أيلول September 2014
يوجّه الله رسالته للبشر سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات. وهدف الله من توجيه رسالته لفرد أو جماعة هو أن يرجعوا إليه بكل قلوبهم فيتحرّروا من الخطية وسلطانها وعقابها الأبدي. ولكن مواقف الناس تتباين وتختلف. فبعضهم يسخر ويستهزئ، والبعض الآخر يؤجل، وآخرون يؤمنون. هذه الفئات الثلاثة نقرأ عنها في سفر الأعمال. فبعد أن انتهى بولس من توجيه رسالة الرب إلى الأثينيين والتي أعلن فيها عن حقيقة قيامة الأموات، كان البعض يستهزئون، والبعض يقولون: سنسمع منك عن هذا أيضًا، وهكذا خرج بولس من وسطهم، ولكن أناسًا التصقوا وآمنوا.
واليوم يضع أمامنا الروح القدس رسالة وجّهها الله لا إلى فئة معينة من الشعب بل إلى الشعب كله... هذه الرسالة تحتوي عتابًا حبّيًّا وتذكيرًا بأمور هامة وإرشادًا وتوجيهًا بما يجب أن يفعلوا. وضربت كلمات الرسالة على الوتر الحساس لأنها لمست حياة جميع فئات الشعب فتأثروا تأثيرًا شديدًا وبدأوا يتساءلون: "بما أتقدّم إلى الرب وأنحني للإله العلي؟" (ميخا 6:6). وسأضع أمامكم ثلاثة أمور هامة:
أولاً: رسالة ذكّرت
في رسالة الرب التي وجهها كانت ليذكّر الشعب بأمرين:
1- جمائل إله السماء
"يَا شَعْبِي، مَاذَا صَنَعْتُ بِكَ وَبِمَاذَا أَضْجَرْتُكَ؟ اشْهَدْ عَلَيَّ! إِنِّي أَصْعَدْتُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَكَكْتُكَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَرْسَلْتُ أَمَامَكَ مُوسَى وَهارُونَ وَمَرْيَمَ" (ميخا 3:6-4).
في هذه الكلمات ذكّرهم بحالتهم المزرية التي كانوا عليها في مصر، وكيف استعبدهم المصريون بعنف ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن، وفي كل عمل الحقل... يسبّونهم بأقذر الألفاظ، ويضربونهم بالسياط دون رحمة. لم تشفع لهم متاعبهم ومظاهر الإرهاق والإعياء، ولما صرخوا إلى الرب أرسل لهم موسى وهارون ومريم وحررهم من هذه العبودية القاسية. وكان يجب أن يكون لسان حالهم: باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس... ولكن مع كل أسف تناسوا كل ما صنعه الرب معهم.
2- مؤامرات الأعداء
"يَا شَعْبِي اذْكُرْ بِمَاذَا تَآمَرَ بَالاَقُ مَلِكُ مُوآبَ، وَبِمَاذَا أَجَابَهُ بَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ" (عدد 5). ذكّرهم الرب بمؤامرة بالاق الماكرة التي استخدم فيها ذكاءه، والتي توصل إليها بعد أن فكر في انتصارات الشعب المتواصلة مع كل من حاربهم. انتصروا على سيحون ملك الأموريين، وعوج ملك باشان، وأهلكوا شعبيهما. اكتشف أن الشعب قد حقق انتصاراته العظيمة لأنه شعب مبارك، فبحث عن شخص يلعنه، فأرسل لبلعام الذي كان مشهورًا في تلك الأيام وقام مع بالاق بعدة محاولات، ولكن محاولاتهما فشلت وبدلاً من أن يلعن الشعب باركه أربعة مرات. وليست هذه المحاولة الوحيدة لأعداء شعب الرب، بل كان هناك محاولات كثيرة، ولكن الرب اكتفى بذكر محاولة بالاق ملك موآب.
ثانيًا: رسالة أكّدت
تردد كلمة الرب عبارة قوية "لكي تعرف إجادة الرب"، ويقصد بها، لكي تعرف المعاملات المعجزية التي تعامل الرب بها معكم.
1- إفشال المؤامرات
فشلت مؤامرة بالاق كما فشلت مؤامرات كثيرة غيرها. يقول كاتب المزمور: "الله لنا إله خلاص، وعند الرب السيد للموت مخارج" (مزمور 20:68).
- أفشل مؤامرة هامان التي قصد بها إبادة شعب الله بالكامل.
- أفشل مؤامرة الوزراء والمرازبة التي دُبّرت للقضاء على دانيآل وانقلبت عليهم الدائرة، وألقوهم مع أسرهم في جب الأسود فبطشت بهم الأسود وسحقت عظامهم.
2- يقينية النجاة
إن الرب ينقذ وينجي أولاده. تقول كلمة الرب: "لأنه تعلّق بي أنجّيه. أرفّعه لأنه عرف اسمي... معه أنا في الضيق، أنقذه وأمجّده. من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي" (مزمور 14:91-16).
والرسول بولس اعترف وأكّد هذه الحقيقة بقوله: "الذي نجانا من موت مثل هذا، وهو ينجي. الذي لنا رجاء فيه أنه سينجي أيضًا فيما بعد" (2كورنثوس 10:1).
3- كثرة الخيرات
إن الرب لا يفشّل مؤامرات الأعداء، ولا أن ينجي أولاده منها فقط، ولكنه يحوّلها للخير "أنتم قصدتم لي شرًا، أما الرب فقصد به خيرًا" (تكوين 20:50). يقول الرسول بولس: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رومية 28:8). وكلما كثرت المؤامرات وازدادت، نحظى فيها برصيد كبير من الخير يلازمنا كل أيام حياتنا، كما يقول داود النبي في مزمور الراعي: "إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي". ويقول إشعياء: "قولوا للصديق: خير".
ثالثًا: رسالة أثّرت
بعد أن استمع الشعب إلى هذه الرسالة القويّة تأثّر تأثّرًا شديدًا، والدليل على ذلك أنه بدأ يتساءل: "بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُول أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ، بِرِبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي، ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟" (ميخا 6:6-7). ورأى الرب رغبة الشعب الجادة في إرضائه، فأوصاهم بثلاثة أمور:
1- تصنع الحق
أي أن تكون عادلاً ولا تظلم أحدًا في الوقت الذي انتشر فيه الظلم. قال سليمان الحكيم: "وأيضًا رأيت تحت الشمس: موضع الحق هناك الظلم، وموضع العدل هناك الجور" (الجامعة 16:3). توجد كلمات نطق بها أليهو بن برخئيل البوزي "من كثرة المظالم يصرخون" (أيوب 9:35).
2- تحب الرحمة
الإنسان بطبيعته يريد أن يتمتّع برحمة الرب، ويطلب من الرب أن يكون عادلاً مع غيره، وحتى هؤلاء الذين تمتّعوا برحمة الرب يتعاملون مع غيرهم بكل قسوة، وخير مثال على ذلك العبد الذي كان مدينًا لسيده بعشرة آلاف وزنة، وتحنن سيده عليه وترك له الدين. ولما خرج هذا العبد وجد واحدًا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمئة دينار فعنّفه قائلاً: أوفني ما عليك، وطلب العبد المديون منه أن يتمهل، لكن لم يستمع له فمضى وألقاه في السجن.
3- تسلك متواضعاً
"يقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يعقوب 6:4).
"فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ" (2أخبار 14:7).
لقد كان الرب يسوع متواضعًا ووديع القلب، قال عن نفسه: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب".