"لكن ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبتهُ من أجل المسيح خسارة" (فيلبي 7:3).يستحق المسيح أن نُحبه من كل القلب ونضحي من أجله، فنترك كل شيء ونتبعه. هذا هو الربح الحقيقي. عندما تشبع نفوسنا بحب المسيح وتكتفي به فالعالم بكل ما فيه لا يساوي شيئًا.

سنتأمل في نفوس أدركت عظمة المسيح وقيامته فتركت لأجله كل شيء. وسيكون تأملنا، بداية من التوبة إلى حياة النمو في الايمان، كخطوات ترينا تدرج الاختبار الروحي والحياة مع المسيح.

أولاً: توبة قلبية

"فتركت المرأة جرتها" ( يوحنا 28:4)."فطرح رداءهُ وقام وجاء إلى يسوع" (مرقس 50:10).عاشت المرأة السامرية حياة كلها شر بعيدًا عن الرب، ولم تجد شبعًا ولا ارتواء. كانت حياتها بلا معنى ولا قيمة تخلو من الكرامة، ولا يوجد لها إلا كل المهانة من فعل الشر والخطية. لكن المسيح تقابل معها، وقدّم لها الطريق الحقيقي للارتواء والشبع. ذهب لأجلها، بل تعب لأجلها أيضًا، لأنه أحبها محبة خاصة؛ كما هو يحبك أنت أيضًا! قال لها الرب: "من يشرب من الماء الذي أعطية أنا فلن يعطش إلى الأبد"، فطلبت من الرب هذا الماء، فأعطاها وارتوت، وفرحت، وتغيّرت، وتخلّصت، وأحبت من كل قلبها، فتركت لأجل المسيح حياة الشر، تركت جرتها.وبارتيماوس مثلها أيضًا، عاش كل حياته في التسوّل يشحذ من العالم فتاتًا يشبعه، ولكن هيهات... بلا جدوى، لذلك عندما سمع أن يسوع قريب منه، قرر أن لا يترك الفرصة تفوته. فصرخ رغم انتهار الجموع له، ورغم ضعف بصره: "يا يسوع بن داود، ارحمنى". فسمع للوقت الكلمة المباركة: "ثق! قم! هوذا يناديك". فطرح رداءه. ليتنا نترك ما يمنعنا عن حياة التوبة والعشرة مع المسيح. لست أعلم ما يمنعك عن أن تتوب وترجع إلى الرب. أترك كل معطل للبركة وألقِ عنك كل غالٍ ونفيس لكي يكون القدير تبرك فتتلذّذ بالرب، وترفع إلى الله وجهك، فتصلي ويسمع لك (أيوب 23:22).

ثانيًا :عبادة ظاهرية

"فاترك هناك قربانك قُدّام المذبح، واذهب أولاً اصطلح  مع أخيك، وحينئذ تعال وقدّم قربانك" (متى 24:5). لا يقبل الرب عبادتنا له وحياتنا مليئة بالخصام، والكراهية، والإساءة إلى الآخرين. لا يسمع الرب صلاة من جرح أخيه، ومن أعثر إخوته. لنتب عن كل خصام... لنعتذر لمن أسأنا إليهم... لنصلح طرقنا ثم نأتي لنقدّم القربان حتى يكون مقبولًا، وتُسمع الصلاة. يقول الرب: "فاتركْ". لا يقول: قدِّم ثم اصطلح. لأن هذا لا ينفع من أجل المسيح. اترك العبادة الشكلية... اترك التدين والرياء من أجل المسيح، حتى تفرح السماء بنقاء وصفاء الحياة معًا كإخوة في جسد المسيح.

ثالثًا :غفران وشفافية

"فهكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته" (متى 35:18).الفرق بين هذا الأمر والأمر السابق هو أن هناك شخصًا لا يغفر لأخيه، ولا يريد أن يترك وينسى ما فعله معه، بل هو يحتفظ به في قلبه بكل كراهية وعدم غفران. أما الأمر السابق فهو شخصًا أساء إلى أخيه وذهب للصلاة دون أن يصطلح معه. إننا نصلي: "واغفر لنا... كما نحن نغفر أيضًا للمذنبين إلينا". هل هذا صحيح؟ لا. البعض يصلي هذه الصلاة وبداخله كل الغضب وعدم الغفران لأخيه الذي أحيانًا يكون معه في نفس الكنيسة. سهل جدًا، أن نغفر للآخرين من أجل المسيح، ونغفر لهم، ونترك لهم زلاتهم، لأن لنا نحن أيضًا زلاتنا. لنترك وننسى ونغفر حتى نتبارك، لأجل المسيح.

رابعًا :تكريس وتضحية

"فللوقت تركا الشباك وتبعاه". (متى 20:4)عندما دعا الرب يسوع بطرس وأندراوس، قال لهما: "هلمّ ورائي فأجعلكما صيادَي الناس"، وبدون تفكير أو تردد، وبكل عزيمة وحب، تبعا المسيح وكرّسا حياتهما له، وكأنهما يقولان: من أجلك نُمات كل النهار قد حُسبنا مثل غنم للذبح...ربما صليت، وتمنيت أن يباركك الرب، ويستخدمك في ربح النفوس، لكنك لا تريد أن تترك ما يعطّل البركة في حياتك... ولكي يستخدمنا المسيح فنصطاد النفوس لملكوت الله ويكون لحياتنا هدف وقيمة ومعنى، نحتاج جميعًا أن نترك أي شيء يعطلنا عن خدمة المسيح.

صلاة

يا رب يسوع، أنت أغلى ما في الكون، وتستحق أن أترك لأجلك الكل، لكنني ضعيف. أمسك بيدي وأشبع قلبي، فلا أتمسك بغيرك، ولا يهوى قلبي إلا شخصك، فيتيسّر عليّ أن أترك أى إساءة أو تديّن بل ألقي على الأرض كل نفاية وأربحك يا يسوع... آمين.

• السابق
• التالي