"طَلَبْتُ إِلَى الرَّب فَاسْتَجَابَ لِي وَمِنْ كُلِّ مَخَاوِفِي أَنْقَذَنِي." (مزمور 1:34-10)
نعيش في عالم مليء بكل صور الخوف وأشكاله، ومن ينكر الخوف يعيش في الخيال وينكر الواقع. علينا أن نتعرّف بأن كل واحد منا لديه مخاوفه الخاصة به. أي إن الخوف جزء وواقع أساسي في حياتنا كبشر، وجزء من حقائق الحياة. الخوف شيء غير مريح ومضرّ عقليًا ونفسيًا وجسديًا وروحيًا. يبدأ مع الإنسان منذ الطفولة ويستمر حتى آخر يوم في حياته.
أول حالة خوف في التاريخ كانت خوف آدم من الله بعد أن أكل من الثمرة الممنوعة. فعندما سأل الله آدم: "أين أنت؟"، أجاب آدم: "سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ." (تكوين 2:3) أي إن الخوف قد دخل حياة الناس عندما ارتكب آدم وحواء الخطيئة الأولى وسقطا.
أولاً: الخوف هو ما يريده الشيطان للإنسان
يريدنا أن نعيش بقلق وخوف واضطراب، ونفقد الهدوء والسكينة والاطمئنان والراحة وسلام القلب والنفس والفكر. فالشيطان يريد لنا العذاب، أما الله فيريد لنا الحياة والحياة الأفضل.
ثانياً: تعريف الخوف
الخوف يعني وجود مشاعر أو أحاسيس مؤلمة تثيرها توقّعات بوقوع الشر كالمرض أو الفشل أو الموت، وبأسلوب حياة يؤثر على القوى العقلية والنفسية والجسدية وعلى علاقة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين وحتى مع الله. الخوف يعني أيضًا القلق وانعدام الراحة وانعدام السلام القلبي الداخلي والحيرة والشعور بالرهبة والاضطراب.
الخوف هو أيضًا دليل على عدم استقرار في الفكر والمشاعر والأحاسيس. ومعروف أن الخوف لا يوجد في العالم من حولنا، بل هو في عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وتوقّعاتنا لما قد يحصل معنا أو في حياتنا، فالإنسان الذي يخاف من الألم والعذاب هو في الواقع إنسان معذّب ومتألم مما يخاف منه.
فالخوف في محصلته هو شعور سلبي نحو أمور مختلفة في الحياة.
ثالثًا: يوجد نوعان من الخوف
الخوف الإيجابي: مثل الخوف من مخالفة في قيادة السيارة لأنه يمنع من التهوّر وسرعة القيادة. وكذلك الخوف اللحظي الذي ينتهي بزوال الخطر يعتبر أيضًا خوف إيجابي. فالخوف مثلًا: نار مشتعلة وردّ الفعل الطبيعي هو الابتعاد عنها.سيارة مسرعة والابتعاد عن طريقها. سماع صوت إطلاق نار، والرد يكون بانحناء الرأس أو وضع الأيدي على الأذنين.
الخوف السلبي: وهو الخوف المرضي، كمن يخاف من السلام ومصافحة النَّاس ويغسل يديه باستمرار، فهذا هوس ومرض. والخوف المرضي هو شيء دائم ومستمر. هو رد فعل غير طبيعي لمشاعر سلبية ترافق الإنسان باستمرار، فهو خوف غير منطقي وغير مبرر، ويؤثر في السلوك اليومي والتفكير.
رابعاً: أسباب الخوف
للخوف أسباب كثيرة منها: عدم الإيمان وعدم الثقة بالرَّب. أو الثقة بالنفس وبحكمتنا الزمنية أكثر من الله، أو الثقة بأشياء محدودة أكثر من حكمة الله. نخاف لأننا نحب أنفسنا أكثر من الله. ونخاف لأننا نعيش في الحاضر، ولا نفكر بالأبدية نهائيًا. نخاف لأننا خطاة. فقد خاف كل من آدم وحواء بعد عصيان الله وسقوطهما في الخطيَّة. نخاف لأننا نضع اعتبارًا للنّاس ولآرائهم فينا أكثر من موقف الله منا.
أكرر هنا أن أكبر سبب للخوف هو ثقتنا بأنفسنا وقدراتنا بأموالنا أكثر من ثقتنا بالله.
خامساً: نتائج الخوف
نكتشف حسب تعاليم ربنا في الإنجيل المقدس أن الشيطان لا يريد لنا أن نعيش بسلام وهدوء واستقرار. الشيطان يعمل على سرقة الهناء والسرور والفرح من حياتنا، وأهم وسيلة يستخدمها الشيطان لجعل حياتنا تعسة هي الخوف.
فالخوف ببساطة يجعلنا تعساء وبؤساء وأشقياء، وقلقين لدرجة أننا لا نهنأ بالنوم. فالقلق أحد أهم نتائج الخوف. فهو يشلّ حركتنا، ويجعلنا نعيش حياة الإحباط ويفقدنا القدرة على التفكير السليم.
الخوف يجعلنا غير مستقرين ويملأ عقولنا وقلوبنا بمشاعر مضطربة. يمنعنا من التفكير الواعي والعاقل والمنطقي، ويحرمنا من الاستمتاع بالحياة، خصوصًا الخوف من المرض أو فقدان العمل أو الخوف من الموت.
الخوف يجعل حياتنا غير مثمرة، كما قال الرَّب يسوع: "هَمُّ هَذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ." (متى 22:13) إنه يمنعنا من الحديث مع النَّاس عن إيماننا المسيحي، والأخطر أن الخوف يمنعنا من ذكر اسم الرَّب يسوع المسيح. فالخائف يهتم كثيرًا بتعليقات النَّاس وكلامهم غير الأخلاقي: ماذا سيقولون عني وماذا سيعلمون لو عرفوا أنني مؤمن بالرَّب يسوع له كل المجد.
الخوف يسرق الفرح من حياتنا ويمنعنا من الاختلاط بالنَّاس. يمنعنا من إنجاز أعمالنا. وقد يقود إلى تصرفات وأعمال طائشة، ولا سيما خشية رفض النَّاس لنا. فنلجأ إلى أسلوب خاص بالطعام، أو نلبس ملابس ملفتة للنظر أو نقدم على سلوك مُشين. إنه يسرق الفرح من حياتنا ويقود إلى المرض والموت. وأخطر نتيجة للخوف أنه يجعل حياتنا عذابًا (1يوحنا 18:4).
سادساً: علاج الخوف
1. الثقة بالله وطلب الله في حياتنا، (مزمور 4:34، 6، 17، 19، 22). فالله يمدّنا بالشجاعة والعزيمة لمواجهة ما يعترضنا، والمواجهة لا تكون بقوتنا بل بقوة الله. نقرأ في رسالة فيلبي 13:4 "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني."
2. الصلاة والتسبيح وتمجيد اسم الله. نقرأ في مزمور 22:55 "أَلْقِ عَلَى الرَّب هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ. لاَ يَدَعُ الصِّدِّيقَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الأَبَدِ". بدلًا من الاعتماد على أنفسنا وذكائنا.
3. الثقة بوعود الله، وخصوصًا أن الله طلب منا 365 مرة في الكتاب المقدس ألا نخاف.
نقرأ آيات عديدة جدًا في كلمة الله تساعدنا على مواجهة الخوف: "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا. لِذَلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ." (مزمور 1:46-2) "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي." (مزمور 4:23) "إن كَانَ اللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا!" (رومية 31:8) "لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلَهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي." (إشعياء 10:41)
"لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي." (إشعياء 1:43) "لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالمحبَّة وَالنُّصْحِ." (2تيموثاوس 7:1) "وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ." (متى 28:10-29)
هل نطيع وصية الرَّب يسوع؟
نحن نثق بأشياء كثيرة، ونثق بالنَّاس وبأقوالهم، ونادرًا ما نثق بوعود الله. نثق بالسيارة، للتنقل. نثق بالمال، لشراء طعام ولباس وللمواصلات. نثق بالأطباء، بالأصدقاء، بالأقارب. فهل نثق بالله؟
الطفل يثق بأبيه وأمه. ثق بالله ثقة الأطفال بأبيهم.
4. عندما يملأ الخوف حياتنا، علينا أن ندرك بأننا بحاجة إلى الاعتراف بخطايانا، لأن الاعتراف بالمشكلة هو المدخل لحلها.
5. قبول حقائق الحياة الأساسية كالمرض والموت. وتذكَّر أن الرَّب يسوع تحدّى كل المصاعب واحتمل كل أنواع الآلام بدون خوف، فهو قدوتنا في الحياة.
6. الانتباه إلى الأشياء التي تفكّر بها. فأسلوب تفكيرنا يؤثر جدًا على مخاوفنا وصحتنا النفسية والجسدية. إن معظم أفكارنا سلبية، فالناس يفكرون بالموت والفشل والسقوط، وهذه أمور تخيف الإنسان. لذلك علينا أن نكون إيجابيين في تفكيرنا كما نقرأ في فيلبي 8:4 "أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا". تقبَّل المشكلة التي تخيفك على أنها فرصة من الله للنمو في الإيمان والصبر والثقة في الرَّب. حاول أن ترى الإيجابيات وسط المشكلة (شخص وقع وانكسرت رجله فقال: أشكرك أن رجلي فقط كسرت وليس رأسي، فما زلت أرى وأسمع وأفكر). انظرْ إلى النصف المليان من الكأس وليس إلى النصف الفارغ.
7. خوف الله أو مخافة الرَّب تنزع كل خوف من حياتنا: الذي يخاف الله لا يخاف من أي شيء. والذي يخاف من أي شيء، فإن لديه مشكلة روحية وهي أنه لا يخاف الله.
8. فكر بالأبدية: التفكير بالعالم الحاضر متعب ومحبط ومؤلم. لذلك فكّر بالحياة الرائعة والمجيدة والسعيدة في ملكوت الله. نقرأ في رسالة كورنثوس الثانية 16:4-18 "لِذَلِكَ لاَ نَفْشَلُ. بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ."
الموت هو مجرد انتقال من حياة الإحباط والمرض والألم والحسرة والخوف إلى حياة التعزية والسلام والسعادة والمحبَّة والصحة، إلى حياة مع الرَّب. "وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ..." (رؤيا 4:21)
9. علاج الخوف بالمحبَّة: نقرأ في "لاَ خَوْفَ فِي المحبَّة، بَلِ المحبَّة الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ. وَأَمَّا مَنْ خَافَ فَلَمْ يَتَكَمَّلْ فِي المحبَّة." (1يوحنا 18:4)
أعظم وصية أعطاها لنا الرَّب يسوع هي وصية المحبَّة. نقرأ في متى 36:22-40 "يَا مُعَلِّمُ أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: تُحِبُّ الرَّب إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَﭐلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ." كلما ازدادت محبتنا لله، قلّت مخاوفنا وانعدمت. فالمحبَّة تساعدنا في التغلب على الخوف من الله أو من النَّاس. تذكّر أن المال والأصدقاء والتمارين الرياضية والوصفات الغذائية لن تنزع الخوف.
10. توقّع بإيمان بركة الله على حياتك، وقوة الله لنزع مخاوفك.
11. انهض من الخوف ومارس حياتك بشجاعة وثقة واتكال كلّي على الرَّب الذي لن يخيّب أملك كما نقرأ في بطرس الأولى 13:3- "فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْرِ؟ وَلَكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّب الإِلَهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ."
12. أهم طريقة لعلاج الخوف هي أن تعرف إرادة الله لحياتك، وبأن الله خلقك لتفرح به وبخليقته. الله لم يخلقنا للعذاب بل للسعادة، الله خلقنا بدافع المحبَّة، وهو يريد كل ما هو رائع لنا، وهذه الحقيقة يجب أن تنزع كل خوف من حياتنا.
مخافة الله تعني التقوى، تعني محبَّة الله وتوقيره وتعظيمه وإعطاءه حقه في الخضوع والطاعة والعبادة والحياة المقدسة البعيدة عن كل أشكال الشر والخطيَّة.
صلّ للرب وقل له من كل قلبك: يا رب، أنا أعرف أنك تحبني. أرجوك أن تملأ قلبي بحب نحوك. طهرني من كل خطيَّة ومن كل إثم. اغسلني بدم الرَّب يسوع. وساعدني أن أبدأ من جديد حتى وأنا في عمري الحالي. املأني بالروح القدس حتى أنال قوة سماوية تطرح الخوف بعيدًا عن حياتي وتملأني بسلام الله الذي يفوق كل عقل وفكر بشري. أشكرك يا رب لأنك تسمع الصلاة. باسم الرب يسوع. آمين.