Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز/آب July/August 2014

الأخت أدما حبيبيخبرانِ استوقفاني ورَدَ كلٌّ منهما في إحدى الصحف العربية لكن في وقتين مختلفين. الخبر الأول يحكي قصةَ أميرة عربية وسيارتها الرولز رويس الفاخرة، بلونها الزهري المميَّز، والتي تتجوَّل بها في شوارع لندن. بينما الثاني يسجِّلُ عملًا عظيمًا إذ ينوي أفقرُ رئيسٍ في العالم القيام به لسدِّ احتياج مئة طفل سوري فقدوا والديهم وأضحَوْا أيتامًا في ظلِّ الحرب التي يدور رحاها في سوريا.

أما وقد جُذبْتَ الآن يا قارئي لمعرفة حقيقة هذَيْن الخبريْن فلنبدأ بالأول علَّنا نقدر أن نتصوَّر في مخيِّلتنا العالم الساحر الذي تعيش فيه هذه الأميرة الإماراتية. فتحت عنوان: الأميرة الإماراتية علياء، كعكة عيد ميلادها بوزن سيارة! يقول الخبر:

"قد تلتفت لتتأمَّلَ عيناك سيارة رولز رويس فاخرة مرّت أمامك صدفة، ولكن ما بالُك لو مرّتْ تلك السيارة المميزة بلونٍ زهري لم يسبقْ له مثيل؟ في المرة المقبلة التي تقابلُ بها هذه السيارة في أحد شوارع لندن، فاعلم أنَّ صاحبتها هي سيدة المجتمع الإماراتية علياء السويدي. بلوحة 78 دبي، تتجوّل الأميرة بسيارتها المعدَّلة على ذوقها، في شوارع لندن لِتُلفتَ معها رؤوسًا وعلامات اندهاش من قِبَل المارة. وتتميز السيارة بلونها الفاقع ومادة الكروم التي غطَّت المحرك وصندوق السيارة. كما أدخلت علياء اللون الزهري على إطارات الدواليب، ولم تبخلْ بتصوير السيارة مرارًا وتكرارًا ونشرِ صورها على حسابها الشخصي في [موقع أنستغرام] على الشبكة العنكبوتية.  وكانت السيارة أثارتْ فضولَ عددٍ كبير من سكان لندن الصيف الماضي حتى عمل موقعٌ متخصص بأخبار السيارات على كشف هويَّة صاحبتها أخيرًا. فعلياء التي لا تبخل على محبيِّها بنشر صور تفاصيل حياتها الدقيقة واليومية، نشرتْ مئات الصور الفخمة والأنيقة لمقتنياتها من سيارات وإكسسوارات وحتى الحيوانات. حتى إنَّ علياء قامت بنشر صورة للحساب المصرفي الخاص بوالدتها والذي بلغ أكثر من 500 مليون درهم".

إذا كنتَ يا قارئي قد تعافيتَ الآن من وقْع هذا الخبر  على مخيِّلتك، فاسمح لي أن أنقلَكَ عبرَ جسرٍ نعبره إلى الجهة الأخرى علّنا نجتاز الفجوة أو الهوة بينَهما، فنقرأ فحوى الخبر الثاني تحت عنوان: أفقر رئيس في العالم يستضيف مئة طفل سوري يتيم في بيته الريفيّ:

"أعلنتِ المفوضيةُ العليا لشؤون اللاجئين أنَّ [خوسيه موخيكا]، رئيس الأوروجواي الرئيس الذي صُنّف الأفقرَ في العالم، سيستضيف في بيته الصيفي 100 طفلٍ يتيمٍ سوري ممَّن أجبرتهم الحرب الأهلية في بلدهم إلى اللجوء إلى الدول المجاورة. وقالت المفوضية إنَّ كلَّ طفل سيرافقُه شخصٌ بالغ من ذويه. وبحسب موقع "العربية نت" فقد صُنِّفَ الرئيس موخيكا الأفقر من بين زعماء العالم لكونِه لا يحتفظ سوى بـ 10٪ من مرتبه الذي يبلغ شهريًا 12 ألفًا و500 دولار أمريكي ويتبرع بالباقي إلى الجمعيات الخيرية. ويتابع الخبر ليقول: ويعيش موخيكا منذ تولِّيه الرئاسة في شهر مارس من عام 2010 في بيتٍ ريفي بمزرعته، ويرفض العيش في القصر الرئاسي، كما أنه لا يتمتّعُ بالحراسة المشددة كبقية رؤساء العالم. من جانبها أكدت زوجة موخيكا أن هذه المبادرة تهدف إلى حثِّ المجتمع الدولي على تحمُّل مسؤولياته تجاه الكارثة المأساة التي تعيشها سوريا. وقالت إنَّ الرئيس كان يفكر في البداية في الطلب من مجلس النواب الموافقة على هذه المبادرة، لكنَّه تجاوز ذلك واتَّخذ القرار بنفسه. وتبقى أبرز جملة قالها هذا الرئيس: "إن من يعشق المال لا مكان له في السياسة"؛ فهو يعيش في نفس المنزل ونفس الحي وبنفس الطريقة قبل تولِّيه الرئاسة، لأنَّ أغلبية الشعب الذي صوَّت له هم من الفقراء، لذلك يجب عليه أن يعيش مثلهم ولا يحقُّ له عيشُ حياة التَّرف.

والسؤال الآن يا قارئي هو:  في أيَّة دائرة يعيش كلٌّ منا؟ أفي دائرة الذات التي تظهر فيها الأنا متبرّجةً ومزيَّنة؟ أم في دائرة الكون الواسع الفسيح الذي أضحى مع وسائل الاتصال وصفحات التواصل الاجتماعي، قرية صغيرة؟ نسمع أخباره على صفحات الشبكة ونشاهد بأمِّ أعيننا صوره التي تصعقنا الآن في أغلبِ الأحيان، فنبكي أيتامَه ونذرف الدموع على أطفاله الذين تشرَّدوا، ونتألم على آخرين نزَحوا وبيوتٍ تهدَّمت، لا بل قل يا قارئي، مدنًا بأكملها صارت حطامًا على الأرض! إزاء ما يجري في عالمنا المتناقض هذا، أسألُ نفسي أولًا وأقول: نعم، ما هو موقفي أنا من صراخ المتألمين ودموع المظلومين وحاجات المحرومين وجراح المكلومين؟ هل حقًا هذه المشاهد تُجيز سيفًا في قلوبنا؟

يا حبَّذا لو أننَّا جميعًا نتحرك بجِدِّية ليس لكي نتبعَ مثال رئيسٍ حنونٍ أو امرأةٍ رؤوم، ممَّن خرجوا عن دائرة ذاتهم فمدُّوا أيديهم إلى الآخر المحتاج هنا وإلى آخر متألم هناك، وأعرف الكثيرين منهم  بالطبع، لا ليس هذا فحسب، مع أنه المطلوب، بل نعلّق أنظارنا ونثبتِّها على مثالنا الأعلى الذي افتقر من أجلنا وهو غني لكي نستغني نحن بفقره، إلى الرب يسوع المسيح الفادي والمخلص الذي تنازل من السماء وأخلى نفسه، لكي يصل إلينا ويهتم بنا، ويقبلَنا كما نحن. نعم، هذا المثال الأسمى هو المُحتذى، الذي إذا سرنا في خطاه فعلًا، فإنَّنا عندها نعكسُ في حياتنا ثمارَ إيمانِنا الحيِّ والفعَّال. مثالي هذا يا قارئي، هو الأسمى والأرقى والأبهى والأعظم، لأنَّه جاء إلى عالم الإنسان ليس لكي يدينه بل لكي ينقذَه ويخلِّصه. فجال بين الناس يصنع خيرًا ويشفي ويتحنَّن. ويخبرنا البشير متى عنه فيقول مسوقًا بالروح القدس: "وكان يسوع يطوف المدن كلها والقرى يعلِّم في مجامعها، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. ولما رأى الجموع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها" (متى 35:9-36).

هل أرى الناس من حولي منزعجين ومنطرحين، ضائعين تائهين؟ جائعين عريانين؟ أجل، العالم ضائع وجائع، والعالم عريان، فهل لديَّ أحشاء رأفات كما أمرني الكتاب؟ هل تتحرّكُ أحشائي وأخرج من دائرة الأمان التي أقيمُ فيها، وأمدُّ يدي إلى أخي وأختي، إلى أبي وأمي، إلى ابني وابنتي في الإنسانية؟ فأمنحه حاجته، وأسدُّ رمقه، وأبيّن له حقًا ثمرَ إيماني العملي؟ ومن ثم أحكي له عن مخلصي ومنقذي الذي أنا بعملي هذا أتبع أثر خطاه؟

قال الرسول يعقوب (14:2-16) في رسالته شارحًا موقف المؤمن بالمسيح من حاجات إخوته المؤمنين في الكنيسة أولًا، وأيضًا الناس الآخرين خارج نطاق دائرته. فقال يحثُّهم بوحي الروح القدس: "ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد إنَّ له إيمانًا ولكن ليسَ له أعمال، هل يقدر الإيمانُ أن يخلِّصه؟ إن كانَ أخ وأخت عريانين معتازين للقوت اليومي، فقال لهما أحدكم: [امضيا بسلام استدفئا واشبعا] ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنفعة؟". وفي الفصل السابق (يعقوب 27:1) يقول: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم...".

هذا هو الإيمان المثمر والعملي في حياتنا اليومية، الذي يحثُّنا الرسول يعقوب بالروح القدس على القيام به. وهو ليس العمل الخيِّر والإحسان الذي يظنَّهما البعض، خطأً بالطبع، بأنهما سيدخلانهما السماء! كلا، ليس هذا هو الذي أتكلم عنه يا قرائي الكرام. إنَّه العمل النابع من القلب المؤمن والمغسَّل بدم يسوع المسيح الفادي. هذا العمل الذي نحثُّ أنفسنا عليه، هل تُراه يظهر في حياتنا العملية اليومية؟ العمل الذي مصدره الإيمان، هل نجده واضحًا في أيامنا هذه؟ سمعنا عن قيام الكثيرين في شرقنا العربي بخدمة إخوتهم في الإنسانية ممَّن هربوا ونزحوا من بلادهم وصاروا لاجئين بسبب الحروب والويلات. وهذا بالطبع عملٌ محمودٌ والرب هو المكافئ الأوحد لعمل المحبة هذا. لكن يا ليتنا نحن الشرقيين، وأينَما وُجدنا، وفي أي بلد عشنا، نحرّضُ بعضُنا بعضًا على التفاعل المستمر مع الآخرين فنهبُّ بيد واحدة، لصراخ المحتاج والمتألم، ونعطي بسخاءٍ وكرمٍ وفرحٍ، ولا ندعِ الغرب أن يبقى سبَّاقًا في هذه الأمور التي هي من شِيمنا نحن العرب ومن صميمِ تُراثنا وتقاليدنا. وهكذا نتخطّى بذلك إكرام ضيوفنا وفتحَ بيوتنا للغرباء، ولتمتدّ أيدينا إلى جيوبنا لكي نُشركَ المحتاج في مالنا، الذي هو عطية منه تعالى أولًا وأخيرًا. وعندها يرى الناس بالحقِّ أعمالنا الصالحة فيمجِّدوا أبانا الذي في السماوات. ليس بحسب الطاقة، بل وفوق الطاقة أحيانًا، وكما يرشد الروح القدس ضمائرنا وقلوبنا وأحشاءنا. وبقدْرِ ما ينمو المسيح في داخلنا تفيضُ محبتُه منا إلى الآخرين من حولنا. وحذارِ حذارِ أن نبقى قابعينَ هناك في دائرة ذاتنا فنعيش كما يعيش البعض في أبراجِنا العاجيَّة، عسى الناس أن ترى سياراتنا الفخمة، وثروتنا الضخمة، وبيوتنا العصرية ومقتنياتنا التي كلُّها سرعانَ ما تزول.

وما كلماتي هذه لأبناء وبنات الشرق ذوي الشهامة والكرامة، إلاَّ مجردُ أضواءٍ أردتُ أن تسطعَ أنوارُها في قلوبنا فتنيرَ خبايانا، وكذلك هي خواطرُ عَبرتْ في حنايا نفسي فحرَّكتْ أوتارَ قلبي وأنتجت بالتالي لحنًا شجيًا يطلعُ من صميم الأحشاء والوجدان ليس إلاَّ.

 

 

المجموعة: تموز/آب July/August 2014

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

256 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10540108