أيار May 2014
"ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟" سؤال ما أروعه! لأنه يخصّ الروح وليس الجسد، ويخص الحياة الأبدية وليس الحياة الدنيا. لو كان صاحب هذا السؤال صادق النية، ولا يخفي وراءه شيئًا، لنال إعجاب الجميع. ولكن الأمر المؤكد أنه كان يهدف إلى إيقاع المسيح في حديث ضد الناموس حتى يبرر كراهية الناموسيين له ويزيدها تعمّقًا.
عرف المسيح نيته الخبيثة وقال له: ما هو مكتوب في الناموس؟ كيف تقرأ؟ فأجاب: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك، وقريبك مثل نفسك". قال له المسيح: "افعل هذا فتحيا". وإذ أراد الناموسي أن يبرر نفسه، سأل قائلاً: "ومن هو قريبي؟"فأجابه المسيح بمثل واقعي قائلاً: "إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ. فَعَرَضَ أَنَّ كَاهِنًا نَزَلَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَرَآهُ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَكَذلِكَ لاَوِيٌّ أَيْضًا، إِذْ صَارَ عِنْدَ الْمَكَانِ جَاءَ وَنَظَرَ وَجَازَ مُقَابِلَهُ. وَلكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا وَخَمْرًا، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟ فَقَالَ:
الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا" (لوقا 30:10-35). وسأتحدث عن المثل الذي ضربه الرب يسوع في ثلاث كلمات:أولاً: أخطاء شخصيةثانيًا: أحداث مجانيةثالثًا: شعارات ثلاثية
أولاً: أخطاء شخصية
وقع هذا الإنسان في عدة أخطاء أذكر منها:أنه سار في الطريق بمفرده. ربما قال في نفسه: إنني أتمتّع بموفور الصحة والعافية، وبنيتي وبكل فخر قوية، وقلبي عامر بالشجاعة، ولا أخاف أحدًا، وعلى قدر عظيم من القوة الجسدية التي أستطيع بها أن أتغلّب على كل ما يواجهني من ظروف وصعاب، ونسي قول الكتاب: "ويل لمن هو وحده".ومن أخطائه أيضًا أنه سار في طريق منحدر بشدة، قال المفسرون إنه بعمق 990 مترًا. وليس شديد الانحدار فقط، لكنه طويل، إذ يبلغ طول المسافة التي يقطعها المسافر 27 كيلومترًا، بل أيضًا كثير التعاريج، والمعروف أن السقوط في هذا الطريق أمر سهل جدًا وخطر.ثم من أخطائه أيضًا أنه ترك أورشليم، المكان الذي يقصده من يريد أن يقدم فرائض العبادة ومكان الشركة بالرب والعابدين.وأخطأ أيضًا لأنه سار في طريق محفوف بالأخطار يحتله اللصوص وقطاع الطرق، ذلك لأن النازلين من أورشليم إما أن يكونوا تجارًا باعوا بضاعتهم ورجعوا بأثمانها، أو قصدوا أورشليم طلبًا للرزق، ورجعوا وهم يحملون معهم الأموال التي حصلوا عليها من العمل.الإنسان ميّزه الرب عن سائر مخلوقاته بالعقل الذي يجب أن يستخدمه، ويفكر ألف مرة قبل الإقدام على أمر ما. ولكن، مع كل أسف، إن هذا الإنسان لم يستخدم عقله بل تصرّف دون تفكير.
ثانيًا: أحداث فجائية
خرج هذا الإنسان من أورشليم وهو يمنّ نفسه برحلة سعيدة وسلامة الوصول إلى أريحا. سار في الطريق وهو يردد بعض الأناشيد والأغنيات ليسري عن نفسه عناء السفر، وليهوّن على نفسه طول الطريق وصعوبته. وبينما هو ينشد ويغني حدث أمر لم يكن في الحسبان، وبدون توقع وانتظار، وفي غفلة خرج عليه عدد من اللصوص، وأحاطوا به من كل جانب، وأخذوا الجراب الذي كان يضعه على كتفه، والذي كان قد وضع فيه ثيابه الجديدة والقديمة، والهدايا التي كان يحملها لأفراد أسرته، وأحبائه، وطلبوا منه أن يخرج كل ما في جيوبه الظاهرة والسرية. فأخرج كل ما كان معه، وأعطاهم إياها، ثم قاموا بتفتيشه تفتيشًا دقيقًا، ولما لم يجدوا معه شيئًا نزعوا عنه ثيابه وألقوه أرضًا، وانهالوا عليه بالركلات بالأقدام، والضرب بالعصي، ولم يكتفوا بهذا، لكنهم استخدموا أسلحتهم البيضاء وجرحوا جسده جروحًا بالغة حتى صار كل جزء من جسده يدمي بغزارة، وتركوه بين حيّ وميت. لم يكن بالحي الذي يستطيع مواصلة الطريق، ولا قادرًا على طلب نجدة من أحد، ولم يكن ميتًا حتى لا يشعر بآلامه الشديدة. كان بحق ينطبق عليه القول: "إنسان في محنة". كانت حالته يُرثى لها.أليس هذا ما يحدث للإنسان عندما يترك مدينة الله ويذهب في طريق الانحدار؟ يخرج عليه الشيطان وجنوده ويجرّدونه من كل فضيلة وبرّ، ويجرّحونه.أكل أبوانا الأولان من الشجرة المحرمة فانفتحت أعينهما وعرفا أنهما عريانان. "عار الشعوب الخطيئة"، إذ "طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء".
ثالثًا: شعارات ثلاثية
1- شعار اللصوص المعتدين:
"كل ما هو لك فهو لي"، أي يأخذون كل شيء. سوف يسلب اللصوص الروحيون نضارة، وصحة، وعقل، ومال، وحياة كل من يقع تحت أيديهم.ظن عخان أنه قد ودع الفقر إلى الأبد، فقد أصبح غنيًا ذا أموال كثيرة. ماذا كانت نهايته؟ لم يخسر ما اختلسه فقط، لكنه خسر حياته وحياة أفراد أسرته، وأصبحوا جميعًا تحت كومة حجارة.أعرف شخصًا ترك له والده ثروة كبيرة جدًا، لكنه عرف طريق الشر بجميع أنواعه من مخدرات وصالات القمار، وإشباع الشهوات الدنسة، وبعد شهور قليلة أنفق كل شيء وابتدأ يحتاج.
2- شعار رجال الدين:
"كل ما هو لي فهو لي". الكاهن واللاوي يشغلان أرقى المقامات الدينية، والمفروض أن يحملا قلبين مملوئين بالمحبة والرحمة والشفقة، إلا أنهما مع كل أسف لم يفعلا شيئًا لهذا الإنسان في محنته. الكاهن رآه وجاز مقابله، واللاوي جاء ونظر وجاز مقابله. ربما بعد أن يكون قد تمتم ببعض الكلمات مثل "مسكين هذا الإنسان"، و"كان من الممكن أن أعمل معه شيئًا، لكن العمل ينتظرني في مقر خدمتي، ولا أريده أن يتعطل". ألم يقل الرب: "إني أريد رحمة لا ذبيحة؟".
3- شعار السامري الأمين:
"كل ما هو لي فهو لك". رآه، وتحنن عليه، ونزل عن دابته، وضمّد جراحه، وصب عليها زيتًا وخمرًا... وهذه هي الإسعافات الأولية، ولم يكتفِ بها، لكنه أركبه على دابته، وذهب وأتى به إلى فندق، واعتنى به. وفي الغد لما مضى، أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق، وقال له: اعتنِ به، ومهما أنفقت فعند رجوعي أوفيك. نلاحظ أن السامري بما عمله مع هذا الإنسان في محنته لم يكن مجرّد كلمات رنانة جوفاء، بل كان رحيم القلب، أي لم تكن أحشاؤه وأحاسيسه متلبدة، بل إن ما عمله مع ذلك المسكين كان من الممكن أن يعرّضه لمخاطر شديدة ليس من اللصوص فقط، بل من المسافرين الذين يكرهون السامريين.ما هذا السامري الصالح إلا صورة مصغّرة عن الرب يسوع الذي ضحى بحياته لإنقاذ البشرية وخلاصها وشفاء الأرواح. فدعني أقول لكل إنسان جرحته الخطيئة وجرّدته من بره: لا تنتظر من البشر شيئًا، لكن الرب هو الذي يملأ كل احتياجاتك.