Voice of Preaching the Gospel

vopg

AdmaHabibiبراعم الأمل تتفتَّح في وادي الألم
"خدَمْتُه أكثرَ من ثمانٍ وستين سنة من حياتي، ولم يصنعْ معي إلاَّ الإحسانَ والرحمة، ولم يُرِني إلاَّ الخيرَ والصلاح، فكيف لي أن أُنكر سيدي هذا وأشتمَ أو ألعنَ مَلِكي الذي خلَّصني؟"

كان هذا جواب Polycarb بوليكارب (69-155 بعد الميلاد) الذي كان أسقفًا وراعيًا في كنيسة سميرنا Smyrna في عهد الرومان بعد أن أوعزتْ إليه السلطة الرومانية بأن يلعن المسيح إذا كان يريد فعلًا أن يفلَت من يدهم وينقذَ حياته. لكن لمَّا سمع الشرطي الروماني قراره هذا ما كان منه إلاَّ أن حذّره مجددًا وقال له متوعِّدًا: "إذا لم تغيِّر رأيك هذا، فأنا مزمعٌ أن أجعل من جسدك منارةً في الطريق للعابرين وشعلةَ نارٍ عقابًا على عنادك."
أما بوليكارب الراعي الأمين فقد بقي ثابتًا في موقفه ولم يتزعزع. وعليه نفَّذ الشرطي الروماني حكمَه الجائر بحق راعي كنيسة سميرنا، وأشعل في جسده النار حتى احترق بالكامل.
لقد سبقت هذا المشهد المؤلم حادثةٌ أخرى مشابهة حدثتْ قبلًا بقرونٍ عديدة حين زجَّ الملكُ البابلي نبوخذنصر في القديم ثلاثة شبَّان في ريعان الصبا، كان قد سباهُم من أورشليم، زجَّهم في أتون النار المحمَّاة سبعة أضعاف ليحترقوا حرقًا فلا يبقى منهم أيُّ أثر، وهم شدرخ وميشخ وعبدنغو عبيد الله الحي، حين رفضوا هم أيضًا أن يُنكروا الله الحقيقي ويسجدوا لتمثال الذهب الذي صنعه الملك. وأجابوا الملك بكل شجاعة وشهامةٍ نادرتَيْن قائلين: يا نبوخذنصر... هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجّينا من أتون النار المتَّقدة، وأن ينقذَنا من يدك أيها الملك. وإلاّ فلْيكن معلومًا لك أيُّها الملك، أنَّنا لا نعبدُ آلهتَك، ولا نسجدُ لتمثال الذهب الذي نصبتَه." (دانيآل 3)
نعم، حادثتانِ متشابهتانِ ولكنَّهما في النتيجةِ مختلفتان، فأسقفُ كنيسة سميرنا في عهد الرومان ماتَ حرقًا وهو حيّ، أمّا شدرخ وميشخ وعبدنغو فخرجوا من وسَط أتون النار أحياء إذ لم تكن للنار قوةٌ على أجسامهم، وشعرةٌ من رؤوسهم لم تحترق وكذا سراويلُهم لم تتغيَّر. بالحق نتيجتان مغايرتان لحادثتين تألَّقَ فيهما الإيمانُ تألُّقًا وظهر بأعمق معانيه. فأولئك الرجالُ الثلاثة برهنوا أنَّ الإيمان بالله ليس هو الثقة بما يمكِنُ أن يفعلَه الله من أجلهم ولَهُم، بل الإيمان بالله لأنه هو الله الحي الحقيقي، بغضّ النظر عن النتائج المتأتية على عبيده في وسط الضيقات، لأنَّه هو وحده الله صاحب الكلمة الأخيرة. والقرار هو لنا نحن لكي نختار اتِّباعه حتى في أحلك الظروف والمِحَن.
(عن خبزنا اليومي بتصرف)
والآن، ماذا يحصل في عالمنا الحاضر، الذي نعيش في كنفِه؟ عالمِ الحضارة والتقدّم؟
ماذا يحصل في شرقنا الأوسط الحبيب؟
نظرةً واحدة ننظرُ فيها إلى ما يجري من حولنا يا قارئي، تكفينا لكي نستعيدَ التاريخَ المسيحي القديم في فجر المسيحية الأولى، فنضمُّ إلى قائمة أولئك الشهداء الذين سفكوا دماءَهم في سبيل إيمانهم بالمسيح الحيّ، نضمُّ إليها الآلافَ من الناس رجالًا، ونساءً، وأطفالًا، الذين فضّلوا أو اختاروا الشهادة على أن ينكروا سيدَهم بينما السيوفُ ترقد على أعناقهم، والوجوهُ الملتحفةُ بالسواد تحملِقُ في وجوهِهم. وهكذا تطول ُالقائمة يا قارئي بانقضاء كل يوم وكل ساعة، لا بل في انقضاء كلّ لحظة إذ ما زلنا نسمع عن أناسٍ جددٍ تُكتبُ أسماؤهم بحبرٍ أحمرَ قانٍ على صفحاتها، وتَفتحُ السماءُ أبوابَها لتستقبلَ المزيد ممَّن ارتأوا أن يتبعوا السيِّد حتى النهاية. وما فتئت أرضُ شرقِنا تُروى من دماء المسيحيين الغوالي.
ثم ماذا نقول عن مسيحيّي العراق، وعن الذين استشهدوا وهم في الكنيسة يعبدون؟
وماذا نقول عمَّا يجري في سورية من تهجير وتشريد وتقتيل لعائلاتٍ بأكملها لأنّها فقط تحمل اسمَ المسيح وترفع رايةَ الفادي؟
وماذا عن الأقباط المصريين الذي وقفوا صفًا واحدًا على شاطئ البحر في ليبيا وهم غير خائفين من مصيرهم المحتَّم، بسبب أنَّهم مسيحيون؟
أجل، ماذا عن أمثالهم في المغرب العربي، في مصر، في تونس، في الجزائر والمغرب؟!
هؤلاء أجمعون، لم يَحسِبوا نفوسهم ثمينة، بل تمَّموا بفرح رسالةَ السيد له المجد، واختاروا أن يدفعوا حياتَهم ثمنًا لإيمانهم بالمسيح.
إلى كلِّ هؤلاء نقف وقفةَ إجلالٍ واحترامٍ وإكرامٍ، على كلِّ ما مرُّوا به من معاناة، واضطهاد، وألم، وذلٍّ وهوان، واحتقارٍ وبؤسٍ وشقاء. لكن في النهاية توَّجَهُم السيدُ له المجد بإكليل الحياة واستقبلَتْهُم الملائكةُ بحفاوةٍ بالغة، لأنَّهم فعلًا أبطالٌ قضَوا في عالمٍ لا يفقَهُ معنى الحبِّ الحقيقي، والانتماءِ الحقيقي للإله الحقيقي.
لكن مهلًا، ألم يتبعُوا خُطى السيد؟
بالطبع نعم.
أوَلَمْ يقلْ من البدء يوم كانَ على أرضنا: "لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصَّته.ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم. اذكروا الكلام الذي قلته لكم: ليس عبد أعظم من سيده. إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم." (يوحنا 19:15-20أ)
ثم تابع الرب يسوع ليقول في الفصل السادس عشر: سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظنُّ كلُّ مَنْ يقتلُكم أنهُ يقدِّم خدمةً لله." لا شكَّ أنَّ المؤمنين الأوائل في زمن المسيح كانوا يتحدَّرون من أصلٍ يهودي، لهذا قال لهم بأنَّهم سيخرجونَهم من المجامع حيث كانوا يكرزون باسم المسيح.
ألمْ يُقتلِ التلاميذ أجمعون ويصبحُوا شهداء لأنهم شهدوا للمسيح الذي هو الحقُّ والحياة؟ واليوم ينطبق هذا على كل مسيحي مضطهد يدفعُ حياته ثمنًا لإيمانه بالفادي المسيح. حقًا، إذا كانوا قد فعَلوا بالسيد هكذا فهل من عجيبٍ ما يحصلُ اليوم في عالمنا هذا؟
بالطبع لا.
وفي هذا الصددِ أيضًا، لا بدّ أن نحيِّي كلَّ خادم وخادمة من أجل شجاعتهم وشهامتهم وجرأتهم إذ ارتأوا أن يصمدوا هناك في شرقنا لكي تستمر الخدمة. وهم إلى الآن لا يزالون ناشطين في الشرق الأوسط النازف، لا سيما في سورية حيث الوضع المأساوي الموجع وفي العراق أيضًا. وأقفُ أمام إلهي شاكرةً على كل فرد من هؤلاء الأبطال الذين يقفون في الصفوف الأمامية يوميًا، يشجّعون شعبَهم، في ساعات المِحَن والأزمات. ويقدِّمون ويبذلونَ الغالي والرَّخيص في سبيل أن يرعَوا رعيةَ الله بأمانةٍ بالرغم من الظروف والاضطهادات والحروب والمآسي التي يشهدونها ويواجهونها في كل يوم. فإلى هؤلاءِ الأبطال الخدَّام، أبطال الإيمان العملي، أقدِّم كلَّ تقديرٍ وامتنانٍ واعتزاز. وأصلي أن يحفظَهم الله العلي القدير تحتَ جناحيهِ القويتين، فيكونوا مشعلًا يضيءُ وسط هذا الليل البهيم، ويقودوا الناس إلى أملٍ يبزُغ من وسطِ الوجع والألم، ورجاءٍ يسطعُ في قلب كلِّ محتاج يلجأ إلى الله فإنَّه وحده القدير الذي يُخرجُ من الآكِلِ أُكْلًا ومن الجَّافي حلاوة. وحدَه الذي يُنبتُ براعمَ تتفتَّحُ في قلبِ هذا الوادي السّحيق. براعمُ هي النفوس اليانعة التي تخلُص بفعلِ خدمةِ هؤلاء الأمناء الأبطال الذين يعملونَ بدون كلَل أو ملَل، وبكل جرأة وبأس لأنهم لا يعتمدون على أنفسهم، بل على قوة الروح القدس الذي يسكن فيهم وهكذا يأتون بثمار تدوم للحياة الأبدية.
أما نحن البعيدين عن حلَبَة الصراع الأليم في شرقنا الحبيب، فما علينا إلا أن نسلِّم بأنّ الله لا يزالُ على عرشه قائم، وأنَّ بيده مقاصيرَ الأمور كلَّها، وأننا عليه نتكل، وبه نثق. لأن "فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما". وهو لا بدّ أن يُخرج من وسطِ وادي الدموع هذا، ووادي الرعب، براعم جديدة هي ثمارٌ لملكوته الروحي الأبدي الذي يمتد ويزداد. فيا مرحى لكلِّ مَنْ له نصيبٌ في هذا الملكوت من أيِّ جنس أو عِرقٍ أو لونٍ كان. لأنه هو وحده النصيبُ الصالح الذي لن يُنزَع مِنه.

المجموعة: آب (أغسطس) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

294 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576995