في إنجيل لوقا أصحاح 15 تكلم الرب يسوع عن الضياع (سواء ضياع الخاطئ وبُعده عن طريق التوبة أو ضياع المؤمن وفقدان شركته مع الله)، وذلك من خلال ثلاثة أمثلة، حيث كل واحد له سبب مختلف لضياعه:
الخروف الضال، وسبب ضياعه هو الغباء والجهل الروحي
الدرهم المفقود، وسبب ضياعه هو الموت الروحي
الابن الضال وسبب ضياعه هو التمرد الروحي
1. الخروف الضال
وفيه صورة للغباء والجهل الروحي. يقول الرب: "قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ."
(هوشع 6:4)
لو تُرك الخروف وحده، فإنه لا يعرف كيف يرجع إلى حظيرته خلافًا لبعض الحيوانات كالثور أو الحمار. "الثور يعرف قانيه والحمار مِعلف صاحبه. أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم." (إشعياء 3:1)
أيها القارئ الحبيب، لقد اشترانا الرب يسوع ودفع فينا ثمنًا غاليًا، دمه الكريم!
لقد اقتنانا، فهل تعرّفت عليه وتيقّنت من ذلك؟ هل قبلت الذي اشتراك لكي يخلصك؟
وهل لك شركة شخصية وتعاملات معه؟
هذه المعرفة، يشرحها مثل عربي ببساطة متناهية في حوار جرى بين إعرابي وزميله:
- هل تعرف فلانًا؟
- نعم، أعرفه.
- وهل لك عِشرة معه؟
- لا، ليس بعد.
- إذن، أنت لم تعرفه بعد.
عزيزي القارئ، هل عرفت من اقتناك واشتراك بدمه الكريم؟
هل تتمتّع بعشرة وشركة معه أم هي مجرد معرفة عقلية فقط.
أخي وأختي، الادّعاء بأنك تعرِفَ عن الرب يسوع المسيح لا يعني أنك قد عرفته شخصيًا، ومعرِفَتك للكتاب المقدس لا تعني أنك فعليًا قد اختبرت قوة كلمة الله في حياتك.
إن اختبار المعرفة الحقيقية للرب يسوع المسيح، هو بأن ترى نفسك كما يراك هو، إنسانًا خاطئًا وبحاجة إلى الخلاص. وتؤمن بالرب يسوع المسيح ابن الله، الذي تجسّد ليفتديك على الصليب.
تبدأ المعرفة الشخصية للرب يسوع، عندما تقبله مخلصًا شخصيًا لك، وتجعله سيدًا على حياتك، فتستمتع بدفءِ محبته وحنان صدره لأنه هو راعيك الصالح.
أخي الحبيب، لا تملأ معدتك بأكل رخيص، فاسد وسامٍ كالقراءات العاطلة في المجلات الخليعة، ومشاهدة المسلسلات الغرامية وغير ذلك، لأنها تبعدك عن معلف صاحبك وتحرمك من الإحساس بالجوع إلى كلمة الله الحية. فهي التي تحتاجها لكي تنمو في النعمة والقامة.
يقول الرسول بطرس "وكأطفال مولودين الآن، اشتهوا اللبن العقلي العديم الغش لكي تنموا به." (1بطرس 2:2)
لكن الله المحب لا يترك أبدًا الإنسان في ضلاله بل يقوم ويبحث عنه ويفتش عليه حتى يجده. يقوم بأقانيمه الثلاثة التي تقوم بنفس العمل. ففي كل مثل من أمثلة الضياع الثلاثة نجد أقنومًا من الأقانيم الثلاثة يعمل عمله لإرجاع المفقود.
فهنا في مثل الخروف الضال نجد الأقنوم الذي يتكفل بإرجاع الخروف الضال هو راعى الخراف العظيم الذي يشير إلى شخص الرب يسوع المسيح (أقنوم الابن)، "رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ." (عبرانيين 20:13)
"أنا أرعى غنمي وأُربضها، يقول السيد الرب. وأطلب الضال، وأستردّ المطرود، وأجبر الكسير، وأعصِب الجريح، وأُبيد السمين والقوي، وأرعاها بعدل." (حزقيال 15:34-16)
ولكن على الخراف أيضًا أن تتبع راعيها:
"خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي."
(يوحنا 27:10-28)
عزيزي، هل يرى الآخرون فيك ثمار هذه العلاقة الشخصية والاختبار الفعلي مع الراعي الصالح؟ هل يرون فيك خروفًا سعيدًا هانئًا محمولًا على الأذرع الأبدية؟
إن لم يكن كذلك، فلماذا لا تدعو الرب أن يسكن في قلبك اليوم. حينئذٍ تقدر أن تقول بثقة وسعادة وسلام، "الرب راعيّ... نعم، إنه راعيّ أنا."
2. الدرهم المفقود
الدرهم هو عملة معدنية ليس فيها حياة، يمثل الإنسان المائت روحيًا. قد يكون عليه صورة الملك دلالة على أنه يتبع الملك ولكنها تبعية إسمية فقط. والسبب في ضياع هذا الدرهم هو الموت الروحي الذي يمثّل إنسانًا ميتًا روحيًا لا حياة فيه. ونحن نجد هذا في المؤمن الجسدي، أي هذا الإنسان المؤمن الذي فيه الإيمان ميت وأعمال الجسد ونزواته مسيطرة ومتحكّمة في كل تصرفاته، لكن العامل هنا والمدبر لعملية إرجاع المفقود هو أقنوم الروح القدس المتمثّـل في هذه المرأة، إذ يوقد الروح القدس سراجًا (كلمة الله) ويبحث عليه باجتهاد حتى يجده؛ والروح القدس يستخدم دائمًا كلمة الله معنا في مجالات كثيرة لولادتنا الولادة الثانية، ولتبكيتنا وإرشادنا. "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي."
(مزمور 105:119)
3. الابن الضال
هو صورة لتمرّد الإنسان على خالقه. وهنا نجد مجد الله في خلاص الإنسان ورجوعه الذي يتمثّل في عمل الأب، الذي يمثل أقنوم الآب، الذي فتح ذراعيه واستقبل ابنه الضال بفرحة غامرة! لم يرفضه بل قبله وغفر له كل خطاياه.
يشجع هذا المثل كل الذين يدركون تعاستهم في بعدهم عن الله، الذي ما زال يحبك وينتظر عودتك. فلا تخف من أن تأتي إليه لأنه سيستقبلك كما فعل الأب مع ابنه الضال.
عزيزي القارئ، أينما كنت ومهما كان بعدك، أو سبب ضياعك، ارجع لأن الله ينتظرك، الآب والابن والروح القدس، هذا الثالوث المقدس يعمل من أجلك لاستردادك مرة أخرى من يد إبليس وإنقاذك من الضياع.
"لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون." (1تيموثاوس 3:2-4)