Voice of Preaching the Gospel

vopg
استقال العالِم الكبير من كل مناصبه. ترك معمله وجامعته وطلبته، وتفرّغ لخدمة زوجته التي رافقته حياته أربعًا وعشرين سنة بعد أن أصيبت بمرض الـ "ألزهايمر". كرّس جهده كاملًا لرعايتها والعناية بها.

كان انسحابه من حياته العملية التي كان يصول ويجول فيها بكل نجاح صعبًا. لكن الأصعب عليه كان تعامله مع زوجته وتوفير احتياجاتها.
كتب يقول إنه في يوم بائس مشئوم كان يساعدها لتناول الطعام. قاومته بعنف وهو يجلسها على المائدة وأخذت تتحرك بعصبية في كل الاتجاهات وترمي الطعام بعيدًا. جاهد ليمنعها من ذلك فلطّخت وجهه وشعره وملابسه وهي تدفعه وتصفعه... وتناثر الطعام ولوّث المكان كله.
ثار وغضب وصرخ فيها وضربها بيده على ظهرها. لم تكن الضربة شديدة، لكنها فزعت وقفزت وسقطت على الأرض صارخة باكية. ارتمى بجوارها يحاول تهدئتها معتذرًا لها وهي تزداد ضجيجًا وحركة. مرّت بهما مدة وهما راقدان على الأرض يبكيان حتى ناما من الحزن والتعب وهو يحتضنها وسط الطعام المتناثر في المكان كله. لم يحدث، كما قال، طوال سنوات زواجهما أن لمسها وهو غاضب.
بعد رحيلها عاش وذكريات تلك الليلة تكوي داخله وتحرق قلبه لأنه غضب منها.
الغضب من أقسى التعابير عن مشاعر الإنسان!
_______
حِفظ السبت وصية هامة جدًا عند الشعب اليهودي. "اذكر يوم الرب لتقدسه." كان مجمع كفرناحوم كبيرًا واسعًا، سقفه منخفض مرفوع على أعمدة منحوتة من الحجر.
دخل يسوع المجمع ودُفع إليه أحد أسفار الناموس والأنبياء ليقرأ منه ويعلّم، كما كانت العادة في كل مجمع يدخله، إلا أن ذاك الصباح كان مختلفًا.
كان بعض الكتبة والفريسيين يجلسون خلف يسوع الواقف في الأمام يواجهون الجماهير. كانوا قد دسّوا بينهم رجلاً يده يابسة وسألوه سؤالاً خبيثًا ليوقعوه:
هل يحلّ الإبراء في السبوت؟
تحوّل ونظر إليهم وقد أدرك مرادهم، ثم نظر إلى الرجل الذي يقف عاجزًا منبوذًا معزولاً:
هل يحلّ في السبت فعل الخير أم فعل الشر؟ تخليص نفس أم إهلاكها؟
جواب بسؤال، وهو ينظر إليهم بغضب حزينًا على قساوة قلوبهم، وبكلمات غاضبة قال:
أي إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف؟!"
وضع أمامهم مثالاً يشاهدونه يحدث كل يوم. وجّه عقولهم لتفكّر فيما يحدث منهم عادة تجاه الخروف الساقط عاجزًا في حفرة. وها هو إنسان أفضل من الخروف قطعًا، يقف عاجزًا ويده اليابسة مدلاة بجواره بلا حياة تهتزّ باهتزازات جسده. أرادهم أن يدركوا ويتعاطفوا ويرحموا الإنسان دون الجمود والتزمُّت الديني. لكنهم، سكتوا... رفضوا أن يُشفى الرجل، فاليوم يوم سبت.
غضب يسوع وحزن لقساوة قلوبهم. حوّل نظره عنهم وقال للرجل:
مدّ يدك.
وجرى الدم في العروق، وسرت القوة في الخلايا، واهتزّت الأنسجة ودبّت الحياة في اليد وعادت صحيحة كالأخرى.
غضب يسوع وحزن إلا أن غضبه تحوّل رحمة ومحبة وشفاء!
_______
وبينما كان يسوع يعلّم وحوله جمهور كبير من الناس تحمّست بعض النسوة وقدّمن أولادهنّ إليه، لكن التلاميذ انتهروهنّ وأبعدوا الأولاد عنه.
اغتاظ يسوع! والغيظ شكل من أشكال الغضب.
اقتحام الأطفال للتجمعات العامة والاقتراب من الشخصيات الهامة أمر معروف ومألوف حتى اليوم. رأى يسوع تلاميذه يُبعدون الأطفال عنه فقال بغيظ:
دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.
كان لهؤلاء مكانة خاصة عنده وكان يتمتّع بوجودهم حوله. لم يدرك تلاميذه، رغم أنه قال لهم قبلاً، وهو يعني كل كلمة مما قال:
طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات... طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.
وقال أيضًا مؤكدًا ذلك:
الحق الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله.
اتضاعنا ووداعتنا تفتح لنا أبواب السماء. يتصوّر البعض خطأً أن ما نفعله يقودنا إلى المجد! أما يسوع فينظر إلى ما لا نستطيع أن نفعله ويقدّره ويثني عليه:
طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت الله.
الودعاء والمساكين بالروح مطوّبون.
اغتاظ يسوع من إبعاد التلاميذ للأولاد فاستدعاهم إلى دفء حبه وحضنه.
_______
فإذا ذهبنا إلى يسوع في قمة غضبه في أورشليم قبل الفصح ببضعة أيام وقبل صلبه، هنا نراه داخلاً الهيكل. ما أن اجتاز البهو الخارجي حتى وجد نفسه محاصرًا بالتجار، والباعة، والصيارفة وهم يزاحمون بعضهم بعضًا وتتعالى أصواتهم وهم ينادون على ما يبيعونه من غنم وبقر وحمام مقبول ومسموح به من الكهنة. زحام، وصدام، وسباب، وشجار، ودفع بالأيادي وكأنهم في أدنى أسواق المدينة. حمي غضبه، وشرع سوطه، ورفع صوته، وقلب موائد الصيارف وكراسي باعة الحمام، وأخذ يدفعهم خارجًا ويقول غاضبًا:
بيتي بيت الصلاة يُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.
غضب لبيت الآب الذي حوّلوه إلى بيت مساومة وغش وسرقة.
غضب لتحوّل أصوات الصلاة إلى أصوات قبيحة ورنين وصليل دراهم وأموال.
غضب لخداع الكهنة لمرتادي الهيكل وتحديد صفات وأشكال الذبائح التي يقدّمونها.
غضب وهو يرى البهو الخارجي المخصّص للأمم للعبادة يتحوّل سوقًا للتجارة والبيع والشراء.
ارتبك التلاميذ وهم يرون معلمهم غاضبًا هكذا فلم يعهدوه إلا مسالمًا وديعًا رقيقًا متواضع القلب. الآن فهموا ما قاله لهم سابقًا:
لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا.
نعم، يسوع لم يغضب لمن أساءوا إليه، لكنه غضب للناس المظلومين العاجزين المنبوذين وغضب لبيت أبيه.
في غضبه أظهر عطفًا على صاحب اليد اليابسة فأعاد لها الحياة.
في غضبه أظهر حبًا واهتمامًا للأولاد فاحتضنهم وباركهم.
في غضبه طرد الباعة الفاسدين المستغلين وطهّر الهيكل منهم، وأعاده بيت صلاة.
غضبُ يسوع غير غضبنا... غضبه حميد جيد ممزوج بالرحمة والعطف والحب.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2015

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

582 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577854