تشرين الأول October 2014
يقول الإنجيل في لوقا 15:3 عندما كان اليهود يتساءلون لعل يوحنا هو المسيح الذي ينتظرون، فقال لهم يوحنا مصححًا معلوماتهم: "أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلًا أن أحلّ سيور حذائه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار".
ويقول يوحنا المعمدان: "لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه..." (يوحنا 28:3). وأشار يوحنا إلى المسيح بالقول: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يوحنا 28:3-31). وفي يوم أقبل المسيح على يوحنا المعمدان وهو في منطقة المغطس شرق مصب نهر الأردن في البحر الميت، وكان يوحنا حينها يعظ محاطًا بالجموع، فعندما أقبل عليه يسوع من بُعد ولم يكن يعرفه بالوجه من قبل، شعر يوحنا بروح النبوة أن القادم هو المسيح، فرفع صوته مشيرًا إليه وقال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 29:1).
في قول يوحنا هذا وصف دقيق للمهمة التي جاء المسيح لأجلها، فالمسيح جاء ليرفع خطية العالم، ويحرِّر من سلطان الخطية، فقال فيه الإنجيل: "فإن حرَّركم الابن (المسيح) فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يوحنا 36:8)! وكأمثلة على ذلك فهو:
- حرَّر مريم المجدلية من شياطينها السبعة (لوقا 2:8)،
- وحرّر زكا العشار من طمعه وحب المال (لوقا 1:19-11)،
- وحرَّر شاول الطرسوسي من تعصبه القاتل وصنع منه رسولًا عظيمًا هو بولس الرسول (أعمال 9)،
- وحرَّر القائد الروماني كرنيليوس من وثنيته (أعمال 10)،
- وحرَّر اللص التائب المصلوب معه حين قال له: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا 39:23-44).
- وحرَّر أنسيموس سارق سيده وصنع منه فيما بعد أسقفًا خادمًا للمسيح (رسالة فليمون)،
- وحرَّر كاتب هذه الكلمات، وحرَّر كثيرين من القراء، وغيرهم ملايين من كل أمة وشعب وقبيلة ولسان، من جميع الخلفيات الدينية والعرقية والجغرافية في كل دائرة الأرض.
ما جاء المسيح ليؤسّس دينًا جديدًا، فديانة الله ما زالت قائمة من يوم آدم ومستمرة إلى يوم القيامة.
ولا جاء ليشكل دولة أو نظام حكم.
ولا جاء ليؤلف جيشًا يغزو به العالم لينصاعوا لتعاليمه.
ولا جاء ليشرع نظامًا للميراث، فهذه تتولاها الحكومات المدنية.
ولا جاء ليعلمنا كيف نصلي أو نصوم أو نتصدق، مع أنّه ذكر هذه وتلك في سياق خطبه وعظاته، لكنَّها لم تكن المطلب الذي جاء لأجله. فهو جاء لمهمة واحدة: جاء ليفدي! جاء ليرفع خطية العالم! جاء ليشفي من سموم علقت بنا يوم سقط أبونا آدم في معصية الله، وأصابتنا عدوى المعصية، وهكذا طردنا من محضر الله في الجنة وسكنَّا في هذه الغبراء.
جاء الأنبياء ليدعوا الناس للتوبة والتقرب إلى الله لعلهم يُشفون من داءٍ أصاب البشرية بعد سقطة آدم. أمّا المسيح فجاء ليعطي الدواء ويشفي من الداء، والدواء، هو دمه الكريم الذي نزف على الصليب لفداء البشرية.
واليوم، كثيرون يتمنون العودة إلى جنةٍ طردنا منها. والعودة إلى الجنّة ليست بلا ثمن! والثمن دفعه المسيح من قطرات دمه، فلا عودة لأحد قبل أن يمر بفداء المسيح ليُشفى من لعنة الخطية التي ورثها من آدم.
لقد حملت كنيسة المسيح عبر تاريخها الطويل مشعل النور لجميع الأمم، لتكون رسالة سلام ونجاة لمن يستجيب للنداء. وسلاحها الوحيد هو كلمة الله التي تحوي من القوة ما يفتِّت الصخر لمن ينفتح لها، فتزيل غشاوة العينين لتعطي حسن البصر والبصيرة لمعرفة الحقيقة والسير على هديها.
واليوم لا تخلو بقعة على وجه الأرض ممن استناروا بنور المسيح وتمتَّعوا بخلاصه، وجاءوا إليه من خلفيات دينية وعرقية متعددة فآمنوا به وتوّجوه ملكًا على حياتهم.
وها هو التقويم الميلادي مع كل مطلع شمس يذكِّر جميع الشعوب بأنَّ المسيح صاحب هذا التقويم قد جاء بمعجزة فريدة إلى هذا العالم... لأجل خلاصكم، جاء ليفديكم، ليحمل خطاياكم، ويمنحكم الحياة الأبدية.
وما زالت أبوابه مفتوحة ليل نهار لمن يُقبل إليه من كل الأمم والشعوب والألسنة.
ليس بالضرورة أن تكون هناك مبانٍ كنسيّة مفتوحة الأبواب لمن يرجو الهداية، فبعض المجتمعات تُحَرِّمُ وجودها في ديارهم، لكن باب السماء مفتوح دائمًا أبدًا ليستقبل كل من يرغب العبور. وصاحب الدعوة يقول لكل الشعوب:
"هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشّى معه وهو معي" (رؤيا 20:3).
وقال: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين (والغلابى والحائرين والخطاة التائهين) وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم، وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هين وحملي خفيف" (متى 28:11-30).
هذا هو المسيح مخلص العالم الذي جاء ليكون بركة لكل شعوب الأرض، والواقع يشهد بأن بالمسيح تباركت كل الشعوب، وبه تم وعد الله لأبينا ابراهيم، فإبراهم أبونا مات مثل باقي الناس، لكن جاء المسيح من نسله حسب ناسوته وصار بركة لكل شعوب الأرض.