Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدويقرأ الكثيرون من الدارسين للكتاب سفر أيوب بشغف، ويتفاعلون بشدة مع التجربة القاسية التي تعرّض لها، ولا سيما أنه كان قد وُصف من قِبل الله بأنه "كامل ومستقيم، يتّقي الله ويحيد عن الشر." كما يذكر الكثيرون أيضًا أصحاب أيوب الثلاثة: أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماتي، الذين ادّعوا أنهم جاءوا لتعزيته. ولكنهم بالحقيقة بدأوا بتجريمه وتجريحه دون أي دليل. ورغم أنهم قالوا كلامًا جيدًا عن الله، لكن أقوالهم تلك كانت من قبيل الحق الذي يراد به باطل. وقد صدق أيوب بقوله: إنكم [معزون متعبون.]

إن قلّة من القراء يذكرون، بمثل ذلك الاهتمام، الخطاب قبل الأخير في سفر أيوب، ألا وهو خطاب [أليهو بن برخئيل البوزي]، والذي جاء معبّرًا عن فهم روحي فاق مستوى فهم أهل زمانه.
كانت معظم صلوات أيوب في الأصحاحات الأولى من السفر عبارة عن رثاء للنفس وعتابٍ لله على عدم إنصافه مع التنويه ببرّه الذاتي، بينما كانت خطابات أصحابه تبريرًا لله وتجريمًا لأيوب بدون رحمة. أما فلسفة أليهو فقد قامت على حقيقة أن الله يسمح أحيانًا بأن يجرّب المؤمن بالآلام من أجل تنقيته وتزكية إيمانه.
في كتابات أحد المفسرين لسفر أيوب قرأت قولاً نصه كالتالي: "فمن الواضح أنه [أليهو] لم يكن يعرف الله ولا اختبر الشركة معه كما اختبرها أيوب." إلى أن يقول: "انتهى أليهو من خطابه الطويل عديم الفائدة. وعندها أجاب الرب أيوب."
وأنا أقرأ هذا التفسير السطحي حزنت لإطلاق حكم غير سديد على جزء هام من الكتاب، فلربما يكون ناتجًا عن عدم فهم لأسرار اللغة الأصلية التي كُتب بها، حيث أن خلفية السفر هي ثقافة عربية – آرامية، وذلك واضح من كثرة الاستعارات والكنايات والتشابيه والمجازات اللفظية والمعنوية، التي أعطت هذه القصائد غنىً أدبيًا ملحوظًا، ويرجّح الكثيرون الأصل العربي له. ولقد ورد إلى ذهني قول الرسول بولس: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ." (2تيموثاوس 16:3) فقلت في نفسي: إن هذا الخطاب جزء لا يتجزّأ من ذلك الكلّ الموحى به من الله والنافع... ولا سيما أنه شغل مساحة ستة أصحاحات كاملة من هذا السفر؛ من بداية أصحاح 32 إلى نهاية أصحاح 37. فكيف يسمح الروح القدس لمخلوق ما أن يشغل كل هذه المساحة من الكتاب المقدس بكلام عديم الفائدة؟
إضافة إلى أن خطاب أليهو كان موضوعه الأساسي تبرير الله وتنزيه مقاصده عن كل ظلم أو خطأ، والشهادة لكماله المطلق، الذي يعسر استقصاؤه على أفهام بني البشر، فقد كان أهم عناصره: إعلان خلاص الله وغفرانه الكامل، بقبوله لكفارة الوسيط البار الذي بذله فدية لكي يخلّص الجنس البشري، الذي سقط في خطية الكبرياء والعصيان، فيعيد له بهجة الخلاص ورجاء الحياة الأبدية.
فهو يقول: "إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ (عند الله) مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ اسْتِقَامَتَهُ (أي الوسيط)، يَتَرَاَءَفُ (الله) عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى الإِنْسَانِ بِرَّهُ (بر الوسيط). يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ." (أيوب 23:33-28)
إن هذا المقطع يعلن بكل وضوح "قصة الفداء" قبل تجسد الفادي. فذلك الوسيط كان عند الله، ثم أرسله إلى العالم "والكلمة كان عند الله." (يوحنا 1:1)
"واحد من ألف"، هذه العبارة تعني تميّز وفرادة هذا الوسيط، وهي مأخوذة من نظام الجيش في تلك الأيام، حيث كانت الممالك الصغيرة جدًا (ممالك المدن أو القرى) كما نقرأ في تكوين 8:14 "فَخَرَجَ مَلِكُ سَدُومَ، وَمَلِكُ عَمُورَةَ، وَمَلِكُ أَدْمَةَ، وَمَلِكُ صَبُويِيمَ، وَمَلِكُ بَالَعَ، الَّتِي هِيَ صُوغَرُ." وجميع هذه الممالك كانت تضمها بقعة صغيرة في منطقة البحر الميت. فقد كان الألف هو العدد الأعظمي للجيش، وكان الملك نفسه هو القائد الذي يتمتّع بالسلطة والاعتبار. وحينما تقدم الزمن، أي في أيام "سليمان"، أصبحت الممالك أكبر فأصبح العدد الأعظم للجيش عشرة آلاف. لذلك تقول عروس النشيد في وصف حبيبها: "مُعلمٌ بين ربوة." أي فريد مميّز بين الجميع. فكلمة "مُعلمٌ" تعني: له علامة مميزة على كتفه كما في جيوش اليوم، وبذلك يقول إشعياء في النبوّة عن المسيح: "وتكون الرياسة على كتفه."
"ليعلن للإنسان استقامته"، أي برّ ذلك الوسيط الفادي.
"يتراءف (الله) عليه ويقول: أطلقه عن الهبوط إلى الحفرة، قد وجدت فدية." أي قبلت كفارة الوسيط الفادي عن ذنب الإنسان.
"يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ." هذه هي صورة الحياة المتجددة بالإيمان بعمل الفداء.
"يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ." وهذه صلاة التوبة وإعلان الخضوع للرب.
"فيردّ على الإنسان برّه." برّ الوسيط الذي حوّله لصالح الإنسان الخاطئ.
"يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ." هذه الكلمات تبيّن إعلان فرح الخلاص من قبل الخاطئ الذي يشهد لنعمة الفداء ويترنّم بتسابيح الفرح بالخلاص ونوال الحياة الأبدية.
أليس هذا ملخّصًا رائعًا للإنجيل المقدس، ولخطة الله المعلنة فيه؟ نراه هنا بروح النبوّة، ويعلن بذلك التسلسل الواضح لمراحل عمل النعمة في قلب الخاطئ!
وكما يعلن أليهو عن الوسيط الفادي "الأقنوم الثاني" في اللاهوت، فإنه يعلن أيضًا عن الروح القدس بقوله: "وَلكِنَّ فِي النَّاسِ رُوحًا، وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ." (أيوب 8:32) ويقول أيضًا: "رُوحُ اللهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ الْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي." (أيوب 4:33) فقد أدرك الثالوث الأقدس بالإيمان فتكلم عنه بوضوح. وإذا ما بحثنا في مقاطع هذا الخطاب الهام فإننا سنرى أيضًا:
عظمة الله ودقة تدبيراته (12:33-22)
عدالة الله (10:34-22)
حكمة الله في خلقه (9:35-11)
إنذارات الله وطول أناته (5:36-15)
عناية الله وصلاحه (16:36-21)
كمالات الله وقدرته السرمدية
(22:36-33)
سعة علم الله ومعجزاته في الكون
(14:37-24)
ومع ذلك فإن السفر ذاته يعطينا الدليل الداخلي على أهمية خطاب أليهو. فإنه لم يكن عبثًا ولا منافيًا للحق كما تبين النقاط التالية:
لم يعترض أيوب على أي مقطع من ذلك الخطاب، وبعضها كانت موجّهة له شخصيًا. السكوت دليل الرضى، حيث أن أيوب كان ذكيًا وكان يوازن الأقوال كما رأينا في ردوده على أصحابه الثلاثة.
لم يطلب الله من أليهو أن يقدم توبة عما تكلم به، أو أن يقدّم ذبائح كفارة للرب، أو يلتمس من أيوب أن يصلي لأجله.
لقد بدأ الرب خطابه مع أيوب من النقطة التي انتهى عندها أليهو، وتابع الرب إعلان قدرته الفائقة وسلطانه العظيم.
صديقي الغالي، إن ثوابت الله لا تسمح لنا بالطعن في حرف صغير من الكلام الذي سمحت مشيئته بتدوينه في الكتاب المقدس، حيث أن جميع أموره مرتبة على مستوى عظمة شخصه. فليس عنده من مكان للعبث وعدم الجدوى.
إن تلك التنويهات الرائعة، والتحذيرات المصيرية التي نطالعها في خطاب أليهو، لتجعلنا نضع ثقتنا الكاملة في كل جزء من هذا الكتاب العظيم، "كلمة الله الموحى بها بالروح القدس"، وليس فيها ما هو عديم الفائدة.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10474191