"لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا... كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ." (يعقوب 13:1)
يحاول يعقوب أن يوضِّح للقارئ والمستمع حقيقة مهمة بخصوص صلاح الله وفساد الجنس البشري.
الحقيقة المهمة بخصوص الله هي أنه صالح وليس فيه شر البتة. فهو لا يُجَرِّب أحدًا، ولا يستطيع أحد أن يُجَرِّب الله. ومعنى هذا الجزء من الآية 13، أن الله لا يمكن أن يغريه الشر فيتعامل معنا وفق غريزة أو رد فعل. كما أن الله لا يمتحن أحد وفي ذهنه استخدام الشر لتجربته. وعلى عكس ذلك، نقرأ في الآية 17 أن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من عند الله أبي الأنوار (لا وجود للظلمة في محضره). فهو لا يتغير أخلاقيًا، وهو لا يتغير من حيث الجوهر، وهو لا يتغير من جهة مبادئه. بالمقابل، يكتب يعقوب موضحًا السبب الحقيقي الذي يقف وراء تجاربنا. السبب هو نحن! نعم، نحن!
وهنا يقول يعقوب، أن كل واحد يُجَرَّب (وهنا بمعنى يمرّ في التجربة ويسقط فيها)، إذا انجذب وانخدع من شهوته. يستخدم يعقوب كلمتين مهمتين لتوضيح كيفية سقوطنا في التجارب. وهاتان الكلمتان مأخوذتان من عالم صيد السمك، إذ تُستَخْدَم الكلمتان لتصفان حالة السمكة وهي تنظر إلى الطُعم المعلّق في صنارة الصيد. يقوم الطُعم بحركة تولِّد اهتمامًا لدى السمكة، فتنخدع السمكة بمنظر الطعم وهو يتحرك. الحركة الثانية التي تفعلها السمكة، تنجذب نحو الطعم. والحركة الثالثة تقوم بقضم الطعم فتعلق في الصنارة، والحركة الأخيرة لا تصدر عنها بل عن الصياد الذي يجذب الصنارة والسمكة المعلقة بها. فتهلك السمكة نتيجة وقوعها في شرك شهوتها.
أليس هذا هو حالنا، ننظر إلى الخطية فتتولّد فينا رغبة لاقترافها. إن تراجعنا، ربحنا أنفسنا، وأما إن مضينا قُدمًا، فتأتي الخطوة التالية، تعلق أقدامنا فيها وفيما تقدمه لنا من لذّة وقتية تنتهي بانتكاسة قوية في حياتنا الروحية. إن لم نتب عن الخطية التي اقترفناها نتيجة انجذابنا إلى إغراءاتها وقررنا الاستمرار فيها لأننا نتلذذ بها، ينتهي بنا المطاف بتأديب جسدي من عند الرب، ربما يصل إلى الموت.
ولكن إن تُبنا بقوة الرب يسوع المسيح وتوقفنا ونبذناها، عندها ربحنا نفوسنا ويبتدئ الرب في عملية التقديس. قد نتخلّص من هذه الخطية، ولا نعود إليها، لكن هذا لا يعني أننا تخلصنا من نتائجها. فالخطية خاطئة جدًا.
الرب يقوينا لنحذر من الطُعم المنصوب في طريقنا لنتجنبه، والرب معكم جميعًا.