يفتقر العالم في هذه الأيام إلى الرجال الأمناء. نعم، قد يتشدّق الكثيرون بالأمانة، ويتظاهرون بالصلاح والتقوى، لكن حقيقة أمرهم تتنافى مع مظهرهم وادّعائهم. فالرجل الأمين ينبغي أن يكون أمينًا لله في كل شيء استأمنه الله عليه، فالله قد وهب الإنسان نفسًا وروحًا وجسدًا، ويجب عليه أن يحفظها بنعمته من كل دنس وشر في العالم.
أيضًا أعطاه مواهب وإمكانيات وخيرات وبركات كي يخدمه ويمجده في حياته، وكل إنسان هو وكيل في دائرته الخاصة، وينبغي أن يكون أمينًا أيضًا لصاحب الوكالة. إن الأمانة تكون في القليل كما في الكثير، "الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير..." (لوقا 10:16)
الله لا يطالبنا بثمر أكثر من مقدورنا أو بربح أكثر من استطاعتنا، لكنه ينتظر أن نتاجر ونربح بالوزنة الصغيرة التي بين أيدينا. إذًا، علينا ألا نحتقر الأعمال الصغيرة التي تُسند إلينا، بل نؤديها بأمانة وبروح عالية، حتى ولو كانت هذه الأعمال تافهة في نظر الآخرين.
أيضًا علينا أن نكون أمناء من جهة الآخرين، فنعطي كل واحد حقّه. بل أكثر من هذا، ينبغي أن نرشدهم لكل ما هو لخير حياتهم الزمنية والأبدية. فليس من الأمانة أن نتمتع نحن ببركات الله الروحية وبالسعادة الإلهية، بينما نسد آذاننا عن صراخ البائسين الذين يقولون اعبروا إلينا وأعينوننا. نعم، ينبغي أن نكون أمناء في قيادة النفوس إلى المخلص، مصدر الراحة والسعادة.
حقًا ما أمجد حياة الأمانة! فالرجل الأمين يكسب ثقة الآخرين، وينجح في طريقه، ويكرمه الله في حياته ومماته، حتى الأعداء لا يجدون شيئًا يذمّونه به. أيضًا ما أكثر البركات التي يحصدها الرجل الأمين حسب وعد الكتاب المقدس: "الرجل الأمين كثير البركات." (أمثال 20:28) فمن يسلك بالأمانة في حياته، ولا يحاول أن يجمع المال أو غير ذلك بطريقة غير مشروعة، لا شك أنه ينال خيرًا جزيلاً. إن من يكون أمينًا في وكالته سيسمع في اليوم الأخير ذلك القول المبارك: "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ." (متى 21:25) إن الله يراقب أمناء الأرض ويشملهم برعاية خاصة، بل أكثر من هذا، فهو يقول: "عَيْنَايَ عَلَى أُمَنَاءِ الأَرْضِ لِكَيْ أُجْلِسَهُمْ مَعِي. السَّالِكُ طَرِيقًا كَامِلاً هُوَ يَخْدِمُنِي." (مزمور 6:101) وهو ينادي كل واحد منا قائلاً: "كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة." (رؤيا 10:2)
قد تسأل: كيف يصير غير الأمين أمينًا؟! الجواب، إنها نعمة الله المغيّرة القادرة أن تهبنا حياة الأمانة كي نسلك بالتدقيق في حياتنا اليومية بكل أمانة من نحو الله ومن جهة الآخرين، إن طلبتها من قلب مخلص ونية صالحة.
آه، ليتنا نلتجئ إلى الرب مصدر الأمانة، ليعطنا أن نكون أمناء في كل أيامنا حتى الموت.