أيار May 2014
كان من أغنى أغنياء أريحا. كان يملك الكثير... الثروة والجاه والسلطة والمركز المرموق. كان كل من في أريحا يخشاه ويسعى نحو رضاه. كان رئيسًا للعشارين وكان غنيًا. كل ما يشتهيه كان يحصل عليه بسهولة. سمع عن يسوع، وطلب أن يراه، ولم يقدر من الجمع. كانت الجموع تحيط دائمًا به في كل مكان يذهب إليه. كانوا سورًا عاليًا حوله يمنعه من رؤيته. أراد أن يتخطاهم فوجد رؤوسهم تتطاول حتى تكاد تصل إلى السحاب. حاول أن يخترق تلاحمهم فوجد سدًّا منيعًا لم يسمح له بالمرور، وصدّه، ودفع به إلى الوراء. تلفّت حوله يبحث عن منفذ يصل منه إلى يسوع فلم يجد سبيلاً.
التفّ ودار حول الجمع عدة مرات فلم يجد ثقبًا ينفذ منه. جرى... نعم، جرى خلفهم وبجوارهم وحولهم ولم يفلح. كانوا أجسادًا ضخمة، ورقابًا صلبة، ورؤوسًا عالية. استمر يجري حتى سبقهم وتقدّم عليهم. رآه المارة وهو يجري مثل الصبية الأشقياء وهو في ملابسه الفاخرة وعلى رأسه عمامة كبيرة. التفّ حوله الأولاد يصفقون ويتصايحون ويسخرون من قامته القصيرة. جرى بسرعة ليهرب منهم ويعود يبحث عن طريقة يرى بها يسوع. توقف قليلاً يلتقط أنفاسه ونظر حوله فوجد مطارديه قد ملوا وكفوا عن متابعته. رأى نفسه تحت جميزة كبيرة، فروعها كثيرة كثيفة تملأ الساحة جميعها. كان يعرف أن يسوع ومن حوله سوف يمرون من ذلك الطريق. لو تسلّق تلك الجميزة لاستطاع أن يرى كل من يمرّ تحتها. تفحّص الشجرة وتساءل: هل في إمكانه أن يصعد إلى أعلى فرع من فروعها؟ رفع يده إلى أقصى ما تصل إليه فلم تلمس إلا الهواء. وقف على أصابع قدميه وأشرأبّ بكل جسده، ومدّ يده، فلم تصل إلا إلى الفراغ. تراجع إلى الخلف خطوات، ثم جرى بأقصى سرعة نحو الشجرة وقفز بكل قوته مادًّا يديه إلى فوق فلم تصل إلى شيء. عاود التراجع، وزاد من خطواته إلى الخلف، وجرى بسرعة مرة أخرى، ثم قفز بقوة إلى فوق، فأمسكت أصابعه بضع أوراق من فرع هزيل سقط والأوراق بجواره على الأرض. قام من سقطته، ونفض التراب عن ملابسه، ونظر بتحدٍّ إلى الجمّيزة، ثم وضع طرف ثوبه بين أسنانه وعاد للخلف مسافة أبعد، وجرى بكل ما لديه من قوة، وطار في الهواء، واستطاع بجهد أن يمسك بفرع من فروع الشجرة. أمسك به باستماتة، ورفع جسده إلى أعلى، واحتضن الفرع، وزحف إلى أعلى. من فرع إلى فرع أعلى حتى وصل إلى قمة الشجرة. تمزّق ثوبه، وسقطت عمامته، وتدحرجت بعيدًا. جُرحت يداه وأصابعه، وسال منها الدم. نجح أخيرًا في أن يجد لنفسه مكانًا وسط الفروع والأوراق، ويختبئ فيه ليرى ولا يُرى. لم يأبه لما وصل إليه حاله، وقد تشعث شعره، وتمزّق جلده، وتهدلّت ملابسه بشكل لا يليق برئيس العشارين المهاب في كل أريحا. كان همه أن يجد مكانًا يتيح له أن يرى يسوع، وقد وجده فوق الجميزة. انتظر وقد أخفى نفسه تمامًا في ذلك المكان الآمن. بعد فترة سمع هدير موكب يسوع والذين حوله قادمين. كتم أنفاسه، وأنزوى وسط فروع الشجرة وأوراقها، وركّز كل حواسه في عينيه حتى يرى يسوع. زحفت الجموع، واقتربت نحو الجميزة، واستمرت في التقدّم حتى وصلت إلى أسفل الشجرة.
توجهت وتوقفت نظرات زكا عند وجه يسوع. وقف يسوع تحت الشجرة وتوقفت الجموع بتوقيفه. رفع يسوع رأسه وكذلك ارتفعت كل الرؤوس. بحثت أنظار يسوع عن زكا وسط الجميزة ورآه. فوجئ زكا بوجه يسوع مرفوعًا نحوه. التقت نظرات يسوع بنظرات زكا. احتوت عينا يسوع زكا، وذابت عينا زكا في عيني يسوع. كانت عينا زكا تعكسان رغبته ولهفته وشوقه، وكانت عينا يسوع تعكسان اهتمامًا وعطفًا وحبًا. ولأن العين هي سراج الجسد وهي مفتاح القلب، تلاقت العيون، وانفتحت القلوب. عم المكان صمت. طال الصمت ثم قال يسوع لزكا:
- يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي أن امكث اليوم في بيتك.
وتحركت الفروع بعنف، واهتزت وتساقطت الأوراق، فيما كان زكا ينزل إلى الأرض ويقف أمام يسوع. كانت عيناه ما تزالان مفتوحتين على أتساعهما وقد أغرورقتا بالدموع والفرحة، وتحوّل الموكب كله في اتجاه بيت زكا، ودخل يسوع البيت وسط تذمّر الجميع، وهم يستنكرون ما يحدث، لأنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ. وفي انفعال وقف زكا وهو في قمة حماسه وقال:
- ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أردّ أربعة أضعاف.
والتفت يسوع نحوه وقال بصوت عال وصل إلى أسماع العالم عبر العصور والأجيال:
- اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن إبراهيم لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.
..............................
جاءني أخ عزيز حين كنت في بلد محظور فيه الكرازة والتبشير بيسوع المسيح. جاءني ذات صباح وقال أنه بعد رفضه قبول المسيح ربًا ومخلصًا لسنوات، استيقظ الليلة الماضية على رؤيا، وإذا عينا يسوع تنظران إليه، وتركزان النظر عليه، لذلك جاء إليّ ليصلي معي ويقبل المسيح.
سألته: وكيف عرفت أن ما رأيته هما عينا يسوع؟
نظر إلى بثقة وتأكيد ثم قال:
- لأنهما كانتا مندَّيتين بالدموع، وتشعّان عطفًا واهتمامًا وحبًا. كانتا عميقتين كالمحيط، ومنيرتين كالشمس.
توقّف قليلاً وهو مفتوح العينين محاولاً أن يجد صفات أخرى يصف بها العينين ثم قال:
- هما عينا يسوع بلا أدنى شك، كيف أخطئهما. هو يسوع.
وصلى ودعا يسوع ليدخل حياته وما يزال تابعًا وشاهدًا أمينًا حتى اليوم.
عزيزي، عزيزتي: يسوع، إن كنت لم تعرف يسوع بعد، فها هو يقف على بابك ويطرق يريد أن يدخل إلى قلبك ويخلصك. لأن ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك. افتح له، وأدخِله، وتمتع به وبالحياة الأبدية التي يهبها لك.