أيار May 2014
"وأعوّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد" (يوئيل 25:2).
يا من انحنيت تحت وطأة الظروف، فلفّك الحزن العميق، واكتنفك الضيق المحيق، بسبب هجوم شنه الجراد فجأة عليك فأصاب ما أصاب، وأتلف ما أتلف. وها أنت الآن محصور فيما أصابك متسائلاً: "إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟" (قضاة 13:6).
وهكذا أصبحت فريسة سهلة للانحناء الذي استضعفته، ويا له من ضيف مدمّر قد يصيبك في مقتل، الأمر الذي لم يفعله معك الجراد الذي أنت في غم بسببه وفي غمرة انحنائك نسيت أنه لخيرك كان كل هذا.
فالجراد الآكل لم يُرسل نفسه بل الله أرسله لخيرك، وحاشا للرب أن يخطط يومًا لضررك لأنه قال: "الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم... أفكار سلام لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء" (إرميا 11:29). والعجيب أن الجراد انتهى من مهمته ومضى في حال سبيله، ولكنه ما زال هو وما فعله معك هو شغلك الشاغل، الأمر الذي له عواقبه الخطيرة، إذ بدأت تشك في أمانة الله من جهتك، ونسيت أن في السماوات رحمته وأن أمانته إلى الغمام (مزمور 5:36)، وأنه لا يكذب من جهة أمانته، ورحمته لا ينزعها عنا (مزمور 33:89).
إن الذي سمح للجراد أن يتجه صوبك قد وُضع له حدّ لا يتعدّاه (مزمور 6:148). وفي الوقت المعين أنهى الله مهمته ليستكمل هو، تبارك اسمه، خطته الحكيمة معك لخير نفسك وبركتها. وهو لن يتركك في حيرتك بل لا بد وأن يعوّضك لا بقدر ما أكل الجراد، بل ولا بد أن يرد "عليك ضعفين" (زكريا 12:9).
فالذي قال: "أعوّض"، لا بد أن يردّ عليك ضعفين، والذي قال: "أعوّض"، لا بدّ أن يعوّض بحسب غناه في المجد (فيلبي 19:4)
قد تكون خسارتك عزيز عليك انطلقَ ليكون مع المسيح، ومن ينكر أن فراق الأحباء لا يدمي الأفئدة، لكن "أبو الرأفة وإله كل تعزية" معنا، وهو إذ يعطي فيضًا من التعزيات يُلمع المكتوب أمام عيوننا بالإيمان فنتذكر أننا "نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء" (1تسالونيكي 17:4). آنذاك سنرى من سبقونا ليس في أرض النحيب بل في سماء المجد العتيد. أليس هذا تعويضًا بحسب غنى إلهنا المجيد؟
وقد تكون الخسارة مادية قصد الرب من ورائها أن يذكرك بأن لك مالاً أفضل في السماوات وباقيًا (عبرانيين 34:10).
وإن كنت في عوز وضيق بسبب ما أصابك، فثق أن الذي يُطعم فراخ الغربان لا يتركك ولا يهملك، وأن "الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير" (مزمور 10:34).
وقد تكون الخسارة لحقت بالإناء الخزفي، فاعتراك المرض، وأصبحت في ضعفك تنظر بعين الغيرة إلى سلامة الأشرار، وإلى كثيرين من المتكبرين الأصحاء الذين تهتز الأرض تحت أقدامهم، مثلما فعل آساف في مزمور 73، ونسيت مصيرهم الأبدي التعس، ولم تنتبه إلى آخرتهم إذ لم يكن لهم نصيب في نعمة إلهنا. لذلك تذكر أن إله التعويضات يقول لك: "تكفيك نعمتي" (2كورنثوس 9:12)، وأننا من السماوات "ننتظر مخلصًا الرب يسوع المسيح الذي سيغيّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فيلبي 21:3).
ليتك ما تلقي ظروفك خلف ظهرك، وترفع عينيك نحو السماء فلا ترى إلا يسوع وحده يجلس في عرش الله متربعًا على قمة المجد، "قادر أن يرثي لضعفاتنا"، و"يقدر أن يعين المجربين"، و"يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم" (عبرانيين 15:4؛ 18:2؛ 25:7). ليتك تذكر كل هذا وتتفكر فيه، وتدخل إلى العمق الروحي الذي يؤهلك لفهم وعد الله، إله التعويضات الذي وعد قائلاً: "وأعوّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد"، إذ يبدّل حزنك الشديد بالعزاء والفرح المجيد فتشدو مرنمًا:
في وسط الخوف العظيم نهدي لك السجود
نحمـــد فضلك القديـم لأنـــه يعــــود
تهدأ بأمـــرك الريـاح طوعًا لما تريد
فننظر البحر استراح من كــده الشـديد
ما دمت تحفظ الحياة لا نرهب الهلاك
في الضيق أو حين النجاة نكون في حماك