أيلول September 2014
صام الرسل وصلوا ووضعوا الأيادي على شاول وبرنابا حسب إرشاد الروح ثم أطلقوهما للعمل الذي دعاهم الروح القدس إليه. فانطلق الاثنان في إرساليتهما، وناديا بالإنجيل، ثم عادا إلى أنطاكية "حَيْثُ كَانَا قَدْ أُسْلِمَا إِلَى نِعْمَةِ اللهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي أَكْمَلاَهُ. وَلَمَّا حَضَرَا وَجَمَعَا الْكَنِيسَةَ، أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمَا" (أعمال 3:13؛ 26:14-27).
كانت الكنيسة الأولى تهتم اهتمامًا حقيقيًّا وجادًا بخدمة الرسل في الحقول المختلفة فشاركتهم، وعضدتهم بالصلوات من أجل عمل الكرازة الذي فرزهم الروح إليه. وينبغي ألا يختلف الأمر اليوم عن الأمس، لأن كنيسة هذا القرن يجب أن تدرك مسؤوليتها الخطيرة نحو عمل الله في كل مكان لكي تعضده وتسانده، فتشارك بالصلاة والدعاء وإلا فلا نجاح لأي خدمة مهما كانت وكيفما قُدّمت.
ومما يؤكد هذه الحقيقة أن الرسول بولس ذكر في مرات كثيرة أهمية صلاة المؤمنين له في خدمته وجهاده حتى أنه كان يترجّى الإخوة في الكنائس المختلفة أن يصلوا لأجله. وحين نتأمل الشواهد التي وردت في رسائله عن أهمية صلاة الإخوة له نندهش من كثرتها وطبيعتها. إنه يكتب إلى المؤمنين في تسالونيكي يطلب في كلمات صريحة تعبر عن رغبة قلبه "أيها الإخوة صلوا لأجلنا" (1تسالونيكي 25:5). وفي مواضع أخرى يطلب الصلاة من أجله، ولكنه يوضح لهم الهدف الذي يسعى إليه والذي يجب أن يصلوا له: "أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا، لِكَيْ تَجْرِيَ كَلِمَةُ الرَّبِّ وَتَتَمَجَّدَ، كَمَا عِنْدَكُمْ أَيْضًا، وَلِكَيْ نُنْقَذَ مِنَ النَّاسِ الأَرْدِيَاءِ الأَشْرَارِ... وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ، مُصَلِّينَ فِي ذلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَابًا لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضًا، كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ... فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ، حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ اللهِ مَعَكُمْ" (2تسالونيكي 1:3-2؛ كولوسي 2:4-4؛ رومية 30:15-32).
وامتدح الرسول قوة صلاة المؤمنين وفاعليتها له في خدمته فكتب إلى فيلبي من سجنه الأول في روما معبّرًا عن ثقته أن خلاصه سيتم بواسطة صلواتهم وتضرعاتهم وقوة الروح "لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ هذَا يَؤُولُ لِي إِلَى خَلاَصٍ بِطَلْبَتِكُمْ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (فيلبي 19:1). وعوّل بولس أهمية كبرى على صلاة كنيسة كورنثوس حين كابد ضيقًا في آسيا وتثقّل جدًّا فوق الطاقة حتى يئس من الحياة هو والذين معه فطلب إليهم: "وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ" (2كورنثوس 11:1). على أن الصلاة لم تكن مسؤولية جانب واحد فحسب بل كانت شركة لقاء روحي متبادل أمام العرش بين الكنيسة والرسول. فقد صلّى بولس بدوره من أجل الذين صلوا من أجله. صلى من أجل المؤمنين في كولوسي: "مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ" (كولوسي 9:1). كما صلى أيضًا من أجل كنائس أفسس وتسالونيكي وفيلبي.
ولا شك أننا كمؤمنين نحتاج أن نلتقي كثيرًا أمام العرش مصلين من أجل بعضنا البعض، وكخدام نحتاج إلى صلاة الكنيسة من أجلنا. وكما صلت كنيسة المسيح في عهدها الأول أيام الرسل هكذا نحتاج نحن أيضًا إلى مؤازرة الإخوة لنا في شهادتنا وخدمتنا بالصلاة والدعاء. وقد لا نشعر لأول وهلة بأهمية الصلاة لأجلنا، ولكننا ندرك فيما بعد أن نموّنا الروحي وخدمتنا يتوقفان على حياة الصلاة الشخصية ومؤازرة الآخرين لنا بالصلاة أيضًا. أما حين نظن أن حياتنا الروحية ليس فيها من المشاكل والضيقات ما يستدعي صلاة الآخرين من أجلنا، نسقط فريسة للتخلف الروحي، وتفتر حرارتنا الروحية، ثم يخيّم علينا البرود والكسل في عمل الله والشهادة له.
كتب محرر مجلة للعمل المرسلي يدعو المرسلين في الحقول المرسلية المختلفة أن يكتبوا له عن المشاكل التي واجهتهم خلال العامين الماضيين. أجاب على المحرر 233 مرسلاً يعملون في 50 حقل مختلف. وذكر جميعُهم بوجه عام أن أعوص المشاكل يتعلق بحياتهم الروحية الشخصية. وكتب أحدهم للمحرر: "إن المأساة الروحية التي نعيشها سببها تدهور شهادتنا الشخصية. نحن نحتاج إلى تعضيد الكنيسة لنا بالصلاة حتى نكون دائمًا في درجة حرارة روحية مناسبة فلا ينفذ إلينا المجرب في خدمتنا بسبب ضعفنا الشخصي".
وكثيرًا ما ننهمك في أعمالنا ومسؤولياتنا حتى أننا نجد صعوبة في تدبير الوقت الكافي للراحة والتأمل في الكلمة والصلاة. وهنا أيضًا يواجهنا خطر الفشل في شهادتنا الروحية بدرجة كافية للذين حولنا. إن إحدى حيل الشيطان الشهيرة هي دفع الناس بعنف للانهماك في العمل بدرجة لا تعطيهم الفرصة لبناء حياتهم الروحية الفردية بالصلاة والتأمل. ولا يجب أن المجرّب يوجّه سهامه في هذا الاتجاه لأنه يعرف قوة الصلاة في حياة رجال الإيمان. "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس 12:6).
وحين أحسّت إحدى المرسلات في الصين بمرارة الوحدة في خدمتها ونال منها التعب أقصاه، فلم تستطع أن تأكل أو تستريح، كتبت إلى كنيستها التي خرجت منها للخدمة في أرض الوطن تقول: "لا أستطيع الاستمرار في خدمتي بدون صلواتكم. هل توقفتم عن الصلاة من أجلي؟!" وكتب جيمس جلمر الرائد المرسلي الأول إلى منغوليا: "إن كنتم لا تصلون من أجلي فإنني غواص في قاع المحيط بدون هواء، ورجل مطافئ أمام حريق هائل بدون ماء". وذكر أحد المسؤولين الكبار في العمل المرسلي أن المطلب الرئيسي الذي كان يتلقّاه باستمرار من العمال في البلدان المختلفة "أيها الإخوة صلوا من أجلنا" وليس أيها الإخوة تعالوا وساعدونا.
ويحدثنا هدسون تيلور مرسل الصين الشهير، وصاحب معجزات الصلاة في خدمته وجهاده، بعد ما تكلم في اجتماع للعمل المرسلي، سأله أحد الأشخاص باهتمام بالغ عن خدمة مرسل معين في الصين، وكانت معرفة ذلك السائل بظروف المرسل وحياته وخدمته قد جعلت هدسون تيلور يسأل الرجل عن الوسيلة التي حصل بها عن تلك المعلومات. فأجاب الرجل: "منذ عدة سنوات تعهدت أن أصلي من أجل ذلك المرسل إن كان يوافيني باستمرار بحاجته". والحقيقة أن هدسون تايلور كان لوقت طويل يبحث عن سر البركة والنجاح في حياة وخدمة ذلك المرسل، وأخيرًا اتّضح له الأمر أن السر كله هو في تعضيد الآخرين له بالصلاة والدعاء.
قد نختلف كمؤمنين الواحد عن الآخر في أوجه كثيرة، وهذا الاختلاف يحدد نوع وطبيعة الخدمة التي نستطيع أن نقدّمها من أجل المسيح، ولكننا جميعًا كمؤمنين خدام ومخدومين نستطيع أن نشترك كلنا في شيء واحد هو الصلاة والالتقاء المستمر أمام عرش الله. نعم، فإن لم نقدر أن نخدم خدمة إيجابية، أو نقدّم مالاً لتعضيد عمل الله، نستطيع أن نصلي ونصلي. فهل نمارس خدمة الصلاة من أجل الغير؟ "أيها الإخوة، صلوا من أجلنا".