"ينبغي أن تولدوا من فوق." (يوحنا 7:3)
لا توجد حقيقة في الكتاب المقدس أكثر أهمية من حقيقة الميلاد الجديد، ومع ذلك فكثيرون يجهلونها، بل وقليلون أيضًا يعظون عنها. كان يوحنا وسلي يعظ كثيرًا عن هذا الموضوع، فلما سُئل: لماذا تعظ كثيرًا عن هذه الآية "ينبغي أن تولدوا من فوق؟" أجاب: "لأنه ينبغي أن تولدوا من فوق." إن الولادة الجديدة هي أمجد اختبار يمكن أن يحصل عليه الإنسان، بل هي المعجزة المستمرة التي يُجريها الرب في حياة المتجددين.
هناك أفكار خاطئة عن الميلاد الجديد. فالبعض يكتفي بالتديّن بمظاهره المختلفة، ولكن التديّن لا يغني عن الميلاد الجديد، "لأن المولود من الجسد جسد هو." كان نيقوديموس من أكثر الناس تديّنًا، بل كان معلّمًا لليهود، ومع ذلك قال له المسيح: "ينبغي أن تولدوا من فوق." وكان كرنيليوس تقيًّا وخائف الله مع جميع بيته، ويصنع حسنات كثيرة للشعب، ويصلّي إلى الله في كل حين، ولكنه كان أيضًا محتاجًا إلى الولادة الجديدة. إذ جاء الصوت: "أَرْسِلْ إِلَى يَافَا رِجَالاً وَاسْتَدْعِ سِمْعَانَ الْمُلَقَّبَ بُطْرُسَ... وَهُوَ يُكَلِّمُكَ كَلاَمًا بِهِ تَخْلُصُ أَنْتَ وَكُلُّ بَيْتِكَ."
وممارسة وسائط النعمة المختلفة أمر واجب وضروري، ولكنها أيضًا لا تُغني عن الولادة الجديدة. كما يقول الرسول بولس: "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ." (غلاطية 15:6)
وفي موضوع الميلاد الجديد أضع أمامكم بنعمة الله أربع كلمات:
أولاً: ضرورة الميلاد الجديد
الميلاد الجديد أمر إلهي
من الذي أعلن هذا الحق الإلهي؟ إنه ليس مجرد كارز بشري، وليست هيئة أو طائفة معينة، بل إنها كلمات الرب يسوع نفسه.
قد لا نرى ضرورة لتنفيذ أي أمر بشري، وقد نعترض عليه. أما إذا كان هذا الأمر صادرًا من الله فهو واجب الطاعة والتنفيذ. إنه أمر إلهي غير قابل للتبديل أو التعديل. وهو لا يصلح لجيل دون آخر، بل هو صالح لكل الأجيال، ولنا أيضًا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور.
الميلاد الجديد أمر حتمي
لاحظوا كلمة "ينبغي"، أي إنه أمر لا مفرّ منه. وهو أمر حتمي لأنه لا علاج للطبيعة البشرية الفاسدة التي أساسها آدم الأول إلا بالميلاد الجديد. فكل إنسان يأخذ طبيعة والديه، وبسقوط وعصيان آدم صار الحكم على جميع نسله. "لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ." فكما دخلنا العالم بالولادة الجسدية، لا بد من الولادة الروحية لكي ندخل بها إلى المجد. وقد عبّر أحدهم عن ذلك بالقول: "إن كان أحد يولد مرة واحدة فقط فإنه يموت مرتين، ولكن إن كان يولد مرتين فإنه يموت مرة واحدة فقط."
الميلاد الجديد أمر شخصي
كان المسيح يتكلم مع نيقوديموس مهتمًّا بشخصه، وقال له: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ." ومع أن نيقوديموس لم يكن سكيرًا، أو زانيًا، أو قاتلاً، أو منبوذًا من المجتمع، بل كان معلمًا لليهود، إلا أنه كان محتاجًا إلى الميلاد الجديد. وقد تكون متديّنًا كنيقوديموس، أو بارًا في عينَي نفسك مثل كرنيليوس، أو غيورًا مثل شاول الطرسوسي. أو قد تكون محبًا للمال مثل زكا العشار، أو مستبيحًا مثل السامرية، ولكن أمر الرب لكل واحد من هؤلاء هو: "ينبغي أن تولدوا من فوق."
ثانيًا: ماهية الميلاد الجديد
يصف الكتاب المقدس الميلاد الجديد بأوصاف مختلفة، وكل وصف من هذه الأوصاف إنما يكشف عن جانب من حقيقة الميلاد الجديد.
الميلاد الجديد هو الولادة من الله
قال المسيح لنيقوديموس: "اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ." (يوحنا 8:3) وأن يولد الإنسان من الله معناه أن يصير ابنًا لله، ومن أهل بيت الله. إنه يصبح شريكًا للطبيعة الإلهية، بل ومشابهًا لصورة ابن الله. إنه انتقال من الموت إلى الحياة، ومن سلطان الظلمة إلى ملكوت ابن محبة الله.
الميلاد الجديد هو الولادة من فوق
"إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ." (يوحنا 3:3) إنها الولادة التي ننتقل بها من الأرضيات إلى السماويات، كما يقول الرسول: "وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (أفسس 6:2) وأيضًا، "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ." (كولوسي 1:3)
الميلاد الجديد هو الولادة الثانية
يقول الرسول بطرس: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ." (1بطرس 3:1) وبالنسبة لأنها ولادة ثانية فينبغي على جميع المولودين بالولادة الجسدية الأولى أن يحصلوا عليها ويختبروها.
الميلاد الجديد هو الخليقة الجديدة
"لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَلِ الْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ." (غلاطية 15:6) وهذا يعني التجديد والتغيير الشامل، كما هو مكتوب: "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا." (2كورنثوس 17:5)
ثالثًا: كيفية الميلاد الجديد
الميلاد الجديد ليس عملية إنسانية، ولا يتم عن طريق المجهود البشري. بل هو عملية إلهية لأنه خلق جديد. ومََنْ غير الخالق يستطيع أن يقوم به؟! لما فسد الوعاء الذي كان يصنعه الفخاري، عاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عينَي الفخاري أن يصنعه (إرميا 4:18). ومكتوب "مخلوقين في المسيح يسوع." (أفسس 10:2) "وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ."
عندما تساءل نيقوديموس: "كيف يمكن أن يكون هذا؟" قال له المسيح: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ." (يوحنا 5:3) بهذه الكلمات أوضح الرب يسوع المسيح كيفية الميلاد الجديد؛ من الماء والروح.
ويقول الرسول بولس: "أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ." (أفسس 26:5-27)
ويقول الرب أيضًا: "لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي." (إشعياء 10:55-11)
ويقول الرسول يعقوب: "شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ." (يعقوب 18:1)
أما الرسول بولس فيقول: "لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ." (1كورنثوس 15:4)
قال الرب يسوع: "اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ." (يوحنا 6:3) يصوّر الوحي المقدس حالة الإنسان قبل الميلاد الجديد بحالة الأرض في بدء الخليقة، فيقول: "وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ." (تكوين 2:1)
وماذا كان يفعل روح الله؟ الجواب: "تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ." (مزمور 30:104) وفي حزقيال 37 نرى صورة مباركة لعمل روح الله. لقد كانت البقعة ملآنة عظامًا يابسة جدًا، فقال الرب: تنبّأ على هذه العظام، فتنبّأت. وبينما أنا أتنبّأ كان صوت وإذا رعش فتقاربت العظام. فقال لي: قل للروح: هلمّ يا روح من الرياح الأربع وهب على هؤلاء القتلى فيحيوا. فحيوا، وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا.
رابعًا: علامات الميلاد الجديد
الحياة الجديدة
الميلاد الجديد يعني أن يتمتّع الإنسان بحياة جديدة. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا."
"وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ." (كولوسي 10:3)
قالت فتاة تغيّرت: "إما أن يكون العالم كله قد تغيّر أو أن أكون أنا قد تغيّرت."
الحياة المثمرة
هذه الحياة الجديدة لها ثمرها. "مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا." قال المسيح: "بهذا يتمجّد أبي أن تأتوا بثمر كثير." (يوحنا 8:15)
النموّ الروحي
أن يولد الإنسان طفلاً، هذا أمر طبيعي، ولكن أن يظلّ طفلاً كل حياته فهذا أمر غير طبيعي. وحينما يولد الإنسان الميلاد الجديد يولد طفلاً في الإيمان، ويحتاج إلى النمو الروحي "وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (2بطرس 18:3)
المحبة الأخوية
يقول رسول المحبة: "كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ الْوَالِدَ يُحِبُّ الْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضًا." (1يوحنا 1:5)
والآن، ما هو موقفك؟ أنت بلا شك تعرف متى وُلدت الولادة الجسدية الأولى، ولكن هل وُلدت الولادة الثانية؟ وهل تعرف متى وُلدت هذه الولادة الثانية؟ إن الرب يسوع المسيح يقول لك الآن: "ينبغي أن تولد من فوق." لا تقل كيف أولد من فوق؟ هذا عمل إلهي. فقط سلّم نفسك لكلمته ولعمل روحه القدوس فيلدك الآن ولادة جديدة.
احذر من أن تضيع منك هذه الفرصة، أو ترفض هذه الدعوة. قال المسيح: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ." وقال أيضًا: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ."
عزيزي القارئ، "ينبغي أن تولد من فوق."