تشرين الأول October 2014
بعد انقضاء أسابيع عديدة على ارتحال مُضحك الجماهير Robin Williams الكوميدي المشهور في هوليوود، لا يزال الناس في صدمة كبيرة إزاء هذه الخسارة الجسيمة في عالم السينما والتمثيل. وهم يحاولون فهمَ ما جرى لهذا الممثل البارع ذي الأصول البولونية. لقد وُجد وليامز ميتًا في بيته في Tiburon, CA في الحادي عشر من شهر أغسطس المنصرم، من قِبَل مساعده الخاص. وتبيَّن للحال أنه قضى منتحرًا بحسب ما نقلتْه الصحافة والأنباء وأكَّده المحققون، عن عمرٍ يناهز الثالث والستين فقط. وصرِّح الدكتور John Greden المسؤول التنفيذي في جامعة ميشيغان والمختص بأمور الاكتئاب في صحيفة Examiner التي تصدر في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، قائلًا: «إنَّ موت وليامز يبعث برسالة قوية للملأ وإن موته يحثُّنا على القيام بمزيد من البحث بعمق في مرض الاكتئاب وتغيير المزاج. وبحسب إحصائيةٍ محافِظة فإنَّ واحدًا من بين كل ستة أمريكيين يعاني من الاكتئاب طيلةَ حياته. وأن خمسة وسبعين بالمئة إلى ثمانين بالمئة ممَّن يُقدمون على الانتحار منهم، يرتبط قرارهم هذا بتغيير المزاج وعدم انتظامه. لهذا علينا أن نعالج المرضى بعقاقير هي أكثر فعالية للحدِّ من الحافز الذي يدفعهم إلى الانتحار. فإذا أصغينا وتجاوبنا بالحق، فإنَّ هذه ستكون رسالةَ وداع حقيقية من روبين وليامز». كما أثار الدكتور Greden جدلًا مفاده: [إن التركيز على صحة الفرد العقلية لا بدَّ أن يخفف من عدد الأشخاص المنتحرين المتعلِّق بخلل الصحة العقلية في أميركا في كل سنة. لهذا علينا أن نأخذ خطوات عملية الآن، كما قال، ونقوم بأبحاثٍ على مستوى أكبر مخصِّصين بذلك دعمًا ماديًا لها لكي نتغلب على هذا المرض. لقد أثار انتحارُ وليامز اهتمام الجماهير، ولو استطاع التغلب على اكتئابه، وبقي على قيد الحياة، لكان باستطاعته أن يثقِّف الناس ويشجعنا على مزيد من الأبحاث بينما يمارس هو دوره في إضحاك الناس ورسم البسمة على شفاههم. ومع أنَّ هذه الفرصة قد فُقدت الآن، لكنَّ موته غير المتوقع ما زال صرخةً مدوية تدعو للتغيير في المسار».
(مترجمة عن الإنترنت)
ليس وليامز هو النجم الأول الذي أقدم على الانتحار في هوليوود، بل سبقه الكثيرون للأسف، وكذا لن يتوقف العدد هنا، لأننا لا نعلم ماذا سيحمل إلينا المستقبل أيضًا من أخبار مأساوية كهذه. فمنذ سنة مثلًا وفي شهر أغسطس أيضًا وُجد الممثل Lee Thompson Young ذو التسعة والعشرين ربيعًا، منتحرًا أيضًا في بيته بشكل مأساوي. لم يكن (لي يونغ) مجرد ممثّل نابغ في مهنته فحسب، بل كان أيضًا ذا شخصية رزينة وروح هادئة كما قالوا عنه. ترى، ألم تستطع الشهرة الظاهرة للعيان وللجماهير المعجَبة، أن تغيِّر حالةَ النفس الكئيبة من الداخل بغض النظر عن الأسباب؟ أم أنَّها بالحق هي السبب التي دفعت وما زالت تدفع هؤلاء إلى الانتحار والتخلّص من كل ما يشغل الفكر، ويعمل على تفكيك النفس والإرادة، ويؤثر على الأمزجة فيختل التوازن؟ المال، والشهرة، والتعظم، والغرور، والاستكبار، والوصول إلى القمة... هذه كلُّها لا تجلِب كما تبيَّن إلاَّ المزيدَ من الدمار والخراب للنفس البشرية التي طالما أضحتْ لقمةً سائغة للمزاج المتقلّب. وهكذا يصل بهم الاكتئاب والقلق إلى حد لا يعودون يستطيعون فيه السيطرة على إرادتهم فيُقدمون على أعمال غريبة غير طبيعية تودي بحياتهم إلى غير رجعة.
نعم، فحين يفقد الإنسان الأمل، ويغدو بلا رجاء بفعل هذه الهجمات الشرسة على فكره ونفسه وأحاسيسه وعواطفه، لا يعود يجد أمامه مخرجًا سوى التخلص من هذه الحياة اليائسة فيلجأ لوضع حدٍّ للمعاناة والألم عن طريق الانتحار. وهناك أخبار آخرين كثـــُرٍ ممن يحذون حذو هؤلاء في هوليوود، لن تصلنا، لأنهم ليسوا في صدر الإعلام واهتمام المعجبين والمعجبات. فنسمع عن قادة عسكريين مثلًا وجنود عائدين من الحروب وقد اقتنص اليأس قلوبهم وأحاسيسهم وعمل فتكًا في كيانهم الداخلي فأقدموا هم الآخرون على الانتحار ووضع حد لحياتهم المزرية. وقرأت مؤخرًا عن أحد الأبطال في الحرب الأولى الذي قام برمي نفسه من السفينة الحربية في منتصف المحيط ليتخلَّص من حياته على الرغم من أنه كان قد حصل على ميدالية فخرية من أجل شجاعته النادرة قبل أسبوعين فقط من ذلك. نعم، يمكن أن يصل المكتئب إلى هذه الدرجات من اليأس الداخلي على الرغم من أنَّ صورته الخارجية تبدو زاهية وبهيجة.
لكن، هل ترانا نمر نحن المؤمنين بهذه الحالات أيضًا ونتعرض كما يتعرض الآخرون للاكتئاب والحزن والقلق والغم؟ للإجابة عن هذا السؤال تحضُرني آية معبرة فاه بها الرب يسوع المسيح نفسه إذ قال لتلاميذه مرة: "لا تهتموا بالغد، لأنَّ الغد يهتم بما لنفسه. يكفي اليوم شره" (متى 34:6). بمعنى أنه ينبغي ألا نقلق. وقال أيضًا: "ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة؟". أي إن الاهتمام لن يأتي بنتيجة. أما الذي يأتي بنتيجة حتمًا فهو قول الرب في هذا المنحى: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم".
فكلمات الرب يسوع تبعث الأمل والرجاء في النفس، لأنها كلمات حية وقوية للنفس التي اختارت الرب يسوع المسيح مخلصًا لها وتوَّجته على عرش حياتها. نعم، فكلماته تعزي وتفرح وتجعل الإنسان المؤمن متكلًا ليس على ذاته وقوته هو، بل على الله، لأنه هو وحده الذي يعتني به. لكن إذا استمر المؤمن في حالة القلق والاضطراب اللذين يؤديان إلى الاكتئاب في بعض الأحيان، وإن حدث واستمر الوضع، وتحوَّل إلى مرض، فإنَّ تناول الدواء والعلاج عندئذ ليس هو خطأ كما يعتقد البعض. لأنَّ الخلل الذي تأتَّى نتيجة حالة الاكتئاب أضحى يشل التفكير السوي، وعليه ينبغي تصحيح واستعادة التفكير السوي قبل كل شيء.
تعرَّض المؤمنون في الكتاب المقدس وحتى القادة الكبار إلى هذه الحالات من الاكتئاب والحزن والقلق. كمثل إيليا النبي الذي على الرغم من فوزه العظيم على أنبياء البعل في القديم، وقع ضحية للخوف والهم على حياته من قبل الملك أخآب وزوجته إيزابل. فهرب إلى الصحراء واختبأ (1ملوك 1:19-3).
لكن الله يا قارئي يريدنا أن نعلم أنه موجود وأنه حاضر حتى في أحلك لحظات حياتنا. وعليه سمع إيليا صوت الله الخفيف وهو يتكلم إليه على باب المغارة في الجبل، وأعلمه أن خوفه ليس بمحله لأنه أبقى هناك سبعة آلاف ركبة لم تجثُ للبعل، وليس إيليا وحده كما ظن (10:19-18).
وماذا نقول عن بولس الرسول الذي تعرَّض لكل أنواع المخاطر والمخاوف، لكنه كتب بالروح القدس يقول: "مكتئبين في كل شيء لكن غير متضايقين، متحيرين لكن غير يائسين» (2كورنثوس 8:4-9). ومن وسط السجن والإقامة الجبرية فاه أيضًا في رسالته الى الكنيسة في فيلبي قائلًا:
"افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا... لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله، وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكارهم في المسيح يسوع" (6:4-7 ).
وأخيرًا، أختم بهذه الكلمات المفعمة بالأحاسيس الصادقة والمحبة المخلصة لصديقة عزيزة عليّ كنت قد تعرّفت بها منذ سنوات خلَتْ. هذه الأخت، أصيبت بمرض خطير مرة ومرتين وثلاث. وكانت المرة الثالثة هي التي أودت بحياتها. لكن ما أودّ قوله هو بأنهَّا راحت تتفوّه بكلمات مليئة بالرجاء والأمل بحياة جديدة هناك مع الحبيب في السماء قبل أن تفارق هذه الحياة وهي في غرفة العناية المركزة في المستشفى. وأُعلمت بأنها أوصت بأن ترنَّم الترنيمة التي مطلعها: «أنا ذاهب للسماء» في خدمة جنازتها. أجل، هذا هو الرجاء الحي الذي مصدره ومنبعه الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد، رب الحياة ومعطيها. حتى وفي أحلك ساعاتها الحرجة فإنَّ ثقة صديقتي الغالية [منى] بفاديها جعلتها تنشد وتقول: «أنا ذاهب للسماء».
نعم، صدق بولس حين قال: "المسيح فيكم رجاء المجد..." فإذا نحن عشنا الحياة على حقيقتها وأسسها الصحيحة، فلا بد أن نحظى بالرجاء الحي الذي لن يفقدنا الأمل المتجدد يومًا فيومًا. بمعنى، إذا طلبت أولًا ملكوت الله وبره كما نصح الرب يسوع آنفًا، فهذه كلها تزاد لنا. ويكون هو معنا إلى انقضاء الدهر. وهذا ما يُحدِث الفرق في حياة أولاده. وإذا حدث ومرض الواحد منا، واختل تفكيره، فإنَّ الله لا يزال يشفي بحسب مشيئته، ومن خلال ما وفره لنا من معرفة طبية وعلاج. حبَّذا لو يعلم العالم أجمع أنَّ باعث الرجاء والأمل في حياتنا هو وحده الذي مات عنا، وقام منتصرًا على الموت، وها هو حي يشفع في المؤمنين به.
فهل تراك صديقي تؤمن به حقًا وفعلًا؟ وحذارِ من أن تبقى في وحدتك وغمِّك المخفيَّين، على الرغم من ابتسامتك المرسومة على وجهك كما فعل وليامز وغيره وغيره...