نيسان April 2014
"يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض" (إقرأ يوحنا 14:13)
تكلمنا في المرة الماضية عن الدافع الأساسي الذي من أجله غسل سيدنا أرجل تلاميذه قبل أن يبدأ معهم حديثه الأخير، وقبل ذهابه إلى الصليب. فرأينا أن التلاميذ، مع أنهم صاحبوا الرب يسوع "زمانًا هذه مدته" (يوحنا 9:14)، إلا أنهم لم يكونوا قد تعلموا درسًا مهمًا، بدونه لا يستطيع المؤمن أن يخدم الرب الخدمة المرضية أمامه وهو أن نكون مقدمين بعضنا بعضًا في الكرامة (رومية 10:12). والآن سنذكر بعض الدروس الأخرى في يوحنا 1:13-17.
أولا: إن المسيح "إذ كان قد أحبّ خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى" (عدد 1). فالمحبة شرط أساسي في من يريد أن يغسل أقدام إخوته، لذلك قبل أن يقول الروح القدس "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة"، قال: "وادين بعضكم بعضًا بالمحبة الأخوية". وفي غلاطية 13:5 "بالمحبة اخدموا بعضكم بعضًا". فبدون المحبة قد تكون عملية غسل الأرجل مؤلمة ومضرة. ولنتذكر أن الوحي يسمي المؤمنين "خاصته الذين في العالم"، فهم خاصة الرب ورعيته التي يحبها وبذل نفسه لأجلها، "الذين في العالم" لأننا في السماء لن نحتاج إلى غسل أرجلنا، إذ لن تكون فيها خطايا.
ثانيا: إن الرب يسوع المسيح "قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتّزر بها" (عدد 5). "حين كان العشاء... قام عن العشاء" (عدد 2، 4). فهو لم يقم بعد العشاء بل أثناء العشاء، مما يدل على أهمية هذا العمل عند الرب. ثم نرى التواضع العجيب: خلع ثيابه (أي الرداء الخارجي)، وأخذ منشفة، واتّزر بها، أي حقًّا أخلى نفسه آخذًا صورة عبد. ولنا في هذا درس مهم. حين يجتمع المؤمنون لدراسة الكلمة والعبادة تزول الفوارق، فالواعظ ليس له مركز أعلى من الذين يعظهم، والغني ليس أعظم من الفقير.
قرأت عن سيدة إنجليزية من عائلة أرستقراطية تمتّ بصلة للعائلة الملكية. هذه السيدة دعت إحدى صديقاتها للذهاب معها إلى اجتماع للمؤمنين، فذهبت معها في عربة يجرها حصان ويسوقها رجل بسيط، ولما ابتدأ الاجتماع إذا بهذا السائق يقدم الموعظة. فاندهشت صديقتها وسألتها بعد ذلك: ألا تشعرين بإهانة لأن خادمك هو الذي يعظك؟ فأجابتها قائلة: حين نجتمع في محضر الرب تزول كل هذه الفوارق، فلا يكون بيننا سادة وخدم، بل كلنا إخوة وأخوات.
ولنلاحظ أن من يغسل أقدام الآخرين لا بد أن يجلس عند أقدامهم. لأن من يجلس على كرسي عالٍ ويحاول أن يغسل الأقدام لا بد أن يقع، وقد ينكسر، كما يقول الكتاب "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أمثال 18:16).
ثالثا: "ثم صبّ ماء في مغسل" (عدد 5). الماء رمز لكلمة الله إذ يستخدمها الروح القدس لعملية الغسل، كما جاء في أفسس 26:5 عن المسيح والكنيسة "لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة". ولا شك أن الرب يسوع لم يستخدم ماء يغلي فيحرق الأقدام، أو ماء مثلجًا فيسبب الاقشعرار، وفي هذا لنا درس مهم، فكم من المرات استخدم المؤمن اقتباسات من كلمة الله لجرح الشعور والإهانة، وليس للفائدة؟
"وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ" - الأرجل ترمز إلى السلوك - "ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرًا بها". ما أروع سيدنا! فهو يعمل عملاً كاملاً. فحين يتم العمل، لا داعي لإطالة الكلام والاستمرار في النصح والتأديب؟
رابعا: "فجاء إلى سمعان بطرس فقال له ذاك: يا سيد، أنت تغسل رجليّ؟" لقد اندهش بطرس. ولا عجب، فهو أمر مذهل أن السيد يغسل أرجل تلاميذه. ولكن هذا كان ما قصد الرب أن يعلّمه لتلاميذه.
"أجاب يسوع وقال له: لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد". ولكن بطرس لم يفهم إلى تلك اللحظة، لذلك "أجابه يسوع: إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب". لنلاحظ أنه لم يقل: لن يكون لك فيّ نصيب، بل "معي"، أي أنه لا يمكن أن تتمتع بشركة معي إن كنت لا أغسل قدميك، أي أطهر سلوكك. وهذا يوافق ما جاء في 1يوحنا 6:1 "إن قلنا إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق". لما قال الرب هذا لسمعان بطرس "قال له سمعان بطرس: يا سيد، ليس رجليّ فقط، بل أيضًا يديّ ورأسي" (عدد 9). "قال له يسوع: الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله" (عدد 10). في هذا نرى أنه هناك نوعان من الاغتسال، الأول هو الاغتسال الكامل الذي لا يتكرر، والكلمة المستعملة بخصوصه تعني "الاستحمام"، وهو على أساس دم المسيح "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أفسس 7:1).
ولكن المؤمن يحتاج دائمًا إلى نوع آخر من الاغتسال، وهو الاغتسال بماء الكلمة، لأننا نسير في عالم ملوّث مما يعرّض أرجلنا لأن يلتصق بها دنس هذا العالم. هذا الاغتسال نحتاج إليه يوميًا. أقول "يوميًا" لأننا إذا أهملنا ذلك تتراكم القاذورات في اقدامنا وهذا يؤثر على سلوكنا، ويجعل عملية غسل الأرجل مؤلمة وصعبة.
في بعض الأرياف، لا سيما في الدول الفقيرة يعمل الفلاح في الحقل بدون حذاء، فيتراكم الطين في قدميه. وإذ يجفّ يصبح صعبًا التخلص منه، وأحيانًا يضطر لأن يستخدم قطعة حجر خشنة ليتخلص من الطين من قدميه. ليتنا نكون دائمًا ساهرين وحاذين أرجلنا باستعداد إنجيل السلام وليس هناك ما يساعدنا على حفظ سلوكنا مثل القراءة والتأمل في كلام الله، وذلك بروح الصلاة. "بم يزكي الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك" (مزمور 9:119).
خامسا: "فلما كان قد غسل أرجلهم... قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم؟... فإن كنت وأنا المعلم والسيد قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض".
(عدد 12-14)
إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه.