Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيرحت أبكي بحرقة قلب من الألم الذي ألمَّ بي، وذرفتُ الدموع السخينة بسبب ما عانيتُه في داخلي من شكوك كثيرة وأسئلة محيّرة صارت تقضُّ عليّ مضجعي. وأضحيتُ أقاوم وبشدة الاستسلام لمثلِ هذه التعاليم التي تلقَّنتُها في صغري التي لم أفهم معناها ولم أدرك مغزاها.

وبدلَ أن تقرِّبني تلك الشكوك والمخاوف إلى ديانتي، صارت تُبعدني عنها وأحسستُ أنَّ هناك شيئًا ما مفقودًا، وقمتُ أبحث عنه بكلِّ جوارحي وتساءلتُ ما هو الشيء المفقود الذي أفتش عنه يا ترى؟ وأين أجدُه؟ لم أعرف كنهَهُ بالحق، لكنني كنتُ على يقينٍ بأنَّ فقدانه هو السبب الذي منعني من أن يكونَ لي علاقة حميمة مع الله.
نعم، راودَتْني هذه المشاعر والأحاسيس والمخاوف والشكوك على الرغم من أنَّني نشأتُ وتربَّيت في كَنف عائلةٍ مسلمة محافظة في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا. أمّا والداي فكانا يتحدَّران من أصولٍ إيرانية إذ نشآ وترعرعا في جمهورية إيران الإسلامية واستطاعا أن يحافظا على نمطِ التديُّن الذي اعتادا عليه حتى وهما بعيدان عن وطنهما الأم. لذا، فكانا يمارسانِ كلَّ الواجبات الإسلامية، ولقد ربَّياني أنا أيضًا على اتِّباع هذه الفرائض والطقوس الدينية منذ طفولتي، وتعلَّمت الآيات القرآنية وحفظتُها عن ظهر قلب، ورحتُ أردّد الصلوات والابتهالات وأستمع إلى قصص القرآن تُتلى عليَّ وأنا في فراشي في كل ليلة. ليس هذا فحسب، فإن جدتي وعندما كبرت قليلًا، أخذت تعلّمني كيف أؤدي الصلاة على أصولها، وأجبرتني على حفظها وترديدها بحذافيرها لكن دون أن أفهم منها شيئًا. ومنذ نعومة أظفاري كنت أرى أبي يصوم في شهر رمضان، بينما كانت أمي تقوم بتقديم التبرعات المالية للجامع المحلي. وكطفلة مطيعة أردت أن أكون مسلمة مثالية، لكن مع مرور السنوات، بدأت أتساءل في نفسي قائلة: لماذا كل هذا التعقيد في الدين الإسلامي؟
وبعد مرور السنين اكتشفت مع الوقت، بأنَّ كل ما كنتُ أقوم به من واجبات دينية وممارسات لم يكن إلا نزولًا عند رغبةِ والديَّ ولكن بطريقة تتناسب مع وضعي وحياتي ونشأتي هنا في الغرب، وهذا ما حزَّ في نفسي، وآلمني كثيرًا جدًا، وجعلني أحسُّ بالذنب ومن ثمَّ بالإحباط في أعماقي، لأنني لم أُرضِ الله ولم أحظَ بنوال ما يتوقَّعه مني بالرغم من محاولاتي المتكررة. وحين أصبحت في الصفوف الثانوية بدأت أطَّلع على بعض التناقضات الموجودة بين ما يؤمن به الإنسان المسلم الذي كان مثالي الأعلى، وبين ما يقوم بفعله في الحياة اليومية. فمثلًا، كانت أمي تدّعي بأنها مسلمة ورعة وتقية، لكنَّها في نفس الوقت لم تكن لتلبس الحجاب في الأماكن العامة! أمَّا أبي، الذي بحكم أعماله ومشاغله الكثيرة، كان يغض الطّرْف عن أداء الصلاة لله خمس مرات في اليوم!
كما أثار غضبي المسلمون الذين يكذبون ويغتابون الناس بالكلام عنهم، مما سببَ الأذيَّة لبعضهم البعض، وفي نفس الوقت يدَّعون بأنَّهم مخلِصون للإسلام. كل هذا لم يكن له أيُّ تفسير منطقي في ذهني، لأنه لم يكن ليمثِّلُ العلاقةَ الصحيحة أو التكريس الحقيقي لله. ولهذا بقيت الأسئلةُ في داخلي تتضاعفُ يومًا بعد يوم، حتى أصبحتُ أقاوم وبشدة الخضوع للتعاليم الإسلامية. وبدل أن أقترب من الدين صارت شكوكي تبعدني شيئًا فشيئًا عن الإيمان بها. نعم، وشعرتُ بأنَّ هناك حلقةً ما مفقودةً تمنعُني من أن أحقِّق هذه العلاقةَ الحقيقية مع الله، ولم أستطع فكَّ هذا اللغز المحيّر. ولكثرةِ ما شغلَتْ هذه الحلَقةُ الضائعة فكري وأحاسيسي رحت أتصوّرها بمخيلتي وكأنّي بي أرى أمام ناظريّ بيتًا كبيرًا فخمًا وله مدخل رئيسي واحد. وهذا المدخل يفتقدُ لقبضة الباب التي من شأنها وحدَها فتحُه. نعم، لم يكن لديَّ أيُّ فكرة عن ماهيَّة الجزء الضائع أو فحوى الحلقة المفقودة، لكنّني أدركتُ أهميتها ولهذا كنتُ على يقينٍ تام بأنني سأجدُها في يومٍ من الأيام.
وفي السنة الثانية من دراستي في جامعة لوس أنجلوس UCLA وفورَ دخولي إلى غرفتي في مساكن الطلاب، الغرفة رقم 752أ لم أكن أعلم ما يخبّئُه لي الله القدير من مفاجآت في رحلتي الدراسية هذه. فلقد كانت رفيقتاي المشتركتان معي في الغرفة مسيحيتين ملتزمتَيْن، وكذلك كلُّ الطالبات في الغرف المجاورة. وكنَّ يعرفن بعضهن بعضًا جيدًا من السنة السابقة، وهكذا بَدَوْنَ لي نسيجًا واحدًا مترابطًا ومتآلفًا. ومن الطبيعي في هذه الحال أن يغمرَني شعورٌ بالغربة وعدم الانتماء في وسط هذه المجموعة، لأننَّي لستُ بمسيحية. وفي كلِّ مرة طُرحت تساؤلاتٌ عن موضوع الدين، كان يستولي عليَّ جمود رهيب، وأجد صعوبة بالغة بالردِّ عليهن، خوفًا من أن أجيبَ بشكل خاطئ. ولم أجد نفسي بعد حين إلاَّ وقد انخرطتُ معهن في حضور العديد من الاحتفالات أو المناسبات المسيحية. وفي مراتٍ عديدة كنت أستمع إلى أحاديثهن ومناقشاتهن حول مواضيع مسيحية سواء في دراسة لمقاطع من الإنجيل، أو من خلال أحاديث جانبية عابرة. ولم تكن هذه المناقشات إلاَّ تحديًا صارخًا لإيماني أنا، وهذا ما دفعني إلى التفكير من جديد للبحث عن الحقيقة التي كنت أفتش عنها. وفي كل مرة سمعت فيها عن يسوع المسيح، وتعلمت عنه، كانت تساؤلاتي تتكاثر، وتزداد رغبتي في العثور على الحق.
لكنّ طريقي هذا لم يكن سهلًا لأنني وبسبب التحديات الدراسية، والضغوط الخارجية، فضلاً عن القلق وأمور الحياة، التي لعبت هذه جميعها دورًا في انحرافي عن طريق بحثي عن المسيح. وفي السنة الثالثة، عانيتُ الكثير من مشاكل صحية وجسدية ونفسية، واستولى عليَّ الخوف والرعب على مستقبلي حتى شَغَل ذلك تفكيري كلّه. وتساءلتُ: لماذا تحصل معي هذه الأشياء في حياتي؟ وشعرت بأنَّني بعيدة عن الله، لا بل، وكأنَّ الله قد تركني فعلًا. ونتيجة لذلك ابتدأتُ بالاعتماد على حلولٍ دنيوية علّي أتخلَّصُ من معاناتي هذه. لكنَّني لم أكن على علمٍ ساعتئذٍ بأنَّ هذه هي خطة الله في تعامله معي إذ كان فعلًا يجهِّز قلبي ويحضّر روحي لمعرفة حقيقته.
كنت قد اعتدت قبل نهاية السنة الدراسية، أن ألتقي وصديقةً لي من هذه المجموعة كي نتحدَّث قليلًا قبل الدخول إلى الصف معًا، ولاحظتُها في إحدى المرات وهي تقرأ الإنجيل. فسألتها إن كنتُ أستطيع أن أقرأه معها، فرحَّبت بالفكرة وللحال فتحت الإنجيل بحسب يوحنا وبدأت تقرأ الفصل الأول منه. ولم تكَدْ تنتهي منه حتى وجدتُ نفسي قد تعلَّقت به. وغمرني شعور عجيب وغريب في آنٍ معًا، وأحسست بالضياع والراحة والسلام في نفس الوقت من تأثير كلمات هذا الكتاب. وفي الأيام التي تلت ذلك، رحت أفكر باستمرار بالذي قرأته وسمعتُه، وشعرت برغبة جامحة لمعرفة المزيد، لكنني أحسست في أعماقي بأنَّني قد خنت ديني وبعت عائلتي. وفي نفس الوقت كنت على يقين بأن كلمات القرآن وتعاليمه بجملتها لم تمسّني قطّ يومًا كما لمستني كلمات هذا الإنجيل في الصميم ومن خلال أصحاح واحد فقط. وبعد فترة من الزمن، أصبح هذا أمرًا لا يمكن تجاهله البتّة، فطلبت من صديقتي بأن ندرس معًا الإنجيل بحسب يوحنا بأكمله. فقبِلتْ واتفقنا على اللقاء أسبوعيًا لدراسته. لم تكن الدراسة سهلة البتة، بل كانت متعبة، ومرهقة، وفيها من التحديات الكثير. وشعرت أخيرًا وكأنني أدرتُ ظهري لتعاليم الإسلام ولعائلتي، وقلقتُ من ردة فعل والديّ لهذه البحوث التي كنت أقوم بها. لكن ولحسن حظي، باركني الله بصديقات مخلصات، ساندوني ودعموني في رحلتي هذه. كما شاركت عائلاتهُن بإرشادي وتوجيهي. وحين كنت بينهن في عطلة نهاية الأسبوع، اغتنمتُ الفرصة وسألتهم سؤالًا وراء الآخر، واستمعت إلى الإجابات واحدة تلو الأخرى. وبعد جلسات عديدة علمتُ أنَّ الأمر كله يتعلّق بشيء واحد هام ألا وهو الإيمان. الإيمان بالرب يسوع المسيح، الإيمان بأنه وحده القادر أن يعينَني ويقوّيني، لذا فعليَّ أن أسلِّم حياتي بالكلية له. وهذا بالضبط ما فعلت. وبدموع سخينة سالتْ على خديّ التفتّ إليه وطلبته من كل قلبي فوجدته بالحق والفعل. وسألته أن يرشدني ويقود مسيرتي بحسب خطته ومشيئته لحياتي. وخلال عيد القيامة المجيدة في عام 2014 أطعت الرب بالمعمودية، ويمكنني القول بأنَّني وجدت الرب يسوع المسيح وقبلْتُه بكل جوارحي كمخلص شخصي لحياتي. أجل، لقد وجدت الحلقة المفقودة، إنها قبضة الباب الضائعة التي كنت أفتش عنها. هذا هو يسوع الذي دخلت من خلاله إلى حياة جديدة رغيدة. وهكذا أستطيع أن أقول الآن بأنه هو الوسيط الذي جعلني أحظى بعلاقة صحيحة وذات معنى مع الله. نعم، وجدت مَن فتشتُ عنه، ووجدت فيه الإجابة عن كل أسئلتي. لم يكن البحث قصيرًا، كلَّا، وكذا العثور على الحقيقة لم يكن سهلًا، لكنّ إصراري على فعل ذلك، ومثابرتي عليه بدموع كثيرة، وبعد معاناة طويلة، وجدت ما كنت أبحث عنه.
إن رحلتي لم تنتهِ هنا يا أصدقائي، ولم تخلُ ولن تخلو حياتي من المشاكل بمجرد قبولي للمسيح. لكن الله يدعونا لكي نثبتَ فيه ونعتمد عليه حتى في وسط الضيقات والأزمات ومهما كانت صعبة أو مستحيلة. لأنه بنظري هذا ما يجعل المرء مسيحيًا حقيقيًا فعلًا وليس الشكر والتسبيح في أيام الرخاء والسعد والهناء. والآن أود أن أوجه كلمة شكر لصديقتيَّ ليزا ونادين، وعائلاتيهما، وإلى كل الذين لعبوا دورًا هامًا في رحلة معرفتي للحق. وألفَ شكر لكل صلاة رُفعت من أجلي، وكل نصيحة قُدّمت قادتني إلى هذه الحياة الجديدة وهذا القرار المصيري. لقد أوصلني الله بحكمته إلى نقطة الانهيار الكامل، لكي يجعَلني أدرك بأنه هو كل ما لدي، لا بل هو فعلًا كلُّ ما أحتاج إليه.
ياسمين/ سان فرانسيسكو

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

637 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577905