حزيران June 2014
خوف الرب هو الاحترام القلبي والإجلال لله. هذا الاحترام يقودنا إلى الطاعة الكاملة له، إذ ندرك قدرته غير المحدودة ومحبته التي تفوق الوصف. فخوف الرب ليس هو الرعب الذي يجعل الإنسان يريد أن يهرب منه، كما فعل آدم حين عصى أمر الله وأكل من شجرة معرفة الخير والشر التي أوصاه الله أن لا يأكل منها. وإذ أكل أصبح عاصيًا، ولما ناداه الله وقال له: أين أنت؟ قال: "سمعت صوتك في الجنة فخشيت (أي خفت) لأني عريان فاختبأت" (تكوين 10:3).
فهناك خوف يجعل الإنسان يريد أن يختبئ من الله لكي لا يراه الله. هذا الخوف في يوم قادم سيجعل الناس يقولون للجبال والصخور: "اسقطي علينا وأخفينا من وجه الجالس على العرش" (رؤيا 16:6).
وهناك مخافة الرب التي تجذبنا نحوه، وهي نتيجة الاحترام والإجلال المرتبط بالمحبة للآب السماوي. فالطفل الصغير المطيع لأبيه والذي يتحاشى أن يعمل أي شيء يغضب أو يحزن أباه، تجده متى رأى أباه يهرع إليه كي يحتضنه. هذا هو خوف الرب الذي يقول عنه الروح القدس على فم داود: "خوف الرب نقي، ثابت إلى الأبد" (مزمور 9:19)، وأيضًا "رأس الحكمة مخافة الرب" (مزمور 10:111)، وعلى فم سليمان "مخافة الرب رأس المعرفة" (أمثال 7:1).
وأكرر القول: إن خوف الرب هو نتيجة محبة الرب. هذه المحبة تطرح الخوف أي الرعب بعيدًا كما قال الرسول يوحنا "لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يوحنا 18:4). من المهم جدًا أن نميّز بين خوف الرب والخوف من الرب.
خوف الرب له نتائج عملية مباركة في حياة المؤمن، وأهمهما التدقيق في السلوك، وهذا موضوع واسع جدًا، نشير الآن إلى بعض نواحيه:
أولاً، الصدق في الكلام، وهذا يشمل عدم المبالغة وعدم التلاعب في الكلام. فقد يقول إنسانٌ الحق ولكن بطريقة تؤدي إلى الخداع.
ثانيًا، الطهارة في العلاقات الجنسية، وهذا نراه في حياة يوسف الذي أرادت زوجة سيده أن توقعه في خطيئة الزنا، فقال لها: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله" (تكوين 9:39).
ثالثًا، خوف الرب يجعلنا أن نعرف إرادته لكيلا نخطئ إليه ولا نرتكب ما يخالف إرادته. وهذا يستلزم الصلاة ودراسة كلمة الله. وبذلك يتم فينا القول: "سر الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم" (مزمور 14:25).
والآن سنعطي ثلاثة أمثلة من العهد القديم لنرى كيف كان خوف الرب عاملاً قويًا في حياتهم:
أولاً: إبراهيم أبو المؤمنين
كان إبراهيم رجل الإيمان بحق. "بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا. فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي. بالإيمان تغرّب في أرض الموعد كأنها غريبة ساكنًا في خيام مع إسحاق ويعقوب الوارثَين معه لهذا الموعد. لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عبرانيين 8:11-10).
جاز إبراهيم في امتحان شديد لإيمانه، إذ ناداه الله وقال له: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريّا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك" (تكوين 2:22). فذهب إلى هناك وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح، "ثم مدّ إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم، إبراهيم! فقال: هأنذا. فقال: لا تمدّ يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا. لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني" (تكوين 10:22-11). من هذا نرى أن إبراهيم أدرك أن إطاعة الله هي الطريق السليم، وهذا هو خوف الرب. ولأن إيمانه كان قويًا كان متيقنًا أن الله لا بد أن يتمم وعده له بأن يبارك نسله، فقد وعده الله قائلاً: إنه "بإسحق يُدعى لك نسل" (تكوين 12:21).
ثانيًا: حياة يوسف
نرجع مرة أخرى إلى حياة يوسف، نراه أنه أظهر خوف الرب حين قال لامرأة فوطيفار "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟". بعد ذلك جاء الوقت الذي أصبح فيه يوسف رئيسًا في مصر، وقال له فرعون: "جعلتك على كل أرض مصر". وأكرمه فرعون وأمر بأن يطيعه كل الشعب (تكوين 37:41-44). بعد ذلك جاء إخوته الذين اضطهدوه وباعوه إلى الإسماعيليين، ولم يكن أخوه الأصغر بنيامين معهم. جاءوا ليشتروا قمحًا. ولم يعرف إخوته أنه يوسف، أما هو فعرفهم ولم يخبرهم. وإذ أراد أن يرى بنيامين أخاه قال لهم أرسلوا واحدًا منكم ليأتي بأخيكم الصغير لكي أصدق أنكم أمناء، وأنتم تُحبسون إلى أن يجيء، لأصدق كلامكم (انظر تكوين 16:44-17). وأعطاهم القمح الذي أرادوه. وبالإضافة إلى ذلك ردّ لهم ثمن القمح، وأعطاهم زادًا للطريق (أي ما يحتاجون إليه). نرى من هذا كله أن خوف الله جعله يسامحهم، ويعطيهم القمح مجانًا، وطعامًا للرحلة. وهذا يعلمنا أن خوف الرب يجعلنا نسامح الأعداء، بل أكثر من ذلك، أن نحسن إلى الذين يسيئون إلينا. وهذا ما تعلمنا إياه الموعظة على الجبل في متى 5.
ثالثًا: نحميا
(إقرأ نحميا 14:5-19). خلاصة هذه الأعداد هي أنه كان من حق نحميا، كالوالي المعين من الإمبراطور الفارسي، أن يُعطَى مكافأة مادية يسميها "خبز الوالي". بالإضافة إلى مبلغ من المال هو "أربعين شاقلاً من الفضة". وهكذا كان يعمل الولاة الذين كانوا قبله، ولكن نحميا قال: "أما أنا فلم أفعل ذلك من أجل خوف الله". إن خوف الله يحمينا من الطمع ومحبة المال، ويجعلنا نفكر أكثر في احتياجات الآخرين. فقد كان كثيرون من اليهود في أيام نحميا في احتياج مالي شديد. "لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (1تيموثاوس 10:6). للأسف الشديد إن كثيرين من المؤمنين في مجتمعنا الحالي قد نسوا أو تناسوا هذا النصائح وأصبح لا فرق بينهم وبين غير المؤمنين. محبة المال هي محبة العالم، والكتاب المقدس الذي أهمله الكثيرون من المؤمنين يعلمنا قائلاً: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يوحنا 15:2).
وأخيرًا، كلمة لازمة للآباء والأمهات
يقول الكتاب المقدس: "في مخافة الرب ثقة شديدة ويكون لبنيه ملجأ" (أمثال 26:14). إن أولادنا وبناتنا يراقبوننا. إن أعظم ميراث لبنينا هو أن يروا في والديهم التقوى الحقيقية التي هي مخافة الرب. فالوعظ والتحريض والانتهار لن ينفعهم إن لم يكن مصحوبًا بالحياة العملية التي تتّفق مع هذه النصائح. حين وصف الرسول بولس الجنس البشري في رومية 11:3-17 ذكر سبب كل هذه المصائب بكلمات قليلة وهي: "ليس خوف الله قدام عيونهم" (عدد 18).