أذار March 2014
أخي وأختي أعضاء العائلة المسيحية
بدأنا حديثنا في العدد السابق عن الزواج، وعرفنا كيف أنه ليس من اختراع البشر، لكنه تصميم الله العظيم والحكيم، وأصلي أن يؤثر فينا هذا الفكر بطريقة عملية فيجعلنا نقدّر هذا المشروع الإلهي، فنطلب مشورته في كل صغيرة وكبيرة قبل وبعد اختيار شريك الحياة، حيث يظل الله هو المسؤول عن البيت والضامن لسلامته.
وفي هذا المقال نستكمل معًا باقي النقاط الواضحة في الفصل الكتابي (تكوين 2)، والذي يُسميه الشراح، كما قلنا، "المرجع الأول للزواج" – وقد ذكرنا في العدد السابق خمس نقاط هي:
ترتيب الله العمل لآدم قبل الزواج، وهذا يجعله قادرًا على تحمل المسؤوليات.
الله هو الذي رأى احتياج آدم للمُعينة، وهو الذي يُحدِّد الوقت المناسب للزواج.
جعل آدم يشعر بالاحتياج إلى المُعينة عندما استعرض المخلوقات أمامه ليدعوها بأسماء، ولم يجد لنفسه مُعينًا نظيره.
أوقع سُباتًا على آدم فنام، فليس له دخل في صنع المُعينة. وعلى كل شاب أن يُسلِّم للرب تمامًا أمر اختيار شريك الحياة، ويتخلَّى عن أفكاره واستحسانه البشري.
أخذ ضلعًا من آدم وهو نائم، ومنها صنع المرأة، فهو يعلن أنها جزءٌ منه وأنها قريبة من قلبه.
وسوف نتكلَّم في هذا العدد عن خمس نقاط أخرى يريد الله أن يوجه أنظارنا إليها أيضًا من خلال ذات الفصل:
"بنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة" – فهو كالفخاري الأعظم يعمل ويُشكِّل في الأواني. وقد بنى الزوجة بالطريقة التى رآها مناسبة لزوجها. فلكل زوج فتاة مُعيَّنة مُصمَّمة بإتقان، ومبنية بدقة عالية له، لتأخذ تمامًا مكان الضلع التي أُخذت منه بلا زيادة أو نقصان، وتكون مُكمِّلة تمامًا له، فيشعر معها بالراحة، وبأنها تملأ النقص الذي عنده، وتسد الفراغ الذي يشعر به.
"أحضرها إلى آدم" – لاحظ أن الرب لم يترك حواء في أي مكان في الجنة، واكتفى بأن قال لآدم: لقد تم العمل وعليك بالبحث عنها في الجنة. كلا، لكنه أحضرها له. إن صنيعه كامل، والذي أعدها وشكَّلها عبر السنين لتناسب الشخص الذي خُلقتْ من أجله، حتمًا سيعرف أن يعمل الوصلة الأخيرة، ويحضرها له بطريقته. فهو من نفسه وبمجهوده لا يستطيع أن يجدها، لكن الله سيحضرها له في الوقت المعين، وهذا يحتاج إلى الإيمان الذي يُسلِّم ويستأمن الله.
"هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ". هتف آدم بهذه العبارة بعدما عاين تصميم الله العظيم، ومن لا يهتف ويهلل وهو يرى الله بنفسه يشرف ويخطط حياته، بل ويصنع بيديه الماهرتين المُعينة له، ليكتشف ويشعر ويتأكد أنها جزء منه – تذكر أن الروح القدس يعيد على أذهاننا هذا الحق مرة أخرى في العهد الجديد (أفسس 30:5)، وهو يُشبِّه علاقة المسيح بالكنيسة بعلاقة الرجل بالمرأة. فيذكر نفس التعبير المذكور في فصلنا "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ".
"يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا"، هذا مبدأ إلهي هام جدًا وأساسي في الزواج. فيجب على الزوج وكذلك الزوجة ترك الأب والأم، أي الانفصال والاستقلال عنهما ماديًا واجتماعيًا ونفسيًا، ليصبحا كيانًا جديدًا، وأسرة مستقلة، وليست تابعة للأسرة القديمة. طبعًا، مع القيام بكل الواجبات التي يُحرِّضنا عليها الكتاب مثل الاهتمام، والاعتناء، والإكرام للوالدين. وأريد هنا أن أؤكد على الترتيب، فينبغي أن يتركا أولاً لكي يلتصقا معًا، وهذا يعني عدم دخول أي طرف ثالث بينهما مهما كان. وبعد أن يلتصقا سيكونان جسدًا واحدًا، مع بقاء تميُّز كل منهما بشخصيته ليُكمِّل كلٌّ منهما الآخر.
"وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ". هنا يقرر الكتاب المقدس أن الحياة الزوجية هي حياة بلا أسرار بين الزوج وزوجته، أو بمعنى آخر هي حياة الانفتاح الكامل بلا قيود، التي فيها يتكلَّم الزوج مع زوجته في كل شيء كما يتكلَّم مع نفسه تمامًا.
أخي وأختي، هل وصلتما إلى هذه الحالة من الصراحة والشفافية في زواجكما؟
والآن دعني أسألك في نهاية هذا المقال: في هذه القصة العجيبة، ما الذي فعله آدم؟ وما الذي فعله الله؟
الواضح جدًا أن الله فعل كل شيء، وآدم لم يفعل أي شيء على الإطلاق. فالله:
– رتب العمل لآدم.
– رأى أنه ليس جيدًا أن يكون وحده.
– جعله يشعر بالاحتياج.
– جعله ينام.
– أخذ ضلعًا منه.
– بنى الضلع امرأة.
– أحضرها إليه.
وهذا ما جعل آدم يشعر بالامتنان الشديد لله على جزيل اهتمامه ومحبته.
أصلي من كل قلبي أن تكون قد اكتشفت عزيزي القارئ، من خلال تأملاتنا في هذا الفصل الكتابي الرائع (تكوين 2)، كم أن الله يهتم جدًا بالزواج، فتطلب فكره ومشيئته من كل قلبك، وتثق أنه يعرفك جيدًا أكثر مما تعرف أنت نفسك، ولذلك هو أقدر جدًا منك أن يختار الزوجة التي تناسبك إذا كنت لم تتزوج بعد، أما إذا كنت متزوجًا فليزدد تقديرك من جديد للزواج، ومن ثم لشريك حياتك.