يتحدث الكتاب عن ثلاثة أنواع من الجلسات: جلوس الرب، وجلوس الملائكة وجلوس البشر. ويدور حديثي اليوم حول إحدى جلسات البشر.
يجلس البشر جلسات ذات نوعين: نوع سيّئ ونوع جيد. وسأضرب ثلاثة أمثلة عن الجلسات السيّئة وثلاثة عن الجلسات الجيدة. الجلسة السيئة الأولى هي جلسة شعب الرب حول العجل الذهبي. "ثم جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب."
والثانية هي جلسة بطرس مع الجواري. والثالثة جلسة أفتيخوس في الطاقة في الطابق الثالث. هذه الطاقة التي تطل على اجتماع المؤمنين وعلى خارج الاجتماع.
والجلسات الجيدة هي جلسة الشعب عند قدمي الرب. "فَأَحَبَّ الشَّعْبَ. جَمِيعُ قِدِّيسِيهِ فِي يَدِكَ، وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ." (تثنية 3:33) والثانية هي جلسة الملك داود أمام الرب. "فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال ..." والثالثة هي جلسة مريم عند قدمي يسوع والتي نراها عند قدمي الرب في ثلاثة مواضع هنا في لوقا 39:10، ويوحنا 32:11، ويوحنا 3:12.
وسأتحدث عن الجلسة الأولى في كلمتين: حسن الاختيار وروعة الاختبار.
أولاً: حسن الاختيار
ما أعظم هذه الكلمات التي دوّنها الوحي المقدس عن مريم: "وأما مريم فاختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها." (لوقا 42:10) والناس إزاء الاختيار نوعان: نوع يختار الرب له نصيبًا، والآخر يختار الشيطان نصيبًا له. وما أعظم الفرق بين هذين الاختيارين؛ الذين اختاروا الرب نصيبًا لهم اختاروا مصدر السلام والراحة والقوة والبركات الكثيرة والكثيرة جدًا، أما الذين اختاروا الشيطان فقد اختاروا لأنفسهم العبودية القاسية وتعب القلب، والعقل، والجسد، والنفس. لا يفعلون ما يريدون بل ما يريدهم الشيطان أن يفعلوا. ولا يتكلمون بما يريدون بل ما يريدهم الشيطان أن يتكلموا، ولا يفكرون بحرية بل يقيدهم الشيطان فيفكرون بما يريدهم الشيطان أن يتفكروا به.
إن الرب هو النصيب الصالح الذي يجب أن نفتخر به على الدوام. قال داود: "الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي. حبال وقعت لي في النعماء، فالميراث حسن عندي." وقال عنه إرميا في وسط مراثيه وأحزانه على الحالة الروحية المتردية للشعب: "أردد هذا في قلبي... نصيبي هو الرب، قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه." الرب هو النصيب الصالح لأن كل الأنصبة الأخرى ليست صالحة بل كثيرًا ما تكون ضارة ومؤذية... قتل شاب أخاه الأصغر، ولما سئل لماذا قتلته؟ قال: لكيلا يشاركني في الميراث. ولم يدرِ أنه سيدخل السجن بسبب هذا العمل وقد يُحكم عليه بالموت... مات الابن الأكبر في السجن، ومات الأب حزنًا على ولديه، وتقاتل الأهل على الميراث... وكل واحد يريد نصيبًا أكبر.
أما الرب يسوع النصيب العظيم والصالح فهو النصيب الذي يشبع النفوس الجائعة ويروي النفوس الظامئة ويعزي النفوس الحزينة، ويسند الضعفاء. يحمل أولاده على منكبيه. فليتنا نحن الذين اخترنا هذا النصيب الصالح نشغل كل أوقاتنا في التفكير فيه والتحدث معه وعنه ولنخدمه بكل أمانة ونشاط.
ثانيًا: روعة الاختبار
جلست عند قدميه وكانت تسمع كلامه. وهل يوجد أروع من هذا الاختبار؟ ما أعظم أقوال الرب أيها الأحباء! إنها أساس حياتنا. "ليس بالخبز يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله."
كلام الرب هو أشهى غذاء، وأنجع دواء، وأعظم رجاء، وسر الفرح والهناء!
إنه السراج الذي يضيء لنا السبيل، وهو أحد الوسائط الذي يرشدنا بها الرب فنسلك في الطريق الصحيح والأمين.
يصف المزمور التاسع عشر كلمة الرب بعشرة أوصاف: "ناموس الرب كامل – شهادات الرب صادقة – وصايا الرب مستقيمة – أمر الرب طاهر – خوف الرب نقي – ثابت إلى الأبد – أحكام الرب حق وعادلة كلها – أشهى من الذهب – أحلى من العسل." من اختبر الاستماع إلى أقوال الرب يقول: "أفتخر أنا بكلامك – بفرائضك أتلذّذ – أحببت وصاياك أكثر من الذهب والإبريز – شريعتك خير لي من ألوف ذهب وفضة."
اختبرت مريم هذا الاختبار الرائع فنسيت كل شيء آخر. نسيت نفسها... نسيت أختها... لقد أغمضت عينيها عن كل شيء لكي ترى الرب فقط، وأغلقت أذنيها عن الاستماع إلى أصوات العالم لتسمع صوت الرب يسوع فقط.
اجلس يا أخي، واجلسي يا أختي عند قدمي الرب، فما أسماها جلسة وما أروعها فرصة... تمتعت مريم بأعظم البركات.
لقد كانت مريم مبهورة، وفي دائرة النعمة محصورة، وأيضًا بهذه الجلسة مسرورة، وبهذا الاختبار فخورة!
نعم، إنها أروع جلسات العمر!