"يَا زَكَّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ."
(لوقا 5:19)
قال الرب لحزقيال النبي: "يَا ابْنَ آدَمَ، اكْتُبْ لِنَفْسِكَ اسْمَ الْيَوْمِ، هذَا الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ." لكل واحد، رجلاً كان أم امرأة، شابًا أم شابة، أيامًا في حياته تستحق أن تُكتب لأنها أحدثت في حياته تغييرات جذرية وكلّية.
لو كان معنا اليوم زكا، وطلبنا منه أن يكتب اسم يوم كان له في حياته الأثر الكبير لكتب اسم اليوم الذي فيه دخل المسيح إلى بيته وحياته. وليس زكا فقط يفعل ذلك، بل كل مؤمن ومؤمنة سيفعل الأمر نفسه.
طلب زكا أن يرى يسوع من هو، ولم يقدر أن يراه من الجمع لأنه كان قصير القامة فتسلق جميزة كان المسيح سيمر بجوارها. وما أن وصل المسيح إلى المكان إلا ورفع نظره وقال: "يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك." كم كان فرح زكا عظيمًا لأنه نال أكثر جدًا مما كان يطلب أو يفتكر! ما أبهج اليوم الذي فيه يدخل يسوع بيت وقلب أي إنسان! وبكل أسف أقول: إن كثيرين جدًا لا يوجد للمسيح مكان في بيوتهم وقلوبهم.
سؤالي الذي أوجهه إلى القارئ العزيز: هل دخل المسيح بيتك وقلبك؟ وللفائدة سأتحدّث عن اليوم الذي دخل فيه يسوع بيت زكا في ثلاثة أمور:
أولاً: دعوة للإسراع
"يا زكّا، أسرع وانزل." فالفرصة الوحيدة أمامك اليوم فاغتنمها. ماذا لو لم يسرع زكا وينزل، واكتفى فقط برؤية يسوع؟ لكان حرم نفسه من بركات عظيمة كانت معدة له من قبل الرب يسوع. عندما يقدم الرب الدعوة لأي شخص فعلى هذا الشخص الإسراع في الاستجابة للدعوة.
كانت رغبة زكا في رؤية يسوع قوية وجادة. بُنيت هذه الرغبة بناء على ما سمع عن الرب يسوع. سمع عن شخصيته الرائعة، وقوته الفائقة، وحكمته التي لا حدود لها، وتعاليمه السامية، فتاقت نفسه لرؤيته. وأمام تحقيق تلك الرغبة وقفت معطلات كثيرة أذكر منها:
كان رئيس العشارين. والعشارون كانوا مكروهين جدًا من جميع اليهود.
كثرة الجمع الذي كان حول المسيح.
كان قصير القامة.
كان من الممكن أن يقول في نفسه: أنا حاولت أن أراه، وعملت كل ما أستطيع عمله، لكن ما باليد حيلة، ولكن زكا لم يقل ذلك، بل بسرعة ركض نحو جميزة وبدأ يتسلقها. ولعلكم تدركون معي صعوبة تسلّق الجميزة، لأنها ملساء تتطلب مجهودًا ووقتًا لكي يتسلقها. كان المسيح يقترب من هذه الشجرة، وما أن وقف بالقرب منها حتى رفع نظره وقال له:
يا زكا، أسرع وانزل، لأنه ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك.
يقدم الرب يسوع اليوم دعوة لكل إنسان أن يسرع وينزل. هوذا الآن وقت مقبول. هوذا اليوم يوم خلاص. إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم. يقول المرنم:
أوعى تؤجّل وتْقول بُكرا يمكن بُكرا تبقى بحسره
ثانياً: وعد بالاستمتاع
"ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك." أنت أردت أن تستمتع فقط بالنظر إليّ، لكنني سأذهب معك وسأبقى في بيتك اليوم كله. سأعطيك بدون كيل.
كان موقف السامعين لكلام يسوع موقفًا متشددًا. انتقدوه انتقادات لاذعة قائلين: "إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ." وفعلاً، كانت فكرتهم عن زكا فكرة صحيحة. فلم يكن زكا خاطئًا عاديًا، بل أكثر الناس شرًا ونجاسة. كان قاسيًا لا يرحم كما يقولون. يأخذ التسعة ويندم على العاشرة. وكم قاد إلى السجون أناسًا لم يملكوا أموالاً ليدفعوها عنهم. كم ظلم، وكم وشى؟ ولا شك أنه كان سببًا في دمار وخراب بيوت. أليس من الغريب أن الناس كانوا يريدون أن يبقى زكا على هذه الحالة دون تغيير؟ ولكن ماذا كان شعور زكا عندما سمع كلام الرب يسوع؟ لا شك أنه كان سعيدًا جدًا لأنه سيتمتع بوجود الرب في بيته ويتلذّذ في حضرته، ويستمع إلى حديثه.
لقد دخل النور إلى بيت زكا ليبدد كل ظلمة فيه – دخل الحق ليطرد الجور والظلم... يا لها من سعادة تعجز الألسنة عن وصفها! إنه يوم لن ينساه زكا أبدًا. إنه أحلى أيام عمره!
لا توجد سعادة ولا راحة ولا سلام ولا لذة حقيقية بعيدًا عن يسوع، له كل المجد! أموال زكا كلها لم تقده إلى الاستمتاع والراحة والسلام والأمان... إن وجود الرب يسوع في الحياة وفي البيت هو فقط سر كل البركات... يتحدث كاتب المزمور عن المشاعر التي ملأت نفسه قائلاً: "فَاضَ قَلْبِي بِكَلاَمٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ. أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي الْبَشَرِ. انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ." وقالت عنه عروس النشيد بعض العبارات التي تؤيد عظمة الرب: "ها أنت جميل يا حبيبي... حبيبي أبيض وأحمر. مُعلمٌ بين ربوة... حلقه حلاوة وكله مشتهيات."
ثالثًا: خلاص وإقناع
تعالوا بنا لنرى ما حدث بعد دخول الرب يسوع بيت زكا. وقف زكا فجأة وعلى غير توقّع وانتظار، وقال: "هَا أَنَا يَا رَبُّ أُعْطِي نِصْفَ أَمْوَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدْ وَشَيْتُ بِأَحَدٍ أَرُدُّ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ." لم يصدّق أحد من الموجودين أذنيه. فالجميع يعتبرون ذلك ضربًا من ضروب الخيال، لكن لما رأوا زكا يتحرك نحو خزينته ويخرج منها بعض الأموال ليوزعها على الملتفين حول بيته غيّروا فكرهم. أرجو أن تلاحظوا أن زكا لم يقل أربعة أمثال بل أربعة أضعاف، أي يرد عن الدينار الواحد ثمانية دنانير! يا لغنى نعمة الرب التي حوّلت إنسانًا ظالمًا مغتصبًا لأموال الناس إلى إنسان آخر! يا لها من معجزة؛ لا شك أدهشت كل الموجودين حتى أسرة زكا نفسه! وازدادت دهشة الحاضرين عندما تحدث يسوع وقال: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت." ومع كل أسف، بعض الناس يقولون: لم يحصل خلاص. لكنه كان هذا الخلاص:
خلاص شخصي: إذ خلص زكا شخصيًا
خلاص عائلي: خلاص لهذا البيت
خلاص فوري: حصل خلاص
إن هذا الخلاص أسعد القلوب وفرّح النفوس. أسعد قلب زكا، وقلب كل فرد من أفراد أسرته، وأسعد الذين كان زكا يقسو عليهم. أسعد قلب الرب يسوع وقلوب كل المؤمنين الذين كانوا في بيته، والذين سمعوا عن ذلك. أسعد السماء! "يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب."
حقًا إن هذا اليوم هو أحلى أيام العمر!