من كل القلب بأن يسوع المسيح هو ابن الله الذي مات على الصليب وقام هو شرط أساسي قبل أن يعتمد الفرد بالماء. والتغطيس في الماء ضرورة للمعمودية الصحيحة. فقد نزلا كلاهما إلى الماء.
تيقنت بعد فهمي لما جاء عن معمودية الماء في العهد الجديد، ضرورة أن أعتمد بعد إيماني، وأنا أريد أن أعتمد الآن...
وقد كان أن عمّدت هذا الأخ الحبيب بحسب ما جاء في العهد الجديد، وقد استخدمه الرب بقوة في إعلان كلمته.
وصل الأخ في حديثه إلى عشاء الرب فقال:
المسيح صعد بجسده إلى السماء وهو جالس الآن عن يمين الآب وهو لا يتجسد في القربان ولا يتحوّل الخمر في الكأس إلى دمه.
إنه إذا تحوّل القربان إلى جسد المسيح الحقيقي، وتحوّل الخمر في الكأس إلى دمه الحقيقي، فمعنى هذا وجود المسيح متجسدًا في مئات الكنائس التقليدية الموجودة في العالم، ويكون للمسيح أكثر من جسد واحد، وهذا خطأ مبين وبلبلة بلا معنى للذين يفكرون.
وصل الأخ في حديثه إلى شفاعة القديسين الذين ماتوا فقال:
الشفيع الحقيقي يجب أن يكون حيًا في كل حين، وموجودًا في كل مكان ليسمع طلبات الذين يطلبون شفاعته، وهذا يعني تأليه القديسين الذين ماتوا. ويقينًا أنهم ليسوا آلهة. الشفيع الوحيد هو يسوع المسيح. "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم" (عبرانيين 25:9).
بهذا ختم هذا الأخ الحبيب حديثه.
فيا قارئي الكريم، هل تفعل كما فعلت راعوث الموآبية، وتقرأ بعناية الكتاب المقدس، وتطيع كلماته، وتقول مع كاتب المزمور: "تفكّرت في طرقي، ورددت قدميَّ إلى شهاداتك. أسرعت ولم أتوان لحفظ وصاياك" (مزمور 59:119-60).
إن فعلت هذا سيسكب الرب بركته عليك.